رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السياسة الأمريكية ومحاربة الإرهاب

لا شك أن الولايات المتحدة تقوم بدور مهم فى محاربة الإرهاب سواء بالنظر إلى وضعها كقوة عظمى فى النظام الدولى أو لأنها مستهدفة كغيرها وربما أكثر بالعمليات الإرهابية لهذا السبب تحديداً بمعنى أن وضعها كقوة عظمى يحتم عليها التدخل فى القضايا الدولية كافة بما فى ذلك التدخل فى الشئون الداخلية للدول مما يستتبع وجود خصوم لها فى هذه الدول، ولا شك أيضاً فى أن الدور الأمريكى فى محاربة الإرهاب قد حقق نتائج مهمة، لكن ثمة ملاحظات جديرة بالنقاش ترد على هذا الدور من منظور مشروعيته وفاعليته وتداعياته، وهناك مشكلة تعترض أى محاولة للتقييم الموضوعى للدور الأمريكى فى محاربة الإرهاب تتمثل فى الإجابة عن سؤال مفاده هل كل ما تحاربه الولايات المتحدة باعتباره إرهاباً هو كذلك بالفعل؟ والإجابة شديدة الصعوبة بل مستحيلة نظراً لغياب الاتفاق حول تعريف الإرهاب، غير أنه لتسهيل النقاش سوف أعتبر أن كل ما تراه الولايات المتحدة إرهاباً هو كذلك بالفعل وذلك لكى يمكن القيام بمحاولة موضوعية لتقييم فاعلية السياسة الأمريكية موضع التحليل ومشروعيتها وتداعياتها، وهو ما توضحه الملاحظات الثلاث التالية:

تتعلق الملاحظة الأولى بملمح أساسى للنهج الأمريكى فى محاربة الإرهاب والذى يركز بوضوح على اغتيال القيادات العليا للتنظيمات الإرهابية كما حدث مع بن لادن فى عهد أوباما والبغدادى فى عهد ترامب والآن قاسم سليمانى والذى سنرى أن اعتباره إرهابياً من وجهة النظر الأمريكية يثير إشكاليات معينة، ومن الواضح أن هذا النهج وإن وجه ضربات موجعة للتنظيمات المستهدفة إلا أنه لا يقضى عليها لأن هذه التنظيمات لا تقوم على قادتها وحدهم، فثمة فكر يؤمن به أنصار هذه التنظيمات يصنع ولاءهم المفرط لها، وبنية كثيراً ما تكون حديدية تمنع انهيارها بعد اغتيال قادتها وتمكنها من اختيار البديل بسهولة أحياناً، وتكتيكات تسمح لأعضائها بحرية الحركة بعيداً عن توقعات الأجهزة الأمنية المعنية، وبيئة حاضنة فى بعض الأحيان نتيجة ظروف التهميش الاجتماعى والاقتصادى والسياسى تتيح لها حماية مجتمعية بدرجة أو بأخرى أو على الأقل تمنع المختلفين معها من محاولة الإضرار بها، وهكذا قُتِل بن لادن والبغدادى ولم تختف القاعدة أو داعش، ولا توجد دراسات علمية موثوق بها تمكننا من قياس تأثير عمليات الاغتيال على أنشطة هذه التنظيمات الإرهابية فى الوطن العربى، بل إن ثمة مؤشرات واضحة على ما يشبه النمو السرطانى لهذه التنظيمات فى بعض البلدان الإفريقية والآسيوية، ولذلك فإن وقفة جادة مطلوبة مع هذا النهج الذى ينظر لاجتثاث الإرهاب من منظور جزئى.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالمشروعية، ولا شك أن محاربة الإرهاب بكل السبل مشروعة لكن المشكلة تبدأ من الاختلاف فى تعريف الإرهاب، فحزب الله فى لبنان مثلاً يمثل حالة بالغة التعقيد، فقد بدأ فى ثمانينيات القرن الماضى كحركة تحرر وطنى ضد الاحتلال الإسرائيلى لأراض لبنانية، وحقق فى هذا الصدد إنجازات بلغت ذروتها فى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الشريط الجنوبى فى2000، وصمد فى وجه العدوان الإسرائيلى2006، ثم تحول لاحقاً إلى قوة سياسية تفرض إرادتها على باقى القوى بالسلاح كما فى أحداث بيروت2008، ولعب دوراً مهماً فى محاربة داعش فى أطراف لبنان، والقصد من هذا المثال بيان أن تحديد ما هو إرهابى ليس بالعملية السهلة، وتتعقد المسألة أكثر فى العملية الأخيرة التى قامت بها الولايات المتحدة لاغتيال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس، ومع كل الاختلاف مع السياسات الإيرانية الرامية إلى الهيمنة على البلدان العربية إلا أنه لا يمكن مساواة سليمانى ببن لادن والبغدادى، فقد كانا على رأس تنظيمين إرهابيين عانى العالم ويلاتهما ولا يوجد أدنى شك فى الإجماع على ضرورة اجتثاثهما وإمكانية ذلك إذا اتُبعت الاستراتيجية السليمة، أما سليمانى وأياً كان الرأى فيما يفعله فهو جزء من مؤسسة رسمية فى دولة يعترف بها العالم وليس مطروحاً القضاء عليها، بل إن إيران تتمتع بما يشبه التحالف مع دول كبرى كروسيا والصين والمناورات المشتركة بين الدول الثلاث فى خليج عُمان ليست بعيدة، بل إن الدول الأوروبية فى أزمة الاتفاق النووى الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران قد اتخذت موقفاً بالغ الاعتدال، وبالتالى فإن اغتيال الرجل يُعَد بالمفهوم القانونى عدواناً على دولة ذات سيادة ناهيك بانتهاك السيادة العراقية لمجرد القيام بالعملية على الأراضى العراقية دون استئذان.

وأخيراً نأتى إلى التداعيات وهى أخطر ما فى الموضوع، وبينما سبب اغتيال بن لادن والبغدادى ارتياحاً بالغاً فى الأوساط الدولية مع التحسب لردود فعل العمليتين فإن العالم كله يحبس أنفاسه الآن فى انتظار التصعيد القادم من إيران حيث وضعها ترامب أمام تحدٍ لا يمكنها أن تتجاهل مواجهته إذ ضرب رمزاً بارزاً من رموز نظامها وعدم الرد لا يعنى سوى القبول بالهزيمة، ولذلك استهدفت إيران القوات الأمريكية فى عين الأسد كذلك فإن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تقبل برد يصيبها بضرر جدى تؤكد إيران أنها لا يمكن أن تتنازل عنه، ويعنى هذا أن سيناريو التصعيد الخطير الذى قد يفضى إلى حرب إقليمية مطروح، ولهذا لوحظ أن ردود الأفعال كافة عدا إسرائيل دعت إلى ضبط النفس بما فى ذلك حلفاء الولايات المتحدة فى أوروبا والخليج إلى الحد الذى دفع وزير الخارجية الأمريكى إلى الإعراب عن عدم رضائه عن المواقف الأوروبية والاتصال بالمسئولين الخليجيين وإعطائه الانطباع بتعاطفهم، بل إن الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب الأمريكى تحفظت على العملية، ومن ناحية أخرى يمكن القول بأن عملية الاغتيال دقت المسمار قبل الأخير فى نعش الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق وعرضت أصدقاء الولايات المتحدة فى الخليج لخطر جسيم.


لمزيد من مقالات د.أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: