رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الميلاد: رسالة السلام والاتضاع

يحمل مجتمعنا البشرى علامات حروب وصراعات تغذى الكراهية والعنف، وقد حدث فى الآونة الأخيرة تغيُّرات عدة فانتشرت الجريمة، وهذا الوضع لا يعبر إلا عن تفشى الشر فى المجتمعات البشرية.وقبل ألفى عام مضت كان المجتمع على نفس الشر فقد نعتهم مرة السيد المسيح بـ الجيل الشرير. وهذا بالطبع بجانب شر المستعمر الرومانى الذى استشرى فى استعباد الشعب وممارسة أشد مظاهر العنف ضده. هذا الشر المتبادل جعل الأمر يزداد سوءًا.

لكن الغريب أن وسط كل هذا الشر تظهر الملائكة فى ليلة ميلاد السيد المسيح لرعاة مستبدين يحرسون أغنامهم فى ليل بيت لحم القارس لتعلن لهم ولكل العالم رسالة السلام قائلة: الْمَجْدُ للهِ فِى الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ. وقد قال نبى الله زكريا عن السيد المسيح بروح النبوة إن المسيح جاء لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِى الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِى طَرِيقِ السَّلاَمِ.

كان اليهود آنذاك يرون أن المسيح سيأتى فقط ليخلصهم هم، وأن وعود العهد القديم حصرية عليهم، كما كان اليهود آنذاك يحقرون من كل مختلف عنهم، لكن رسالة المسيح كانت عكس ذلك تمامًا، فرسالة المسيح والتى بدأت وتمثلت فى ميلاده هى رسالة كونية، غير محصورة على جماعة بعينها. هى رسالة أن الله يحب الجميع، مهما يكن شره. الميلاد فى مضمونه العميق هو رسالة المساواة بين الجميع والقبول.

وفيما بعد، فى حياة السيد المسيح وضحت هذه المفاهيم، إذ كان يذهب يسوع بين الخطاة المنبوذين، والعشارين المكروهين من الجميع، بل وكان يأكل معهم وهنا أدانه علماء اليهود قائلين: لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟ فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ:لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَي. فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّى أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّى لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ.

هل فكرنا من قبل فى مضمون هذه الكلمات، يقول السيد إن ما يريده الله منَّا ليس أعمالًا صالحة جوفاء، وليس كلمات معسولة على الشفاه، ما يريده الله منا ليس إلا الرحمة، الرحمة بمفهومها الواسع. فالميلاد يذكرنا أن الله يحب جميع البشر حتى السيئ منهم وأن حبه غير مشروط وبلا مقابل. وعلينا نحن أيضًا ونحن نحتفل بالميلاد أن نتعلم هذا الدرس القيم.

الميلاد أيضًا يعلمنا التواضع، لكن إن نظرنا للعالم حولنا سنجد أن الكبرياء متفشية ممّا يعزّز الرغبة فى الاستحواذ وفى الهيمنة، وهكذا فإن الحرب التى تحدث فى العالم تولد أولًا فى قلب الإنسان، من الأنانية والكبرياء، ومن الكراهية التى تؤدّى إلى التدمير، وإلى سَجنِ الآخر فى صورة سلبيّة، وإلى استبعاده وإلغائه.الحرب تتغذى من تحريف العلاقات، ومن طموحات الهيمنة، ومن إساءة استخدام السلطة، ومن الخوف من الآخر، ومن الاختلاف الذى يُعتَبر عقبة.

كل ما سبق هو سبب من أسباب أشد المذابح دموية حدثت عبر التاريخ، يوم قرر هيرودس أن يقتل الأطفال الأقل من سنتين خوفًا على عرشه. لا نعرف كم قتل بالضبط، مئات أم آلافا أم أكثر، لكن كل ما نعرفه أن هناك أطفالًا أبرياء قد قتلوا بدم بارد، بسبب رغبته المريضة على الهيمنة، وبسبب حبه للسلطة.

لكن المسيح كان على النقيض، إذ يوصينا السيد: تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّى وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.» ومنذ ليلة ميلاده كان وديعًا ومتواضعًا، فلم يولد فى قصر بل فى مزود بسيط، عاش شخصا عاديا، اقترب من الجميع، لم يفرق بين غنى وفقير، بين الأبرار المشهور برهم أو بين الخطاة المفضوحة خطاياهم. كان قريبًا للجميع. بل كان يتكئ ويأكل مع المنبوذين والمرفوضين.

كان السيد المسيح صانعًا للمعجزات، شفى عميانًا وعرجًا وبرصًا، بل وأقام موتي. كان له أن يستغل ذلك ليصنع لنفسه شعبية، فيجمع الشعب خلفه ويصنع من نفسه بطلًا شعبيًّا، وإن فعل هذا لن يلومه أحد على شيء، لكنه لم يفعل، بل أكمل رسالته معلنًا أن الله يحب الجميع، دون تفرقة، يحبهم مهما يكن بهم من شرور، ومهم كان فسادهم.

ميلاد السيد المسيح وحياته يقدمان لنا مثالًا لنحتذيه، أن نحب بعضنا البعض، لا يتكبر أحد منا على الآخر، بل بالعكس علينا أن نتضع، ولا ندع بحثنا عن المكاسب والمناصب ينسينا أننا جميعًا متساوون، جميعنا بشر رغم اختلافاتنا سواء فى الدين أو العرق أو اللون. جميعنا أمام الله. لذا ونحن فى مشارف عام جديد علينا أن نقف وقفة مع أنفسنا، ونعمل معًا من أجل ترسيخ مبادئ الأخوة والمساوة والاتضاع، التى تُبنى بشكل عميق على أساسها المشترك فى الله الذى خلق الجميع سواء، الله الذى يشرق شمسه على الجميع, الأشرار منهم والصالحين. وهذه المبادئ نمارسها عبر الحوار والثقة المتبادلة، فالسلام رغبة موجودة بعمق فى قلب الإنسان ويجب ألا نقبل بأقل من ذلك.

أخيرا أود أن أقدم للجميع رسالة السلام والمسرة، متمنيًا لمصرنا الحبيبة الرخاء، مصليًّا لشعبنا أن نعيش جميعًا فى محبة ووئام ورخاء.

> رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر


لمزيد من مقالات ◀ د. القس. أندريه زكى

رابط دائم: