رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إنقاذ الاتفاق النووى ومنع واشنطن وطهران من التصعيد أولوية قصوى..
الاتحاد الأوروبى يتوقع ثمنا باهظا للمواجهة الأمريكية -الإيرانية

رسالة لندن منال لطفى
جثامين الضربة الأمريكية بساحة الانقلاب الإسلامى بطهران

تحاول أوروبا «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» من استراتيجيتها فى الشرق الأوسط التى تقوم على حماية الاتفاق النووى مع إيران من الانهيار وفتح باب للحوار بين واشنطن وطهران إن أمكن، والحفاظ على التحالف الدولى لمحاربة «داعش» فى سوريا والعراق، وحل سياسى شامل للأزمة فى ليبيا ومنع أزمة لاجئين ومهاجرين دولية جديدة. لكن الهجوم الأمريكى على قائد قوة القدس التابعة للحرس الثورى الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبى العراقى أبو مهدى المهندس عقد الصورة على نحو غير مسبوق وجعل أوروبا محاصرة بين خيارات كلها صعبة.

فمن ناحية لا تستطيع القارة العجوز انتقاد سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشكل علنى أو مباشر. فالعلاقات الأوروبية -الأمريكية تمر أصلاً بأزمة على خلفية قضايا شائكة متعلقة بالسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط وإعطاء ترامب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان «الضوء الأخضر» لاجتياح شمال شرق سوريا. إضافة لخلافات حول تمويل حلف شمال الأطلنطي، والموقف من الحرب التجارية مع الصين واستخدام الأوروبيين التكنولوجيا الصينية المتطورة لبناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات فائقة السرعة.

ولأن ترامب معروف ب«عدم تمتعه بجلد سميك إزاء انتقاده»، فإن الأوروبيين سيكونون مضطرين للسير على «حبل رفيع» من التوازنات الحساسة الدقيقة خلال الأشهر المقبلة لنزع فتيل الأزمة الحالية المشتعلة فى الشرق الأوسط. فمع أن ترامب قال إن هجومه على سليمانى والمهندس يهدف لمنع حرب فى المنطقة وتقليل المخاطر الأمنية للغرب، إلا ان النتائج الفورية للخطوة هى تدهور أمنى واضح دفع أحد أقوى حلفاء أمريكا فى العالم، وهى بريطانيا إلى الهرولة سعيا لحماية قواتها فى العراق، بعدما أقدم ترامب على خطوة تصفية سليمانى والمهندس دون أن يخبر أيا من حلفائه الأوروبيين بما فى ذلك لندن.

وفى ضوء الخطر الواضح، سارعت الدول الأوروبية بنصح رعاياها بالحذر وعدم التوجه للمنطقة إلا للضرورة القصوي. ثم تلى ذلك تصويت البرلمان العراقى لإخراج كل القوات الأجنبية من العراق، بما فى ذلك البريطانية. ما دفع بريطانيا إلى إرسال طلب لبغداد تدعو فيه لعدم طرد القوات البريطانية، نحو 400 مستشار عسكري، لمواصلة الحرب ضد «داعش».

وفيما تبحث طهران وحلفاؤها خياراتهم العسكرية للرد، فإنها أعلنت خفض التزاماتها الدولية التى نص عليها الاتفاق النووى، مؤكّدة التخلّى عن «كلّ القيود المتعلّقة بعدد أجهزة الطرد المركزى». ونقل التليفزيون الإيرانى عن بيان حكومى قوله إن ذلك يعنى «عدم وجود قيود على حدود التخصيب ومستواه والبحوث والتطوير... سيكون على أساس احتياجات إيران التقنية». وأضاف البيان أن بإمكان إيران التراجع بسرعة عن تقليص التزاماتها إذا رفعت واشنطن العقوبات.

ومن وجهة النظر الأوروبية، فإن هذا بالضبط الكابوس الذى لا يريده أحد. فخروج طهران من جوانب من الاتفاق النووى وعودتها لتخصيب اليورانيوم لمستويات ما قبل الاتفاق النووى 2015، قد يفتح الباب لتصعيد عسكرى أمريكى ــ إسرائيلى ضد إيران تحت دعاوى تطوير أسلحة نووية.

ومن وجهة النظر الأوروبية، فإن هذا هو أسوأ سيناريو ممكن.

ويضع الانسحاب الإيرانى الجزئى من الاتفاق النووى الدول الأوروبية فى موقف صعب جدا.

وتحسبا لما يمكن أن يحدث من تصعيد، دعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إيران إلى التخلى عن الاجراءات التى تتعارض مع الاتفاق النووي.

وقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون فى بيان مشترك «ندعو إيران لسحب كل الاجراءات التى لا تتوافق مع الاتفاق النووى».

وتطرق المسئولون الأوروبيون الثلاثة فى بيانهم إلى التوترات المتزايدة عقب الضربة الجوية الأمريكية، ودعوا إيران التى كانت توعدت بالانتقام، إلى الامتناع عن القيام «بأعمال عنيفة جديدة أو دعم أعمال كهذه».

وشدد ماكرون وميركل وجونسون على أنه «من المهم حاليا القيام بخفض التصعيد. ندعو جميع الجهات إلى اظهار أقصى درجات ضبط النفس والمسئولية».

كما دعوا الأطراف المعنية إلى عدم تعريض عملية مكافحة تنظيم «داعش» للخطر، وذلك بعد ان دعا برلمان العراق إلى «إلغاء طلب المساعدة» المقدَّم إلى المجتمع الدولى فى اطار محاربة «داعش».

ورغم المساعى الأوروبية للتهدئة، فإن طهران ستنظر بتشكك لكل الجهود الأوروبية بسبب ما تراه تقاعساً أوروبيا استمر لفترة طويلة للتصدى للعقوبات الأمريكية على طهران منذ أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووى من جانب واحد فى 2018.

فرغم الحديث الأوروبى الطويل عن «آلية مشتركة» للالتفاف على العقوبات الأمريكية على طهران، إلا أن هذه الآلية لم تر النور أبداً.

ووسط الشكوك والتصعيد، دعا مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى خوسيب بوريل إلى العمل على خفض تصعيد التوتر فى الشرق الأوسط خلال اتصال هاتفى مع وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف ودعاه لزيارة بروكسل لبحث سبل الحفاظ على الاتفاق النووى مع طهران.

لقد فتحت الضربة الأمريكية «صندوق باندورا» فى المنطقة ووضعت الأوروبيين فى مأزق صعب، ولا يشعر بهذا المأزق دولة أكثر من بريطانيا.

فالحكومة البريطانية تجنبت انتقاد الخطوة الأمريكية، بل قالت إنها تتفهم دواعى واشنطن فى حماية نفسها.

لكن على المستوى السياسى يشعر البريطانيون بالورطة التى سيكونون فيها مع رئيس أمريكى يتصرف بأحادية دون إخبار أحد فى قضايا تمس الأمن الدولى كله. وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست)، فإن لندن قد تجد نفسها وحيدة مضطرة لإرضاء ترامب للحصول على اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا. وكل هذا يضعها تحت ضغوط كبيرة.

وهناك بالفعل انتقادات عنيفة لجونسون بسبب قبوله للرواية الأمريكية كما هى فى قضية اغتيال سليمانى والمهندس.

ويعرب دبلوماسيون بريطانيون عملوا فى المنطقة من قبل عن قلقهم البالغ من تعريض كامل مصالح بريطانيا فى الشرق الأوسط للخطر البالغ بالوقوف فى المعسكر الأمريكى، محذرين من أن مواءمة بريطانيا بين البريكست، والحاجة للحليف الأمريكى، وحماية مصالح لندن فى الشرق الأوسط، وعلاقاتها الأوروبية، ستكون مواءمة صعبة ودقيقة خاصة وسط توقعات بفصول جديدة من المواجهة فى المنطقة بين طهران وواشنطن على جبهات العراق واليمن ولبنان وسوريا.

أيضا ستجد لندن نفسها ممزقة بين موقف أمريكى متشدد فى الملف النووى الإيرانى وموقف أوروبى أكثر مرونة. ويقول السير ريتشارد ديلتون السفير البريطانى السابق فى طهران لـ«الأهرام»: «لا أعتقد ان إيران تريد حربا كبيرة، لكنها فى نفس الوقت سترد فى الوقت والمكان الذى تختاره.

لكن الرد الإيرانى قد لا يكون سريعا فعندما تكون إيران فى موقع ضعف تميل للتصرف بترويا وتمهل. فإيران تحت عقوبات أمريكية شديدة منذ 18 شهرا وهى مؤلمة بشكل متزايد.

وبالتالى عندما تقول أمريكا إنها لا تريد حربا فإنها محقة من جهة أنها لا تريد حربا تقليدية كبيرة، لكنها منخرطة بالفعل لأسباب غير حصيفة فى حرب اقتصادية ضد إيران».

ويوضح أن هناك عنصرين مفقودين، أولا أى شىء عن المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التى استندت إليها لتبرير اغتيال سليمانى.

وثانيا عدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة المعالم لحل أزمات المنطقة، فما تقوم به واشنطن يزيد الأمور تعقيدا.

وفى نظر كثير من الأوروبيين، فإن طهران وإن كانت مصدر اضطرابات فى الشرق الأوسط، فإن واشنطن أيضا لها دور فى تأجيج تلك الاضطرابات.

كما أن سلوك إدارة ترامب محرج بشكل خاص بسبب اللغة التى يستخدمها.

فقد توعد مجددا بضرب مواقع ثقافية فى إيران، رغم التنديد الذى أثارته تهديداته السابقة سواء فى إيران أو فى الولايات المتحدة نفسها حيث ارتفعت أصوات تتهمه بالتحضير لارتكاب «جريمة حرب».

وقال ترامب لصحفيين يرافقونه فى الطائرة الرئاسية «نسمح لهم بقتل مواطنينا.

نسمح لهم بتعذيب وتشويه مواطنينا. نسمح لهم باستخدام قنابل لتفجير مواطنينا. ولا يحق لنا المس بمواقعهم الثقافية؟ الأمور لا تسير بهذا الشكل».

وبعد تصريحاته، جال بومبيو على البرامج الصباحية على كبرى الشبكات التليفزيونية الأمريكية ليؤكد أن واشنطن ستحترم «إطار القانون»، متفاديا فى الوقت نفسه معارضة الرئيس بشكل صريح.

وعبر نيكولاس بيرنز السفير الأمريكى السابق لدى الحلف الأطلسى فى عهد الرئيس الجمهورى جورج بوش عن صدمته من تصريحات ترامب قائلا إن تهديده «لا أخلاقى ومعارض للقيم الأمريكية».

بينما كتب كولين كال المستشار السابق فى المسائل الأمنية لنائب الرئيس الديمقراطى جو بايدن «يبدو لى من الصعب أن أصدق أن البنتاجون حدد لترامب أهدافا تتضمن مواقع ثقافية إيرانية».

وتابع «قد لا يكون ترامب يكترث لقوانين الحرب، لكن المسئولين والمحامين (فى وزارة الدفاع) يكترثون... والواقع أن استهداف مواقع ثقافية يشكل جريمة حرب».

ويشعر كثير من الأوروبيين ان ترامب فى سعيه لتخويف إيران يتصرف ويستخدم لغة تشبه تنظيم «داعش» الذى دمر مواقع من التراث العالمى فى مدينة تدمر فى سوريا وحلب ومناطق عديدة فى العراق.

ووسط التهديدات الإيرانية بالرد والانسحاب الجزئى من الاتفاق النووي، والتحركات الأمريكية أحادية الجانب وغير المدروسة، تجد أوروبا نفسها محاصرة فى أزمة متفجرة بين إيران المتشككة فى الغرب ورئيس أمريكى لا يستمع لأحد.


جونسون

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق