طبول الحرب تدوى بقوة بعد اغتيال ضربة جوية أمريكية لجنرال ايران قاسم سليمانى قائد فيلق القدس وأبو مهدى المهندس نائب رئيس قوات الحشد الشعبى فى العراق قرب مطار بغداد مساء الخميس، فالجنرال سليمانى هو أبرز الشخصيات الإيرانية بعد المرشد الإيرانى خامنئي، ويحظى بشهرة وشعبية كبيرتين، أما أبو مهدى المهندس فهو القائد الميدانى لقوات الحشد الشعبى العراقية، التى يبلغ تعدادها نحو 150 ألف مقاتل، وتشكلت عقب اجتياح داعش للعراق واقترابها من بغداد، وانهيار قطاعات كبيرة من الجيش العراقي، ولعبت دورا أساسيا فى دحر داعش، والسؤال الذى يتردد بشدة هو كيف ومتى سيكون الرد على الضربة الأمريكية الموجعة؟، وهل ستكون ردا متدرجا عبر حرب استنزاف طويلة للقوات الأمريكية فى العراق وسوريا، أو عمليات واسعة بإطلاق عشرات آلاف الصواريخ لتؤدى لأكبر حريق فى المنطقة؟
المعروف أن إيران لا تتخذ قرارات متسرعة، وهى تدرك أن قرار الاغتيال قد تم اتخاذه وتدارسه فى أعلى المستويات العسكرية والسياسية الأمريكية، وهو تطور نوعى فى الصراع الأمريكى ـ الإيرانى الممتد منذ 40 عاما، والذى اخذ أشكالا مختلفة، اقتصادية وإعلامية ومخابراتية وعسكرية، لكن كلا الطرفين حرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، خشية اندلاع حرب واسعة، تتدحرج فيها كرة النار، وتتسبب فى خسائر لا يمكن احتمالها، فالولايات المتحدة صاحبة أقوى جيوش العالم لكن إيران أظهرت أيضا أنها ليست خصما عسكريا سهلا، ولها موقعها الإستراتيجى على الخليج وفى قلب أسخن مناطق العالم وأكثرها قابلية للاشتعال، ولديها ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية بعيدة المدي، وصواريخ بحرية ومنظومات للدفاع الجوى متطورة.
القرار الأمريكى بالضربة العسكرية المؤلمة هو مقامرة كبيرة من جانب الرئيس الأمريكى ترامب، لأنه يعنى انتقال الصراع إلى مستوى خطير، يمكن أن يترتب عليه خسائر كبيرة، ويعرض المصالح الأمريكية لمخاطر كبيرة، وستظل كل القوات الأمريكية والإسرائيلية فى حالة استنفار قصوى ترقبا لرد إيرانى لا يمكن التكهن بموعده، لكنه سيقع لا محالة، ويمكن أن تؤدى الضربة إلى فرش الورود فوق طريق ترامب لولاية ثانية فى البيت الأبيض، لكنه قد يفرشها بالأشواك، فلم يسبق لأى من قادة الولايات المتحدة أن رفعوا مستوى الصراع مع إيران إلى حد الحرب المباشرة، ويتقاسم رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو المصير نفسه مع ترامب، بل كان الأشد حماسا لحرب شاملة مع إيران، التى يرى أنها تشكل خطرا كبيرا على إسرائيل.
إننا أمام أحد إحتمالين، الأول أن تشن إيران وحلفاؤها حرب استنزاف طويلة ضد القوات الأمريكية المتمركزة فى شمال وغرب العراق وشمال شرق سوريا، وأعدادها ليست كبيرة، وهى تواجه خطرا كبيرا وفقا لتصريحات مسئولين سياسيين وعسكريين أمريكيين، لكن حرب الإستنزاف يمكن أن تتمدد بسرعة وفقا لمسار العمليات العسكرية وردود الفعل، وبالتالى تتحول إلى حرب واسعة، أما الاحتمال الثانى فهو أن تشن إبران حربا واسعة، تشمل كل القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة،لأحداث أكبر دمار ممكن، وإن كانت حرب من هذا النوع يمكن أن تعرض إيران لمخاطر أكبر بكثير من خلال أكثر الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية فتكا، وعندها سنكون أمام مأساة بشرية لا يمكن تصور حدودها، أو أنواع الأسلحة التى يمكن استخدامها.
إن اغتيال شخصيات عسكرية رفيعة من إيران أو العراق أو حزب الله يشكل ضربة مهمة بالتأكيد، لكنه لا يحسم أى حرب، فالجيوش النظامية أو حتى الميليشيات الشعبية لديها أعداد كبيرة من القيادات الميدانية، ولا تتوقف قدراتها على شخصية أو بضعة أشخاص، لكن تلك الضربات إما أن تضعف معنويات الخصوم، بإثبات قدرتها على الوصول لأكبر القيادات وتصفيتها، أو تكون دافعا للثأر والانتقام وتوسيع مدى الحرب وتحفز على تجاوز الخطوط الحمراء أو ما يسمى بقواعد الاشتباك، التى تكون مثل اتفاق ضمنى على مدى وقوة الضربات وردود الأفعال، ومع التطور الكبير فى الأسلحة على مستوى العالم، فالحروب المباشرة أصبحت أكثر كلفة فى ضحاياها وخسائرها المادية والبشرية، ويمكن لحساب خاطئ أن يلحق دمارا واسعا بدول عديدة، فهل تدرك إدارة الرئيس الأمريكى تداعيات تلك الضربة جيدا ومستعدة لكل ردود الفعل المنتظرة؟ أم أنها مقامرة لا يمكن التكهن بنتائجها، لأن الحروب يمكن تحديد موعد بدايتها، لكن لا يمكن تحديد حجم كلفتها المادية أو البشرية أو موعد نهايتها، خصوصا فى ظل التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية فى المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى سوريا ولبنان، والتى تتقاطع فيها الأزمات والصراعات والقابلة لانفجار كبير.
لمزيد من مقالات مصطفى السعيد رابط دائم: