رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصـــر وتحديات عام جديــد

أمام مصر الدولة والسلطة والشعب تحديات كثيرة فرضتها ظروف طارئة لم يكن أحد يتصور في يوم من الأيام أن تكون بهذا التأثير وهذه الضخامة.. إنها تحديات من كل جانب وجميعها تمثل سلسلة من الصراعات لم تكن مصر طرفاً فيها، ولكنها فرضت عليها ومع عام جديد يفرض علينا التزامات وتحديات جديدة يجب أن نستعد لها خاصة أنها تمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري بما في ذلك حياة المواطنين ومستقبل الوطن.. مع عام جديد أتوقف عند سلسلة من التحديات:

> إن التحدي الأكبر كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة هو استقرار مصر ولا شك أن الإنسان المصري تعرض لهزات عنيفة أفرزت واقعا جديداً أخطر ما فيه حالة الانقسام التي شهدها الشارع المصري وتركت آثارها علي كل شيء إن ثورة يناير أفرزت واقعاً جديداً وقسمت المصريين إلي فئات وطوائف ثم جاءت ثورة 30 يونيه وخرجت فيها الملايين من اجل عودة الاستقرار والأمن والمحافظة علي كيان الدولة المصرية ولكن كان لكل ثورة أعداؤها ومازلنا نعاني من هذه التقسيمات، خاصة أنها تحولت إلي ما يشبه القوي المعادية ووجدنا أبواقا تحمل الجوازات المصرية تنطلق خارج الحدود تشوه كل شيء حتي وصل الأمر إلي دعوات للتحريض علي مصر الوطن والشعب والسلطة وكان الأسوأ في هذه القوي المعارضة أنها تعمل خارج حدود الوطن وتستعين بقوي أجنبية وتبيع نفسها لمن يملك المال من أجل تشويه صورة مصر أمام العالم، إن رأيي دائما أنني أرحب بكل من يعارض داخل وطنه لآن المعارضة في الأوطان وبين أبناء الشعب الواحد لها حقوقها وقدسيتها، ولكن حين تتحول إلي عداوات وتتآمر مع قوي خارجية فإنها تفقد شرعيتها وقيمتها ودورها.. إن استقرار مصر مهمة صعبة ومسئولية علينا جميعا وإذا اختلفنا فيجب أن نختلف تحت سقف من الثقة والتسامح والحرص علي سلامة الوطن وأمنه وأحلامه في مستقبل أفضل.

> هناك تحديات تهدد بقاء الشعوب العربية كلها وبعيداً عن كل الأحداث والكوارث التي شهدتها سوريا والعراق واليمن وليبيا فإن هناك حشوداً أخري أمام مؤامرة كبري لتفتيت هذه الأمة أمام مشروع للتقسيم يعيد لأذهاننا معاهدة سايكس بيكو وتوزيع غنائم الدولة العثمانية، لقد نجح الغرب في الأعوام الأخيرة في تقسيم العالم الإسلامي وترك للمسلمين مهمة القضاء علي بعضهم البعض، ولهذا خرجت حشود الجماعات المتشددة دينيا وتحولت إلي مجموعات إرهابية وتولت تصفية الدول الإسلامية دولة بعد أخري ووجدت هذه الجماعات من يساندها ويؤيد مشروعاتها وهنا انقسمت الدول الإسلامية علي بعضها ووجدنا تركيا تحتضن داعش وتستخدمها في سوريا والعراق ووجدنا إيران تستخدم الحوثيين في تهديد دول الخليج والسيطرة علي اليمن وقد نجحت للأسف الشديد هذه الخطة وأصبح في الإسلام أكثر من قيادة وأكثر من جماعات وكان التدخل التركي في ليبيا يحمل مؤشرات خطيرة حيث سيتم نقل قوي داعش إلي ليبيا لتكون مركزا للإرهابيين من كل دول إفريقيا لتهديد العالم العربى كله.. إن وصول حشود داعش في حماية تركيا ودخول القوات التركية إلي ليبيا ينفذ مشروعا دمويا بحيث تتحول كل المواجهات إلي حروب بين المسلمين يقضون فيها علي أنفسهم وبدلا من أن تهدد هذه الحشود أوروبا وأمريكا فإنها يمكن أن تكون أفضل وسيلة لتصفية العالم الإسلامي من خلال عناصره المتطرفة.. إن الغرب يعمل ألف حساب لقوي التطرف التي تهدد الحضارة الغربية وقد اسند هذه المهمة إلي الرئيس التركي أردوغان بحيث يتحمل مسئولية هذه الحشود الإرهابية وتقوم بتصفية القوي الإسلامية الأخرى.. هناك سؤال لم نجد الإجابة عليه حتي الآن لماذا لم يتجه مقاتل واحد من داعش ليقوم بعملية داخل إسرائيل ولماذا كانت عملياتهم دائما في قلب الدول الإسلامية.. إن الخطة تهدف أساسا إلي أن يأكل الإسلام نفسه وان يدمر المسلمون أنفسهم بأيديهم، لماذا لم نتصور يوماً أن أردوغان يخدم مصالح الغرب وهو يدفع بالدواعش لتدمير الدول الإسلامية بأيدي أبنائها..

> هناك تحديات لنا من الجنوب واقصد ما يحدث في سد النهضة والخلاف مع أثيوبيا حول توزيع حصص المياه لا شك أن المفاوضات استغرقت وقتاً طويلا منذ بناء هذا السد وأن هذا الوقت يؤكد أن النوايا لم تكن كما ينبغي وأن القضية بالنسبة لمصر لا تحتمل التأجيل أو المساومة فإذا كانت إثيوبيا تريد الماء من أجل توليد الكهرباء فإن مصر تريد الماء من أجل حياة شعبها.. وحين يتعلق الأمر بحياة الشعوب فإن الإنسان يمكن أن يضحي بحياته من أجل أن يعيش.. إن الصورة رغم عدد الاجتماعات والمناقشات وتدخل أطراف دولية مثل أمريكا والبنك الدولي لم تصل إلي نتائج مطمئنه لجميع الأطراف، إن السد يوشك علي الانتهاء وقد بدأت أثيوبيا في تخزين المياه حتي وصلت إلى 15 مليار متر مكعب وان كانت تدعي إنها قامت بتخزين 7 مليار متر مكعب فقط.. إن أخطر ما في مشروع سد النهضة أن هناك أطرافا كثيرة تقف وراء هذا المشروع، وأنا لا أتصور أن تقف الدول العربية من هذه القضية موقفاً محايداً إن مياه النيل حياة مصر وهذه في تقديري مسئولية عربية ودينية ووطنية لأن بعض الدول العربية تستطيع أن تكون صاحبة موقف وإذا كانت هناك أطراف تساند إثيوبيا وهي تقطع المياه عن شعبين عربيين في مصر والسودان فهذه مسئولية لا يمكن أن يغيب العالم العربي عنها.. إن هذا ينبغي أن يسير في نفس الاتجاه مع العدوان التركي علي ليبيا لآن المسئولية هنا أيضا يجب أن تكون مسئولية عربية واقصد دولا مثل تونس والمغرب والجزائر والسودان وموريتانيا.. إن حماية الشعب الليبي مسئولية عربية وليست مصرية فقط، كما أن حماية حقوق مصر في مياه النيل مسئولية عربية ولا أتصور أن نلجأ إلي أمريكا أو روسيا في مثل هذه القضايا وبعيداً عن قرار عربي في مثل هذه القضايا..

> أمامنا أيضا تحديات كبيرة تجاه قضية الشعب الفلسطيني والمشروع المشبوه الذي طرحه الرئيس ترامب حول ما يسمي صفقة القرن ولا ينبغي أن يكون هناك انقسام حول هذه القضية لأن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي لن يترك فرصة للاستقرار فى المنطقة كلها، لقد أعطى الرئيس ترامب إسرائيل كل شيء وحرم الشعب الفلسطيني من أي شيء ولا أتصور أن صفقة القرن المزعومة يمكن أن يكون لها مجال فى التفاوض أو الحوار وقد قدمت أمريكا القدس والجولان هدية لإسرائيل، إن أمريكا لم تعد الوسيط العادل بين أطراف الصراع العربي ــ الإسرائيلي إنها تتحدث الآن باسم إسرائيل وتطالب الشعوب العربية بالتنازل عن أراضيها وسيادتها فى صفقة مشبوهة.. سوف تكون صفقة القرن من أهم تحديات 2020 إذا بقى الرئيس الأمريكي فى السلطة أما إذا رحل فلن يبكى عليه أحد..

> لا يمكن لنا أن نتجاهل أن هناك صراعا قادما حول مستقبل العالم العربى بعد أن عادت روسيا إلى المياه الدافئة بقواعدها وقواتها ومصالحها خاصة أن أمريكا كانت قد تصورت أن اختفاء الاتحاد السوفيتي فى ظروف غامضة منذ سنوات قد وضع نهاية لصراع القوى.. لقد عادت روسيا مرة أخرى تشارك فى صنع الأحداث والمواقف، ولها الآن قوات فى سوريا وربما ليبيا ولها علاقات خاصة مع إيران وتركيا ودول الخليج ومصر، كما أن الصين تمهد لكى تلعب دورا سياسيا يتناسب مع قوتها الاقتصادية التى اجتاحت العالم كله إن هذا يعنى أن أمريكا لم تعد القوة العظمى الوحيدة فى العالم وهنا يكون السؤال أين مصالحنا مع كل هذه القوى إن بيننا وبين أمريكا مصالح قديمة ومعونات وصفقات سلاح وحسابات سياسية كما أن روسيا الآن تحتل مكانة مهمة فى الاقتصاد المصري ابتداء بالمفاعل النووي فى الساحل الشمالي وانتهاء بإعادة استيراد السلاح الروسي وهنا يأتي دور الصين والعلاقات الاقتصادية التى وصلت إلى أرقام ضخمة ابتداء بالعاصمة الجديدة ومشروعات إنتاجية مختلفة.. إن مصر الآن تحرص على علاقاتها مع كل هذه القوى وهى تتصارع فى المنطقة أمام واقع عربي يمثل مأساة من مأسى هذا العصر ولهذا فإن العلاقات المصرية الخارجية تتسم بالحكمة وتبادل المصالح..

> لا ينبغي أن نسقط من حساباتنا أن هناك قوى إقليمية تسعى لكي تلعب أدوارا على حساب الدور المصري.. إن مصر كانت دائما حصن العالم العربي وكانت قلعة من قلاع الإسلام الواعي المتحضر، وهذه الأدوار اكتسبتها مصر من خلال مساهمات حضارية وإنسانية وتاريخية ولن تفرط فيها، وإذا كانت دول مثل تركيا أو إيران تسعى لإيجاد ادوار لها فى العالم العربي على حساب الدور المصري فإن علينا أن ندرك مسئوليتنا وأن نحافظ على دورنا الثقافي والديني والفكري والسياسي والعسكري إن قرار تركيا بغزو ليبيا انتهاك للسيادة المصرية.. وتدمير الشعب اليمنى على يد جماعات الحوثيين انتهاك للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وهذه الأطماع لم تظهر إلا فى ظل تراجع عربي وانقسامات بين الدول والشعوب بل وصلت إلى تشتيت الشعب الواحد.. إن التهديد لم يعد من القوى العظمى التى تريد أن تحكم العالم ولكن هناك قوى أخرى تتصور أنها يمكن أن تكون شريكا فى سوق الغنائم أمام أمة فقدت كل ثوابت وجودها وهنا يصبح من الضروري أن يكون هدف مصر دائما هو جمع شمل هذه الأمة التى تفرقت صفوفها وتمزقت شعوبها، ولهذا لم يكن غريبا أن تظهر وسط هذه الأمة دويلة مثل قطر تقتحم كل الثوابت وتدمر كل العلاقات وتجتمع فيها جيوش من أمريكا وتركيا وإيران وأن تصبح خنجرا فى قلب الأمة العربية فتدبر المؤامرات وتمول الإرهاب وتعتدي على كل المقدسات.. تبدو قضية قطر شيئا عابرا لا يستحق مجرد الإشارة ولكنها بكل المقاييس أساءت كثيرا للإجماع العربي..

 

 

 

ويبقى الشعر

 

غداً يَهدأُ الشوقُ بينَ الضلوعِ

وترتاحُ فينَا الأمانِي الصغارْ

وتَغدو الربوعُ التي عَانقتنا

رُسوماً من الصَّمتِ..فوقَ الجدارْ

وبين المرايَا التِي كم رسَمنَا

علي وَجنتيهَا عُيونَ النَّهارْ

ستجرِي الوجوه ظِلالاً..ظِلالاً

وينسَابُ حُزناً أنِينُ القطِارْ

وبَينَ الكئوسِ التي أرقتهَا

دمُوعُ الرحيلِ..وذِكرَي انتظارْ

سيأتِي المسَاءُ حزيناً خَجُولاً

ونمضِي كنجْمينِ ضلا المسَارْ

غداً يسألُ الفجرُ أين البَلابِلُ

أينَ النَّوارسُ..أين المَحارْ؟

وأينَ النجُومُ التِي رافقتنَا

عَلي كلَّ دربٍ..وفي كُل دَارْ؟

 

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: