رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هو الملك أحسن منك فى إيه؟

هل يكتب المبدعون ما يجول بأفكارهم أم ينصتون لآراء الآخرين ويضعونها فى اعتبارهم؟. ولماذا يفرق النحاتون والرسامون فى المعاملة بين الموديل الأنثى والموديل الذكر؟. وهل يخشى الناس الإبداع لأنه يخلخل قناعاتهم الثابتة المتوارثة؟. وكنت أحرص على مشاهدة معارض الفنانات من النساء، ولم أعثر على لوحة واحدة لرجل عار، وأسأل نفسي: لماذا تعطى الفنانة للرجل الموديل أن يبقى بملابسه، على حين يفرض الفنان الرجل على المرأة الموديل أن تكون عارية؟.

أحيانا يأتينى بالبريد إنتاج شابات وشباب يكتبون الشعر أو القصة أو يرسمون اللوحات أو يؤلفون الموسيقي، وغير ذلك من ألوان الابداع المتعددة. وقد ألتقى بهم وأسمع منهم حكايات تذكرنى بنفسى حين كنت فى مثل عمرهم، فتاة صغيرة قادمة من الريف، لا تملك إلا كشكولا أزرق وقلم رصاص، وحلما كبيرا أكبر من الهرم الأكبر، يتلخص فى جملة واحدة بسيطة: أن أعبر عن نفسى بالكلمات المكتوبة أو المنطوقة أو بالرسم أو بالموسيقي، أو أى شيء آخر موجود فى هذا الوجود.

إذا عدت بذاكرتى إلى الوراء، حينما تخرجت فى كلية الطب قصر العيني، كانت الطرق مسدودة، وكان أغلب الناس يقولون لي: لا يمكن أن تكتبى ما يجول فى عقلك.. لا يمكن أن تكتبى الأدب دون أن تدرسى الأدب.. أنت ِ درستِ الطب وليس الأدب، يصيحون مش معقول، إيش جاب ده لده. لو سمعت كلام الناس من حولي، لما أقدمت على الكتابة، فما بال أن أعبر عما يجول بعقلي؟. لولا الثقة التى أعطتها لى أمى وأبى منذ الطفولة، لفقدت الثقة تماما فى ذلك الشيء الذى أسميه عقلي، وربما توقف عقلى عن العمل، واعتمدت فى حياتى على عقول الآخرين، ممنْ يسمونهم العباقرة والرواد. فى أعماقى كنت أقول لنفسي، هل لهؤلاء العباقرة والرواد عقل أعظم من عقلي؟. ألم تلدهم أم مثل أمي؟. إنها عبارة كنت أسمعها من أمى ومن جدتى لأبى الريفية، سمعتها ذات يوم وأنا فى الخامسة من عمرى تقول لابنها أبي: وهو الملك أحسن منك فى إيه يا ابني، مش والداه بطن زى بطنى دي؟.

منذ الخامسة من العمر، انحفرت فى عقلى فكرة أن بطون النساء واحد، وأن أبى مثل الملك، ولد من بطن واحدة من هذه البطون، ويمكن لأبى أن يصبح مثل الملك، أو أفضل من الملك، كما تقول جدتى بالجهد والمثابرة والإرادة. فى العاشرة من عمري، حين سمعت الناس من حولى يقولون: انتى بنت ولا يمكن أن أفعل ما يفعله أخى لأنه ولد. كنت أثور عليهم وأقول لهم عبارة جدتي، وهو يعنى الولد أحسن منى فى إيه، مش والداه بطن أمى زى ما ولدتني؟.

أصبحت هذه العبارة مغروزة فى عقلي، أدافع بها عن حقى فى الحياة وفى الحرية وفى الابداع، وفى كل شيء مثل أخى وأكثر، إذا أصبحت أكثر ارادة وعملا وجهدا ومثابرة، وليس أى شىء آخر. تعود لى الذكريات وأنا أجلس مع الشابات والشباب المبدعين، الذين يسمعون من الناس كل يوم، ما يثبط هممهم، ويقتل ثقتهم بأنفسهم، ويفقدهم مواهبهم. عبارات تعود الناس فى بلادنا على إلقائها فى وجه المبدعات والمبدعين، مثل قصائد ايه يا بنتى خليكى فى الكيميا والاقتصاد.. يعنى إيه تغنى وتعزفى مزيكا يا بنت؟ اطلعى دكتورة تكسبى فلوس.. راجل الأعمال هو المستقبل ... فاكر نفسك عبقرى هتكتب الكتبه؟. هذه العبارات طبيعية لأن الإبداع الجديد ثورة على الموروثات. إنه عالم قبيح لا يفهم الا لغة المال أو الربح، وفى مجال الفن لا يفهم إلا العرى للنساء فقط، تحت اسم أن جسد المرأة جميل وموح بالإلهام ومفعم بالأسرار. عالم حين يعرى المرأة ليرسم جسدها الجميل، ينسى أو يتجاهل أن المرأة بسبب هذا الجسد الجميل، الموحى بالإلهام المفعم بالأسرار، تهان وتسب وتقهر وتحجب وتكون حليفة الشيطان، وأصل الغرائز، ودافع كل الشرور. الفن الحقيقى المبدع، لابد أن يفكر فى الزيف الذى يعيشه، لا يكتفى بتصوير الموروثات، لا تشبعه الاجابات الجاهزة، لابد أن يخرج من الطابور، ولو استلزم الأمر أن يمشى وحيدا.


لمزيد من مقالات د. نوال السعداوى

رابط دائم: