مع نهاية كل عام تنشط مراكز الأبحاث الدولية فى التنبؤ بمسار الأحداث فى العام الجديد. ومن واقع ما جاء بتقرير بعض هذه المراكز، وقراءتى الخاصة لما قد يحمله عام 2020. ومن بين العديد من التحولات التى قد يشهدها العام الجديد، اخترت الكتابة عن ثلاث ظواهر كبرى سوف تسهم فى تشكيل أحداثه، إحداها سياسية والأخرى اقتصادية، والثالثة تتعلق بالتكنولوجيا.
الظاهرة الأهم من وجهة نظرى تتعلق بالانتشار التكنولوجى، حيث سيظهر فى العام الجديد، و بشكل اكثر وضوحا تأثير التكنولوجيا و تطبيقاتها على كثير من نواحى الحياة، وسيتم إضفاء الطابع الديمقراطى بشكل اكبر على التكنولوجيا، بمعنى سهولة وصول الناس اليها والاستفادة منها دون تدريب مكثف او تكلفة عالية. و سوف يشهد العام الجديد استخداما اكبر لتكنولوجيا الجيل الخامس فى الاتصالات، و سيزداد دور الذكاء الاصطناعى فى العديد من المجالات، وسيظهر هذا جليًا فى مجال الرعاية الطبية على سبيل المثال، خاصة فى تقديم هذه الرعاية عن بعد، وسيتم إعادة تشكيل المشهد فى مجالات مثل التشخيص المبكر، وتطوير أدوية جديدة، والجراحة الدقيقة، وتقديم رعاية وقائية أفضل من خلال تحليل المعلومات الضخمة المتوافرة عن المرضى. ولكن فى الوقت نفسه سيزداد الجدل حول استخدام التطبيقات التكنولوجية خاصة تأثيرها على خصوصية الأفراد، بالإضافة الى الأسئلة المتعلقة بالممارسات الأخلاقية فى أبحاث الجينات والمواد البيولوجية. وستواجه الدول تحديات ضخمة فى حماية أنظمة المعلومات من الهجمات السيبرانية، و حظر و صول التكنولوجيا للعناصر الإرهابية. وستساعد التكنولوجيا دولًا مثل الصين والهند على الانضمام إلى العالم الأول، و بالرغم من أن الولايات المتحدة ستحافظ على ريادتها الإجمالية فى مجال التكنولوجيا، فإن تنافسها مع القوى الآسيوية سوف يزداد، وقد تفقد قوتها فى بعض القطاعات. وبالرغم من أنه من المتوقع توصل الصين والولايات المتحدة لاتفاق حول القضايا التجارية الخلافية، فإن قضايا التنافس التكنولوجى سوف تظل مصدرا للتوتر فى العلاقات بين البلدين خلال العام الجديد. الظاهرة الثانية التى سوف نشهدها فى العام الجديد، تتعلق بزيادة التحديات السياسية المتعلقة بصعوبة الحكم و إدارة شئون الدول المختلفة بما فى ذلك الدول الديمقراطية. وقد رأينا فى الأعوام الماضية العديد من المؤشرات الدالة على ذلك ومنها عودة المظاهرات الجماهيرية الضخمة إلى شوارع العديد من الدول الديمقراطية، وهى تعبير عن فقدان الثقة فى البرلمانات والمفترض قيامها بالتعبير عن إرادة المواطن، مثل مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا، وكذلك الظاهرة المتعلقة بصعوبة تشكيل حكومة ثابتة ومستقرة فى العديد من الدول الديمقراطية بعد إجراء الانتخابات بها لعدم التوافق السياسى كما حدث فى إسبانيا التى اجريت بها ثلاثة انتخابات منذ نهاية عام 2015 نتيجة الفشل فى الاتفاق على ائتلاف حكومى، واستغرق الأمر أربعة أشهر لتشكيل حكومة فى السويد، وثمانية أشهر فى جمهورية التشيك، بالإضافة لعدم تشكيل حكومة فى بلجيكا. وهناك أيضًا ظاهرة إجراء انتخابات مبكرة كما حدث فى بريطانيا منذ نحو أسبوعين، وفى ثمان من دول الاتحاد الأوروبى، والتى جرت بها انتخابات قبل نهاية الفترة البرلمانية العادية، وكلها مظاهر لعدم الاستقرار السياسى.
وتشير التقارير التى تتحدث عن توقعات العام الجديد الى أن انتشار تكنولوجيا المعلومات ستضع ضغوطا جديدة هائلة على الحكومات نتيجة لانتشار الكيانات الافتراضية المثيرة للشقاق والجدل مما يعقد قدرة الدول على الحكم. كما ان جزءا من الضغط على الحكم سيأتى أيضًا من أشكال جديدة من السياسات القائمة على الهوية والتى تركز على المشاعر القومية العنصرية او المعتقدات الدينية. ومع ازدياد الهجرة ستواجه العديد من الدول تحدى دمج المهاجرين فى مجتمعاتهم. بالإضافة للتحديات العابرة للحدود مثل الإرهاب والجريمة المنظمة. وتشير التوقعات الى أن الديمقراطيات الجديدة قد لا تستطيع التكيف والبقاء مع هذه التحديات، وقد يترسخ فى عام 2020 موجة مضادة لما عرف بالموجة الثالثة من التحول الديمقراطى، والتى بدأت منذ عقدين من الزمن.
أما الظاهرة الثالثة فتتعلق بزيادة التفاوتات المجتمعية، حيث سيشهد العام الجديد اتساع التفاوتات بين الدول المتقدمة والدول النامية فى العديد من المؤشرات، وكذلك اتساع الفجوة بين المواطنين داخل الدولة الواحدة، وقد بدأت العديد من الأوساط الأكاديمية و السياسية مراجعة النظرية المعروفة بتساقط الثمار، والتى تركز على الاستثمار فى رجال الأعمال والطبقة العليا فى المجتمع، و باعتبار أن الفائدة التى تجنيها هذه الطبقات سوف تعود بالنفع أيضا على باقى طبقات المجتمع من خلال تساقط الثمار من هذه الطبقة العليا إلى باقى الطبقات. إلا أن العديد من التقارير الاقتصادية الدولية أشارت إلى أن الثمار لم تتساقط فى النهاية، بل زادت الفجوة بين الطبقات، و بالتالى فإن موضوع العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول سيعود للصدارة فى العديد من دول العالم فى 2020.
العام الجديد يحمل بالتأكيد الكثير من التحديات، و لكنه يحمل أيضا العديد من الفرص والآمال.
و كل عام و القارئ بخير.
لمزيد من مقالات د. محمد كمال رابط دائم: