تمر الأيام وتعبر السنون فى قصة هى العمر، طريق طويل أو قصير ولكنه حتما سينتهى. أما متى وكيف فلا ندري؟ تسيرنا الأحداث من حولنا لتجعل حياة هذا سعيدة وتجعل الآخر قصة مأساة وألم.
والحياة بهذه الصورة قصة يحركها آخرون حسب أهوائهم، ويموت ويسحق تحت أقدامهم الضعفاء والبسطاء، ولكن وجود اللـه فى معادلة الحياة يغير تلك الأمور، فالإله يسمع ويرى كل شيء ويتدخل ويغير الأحداث.
فى قصة يوسف الصديق نرى كيف يغير الرب شر البشر ويحول الأمور الشريرة إلى خير، فهو ابن لرجل اللـه العظيم يعقوب، وله أحد عشر من الإخوة كانوا يحسدونه على محبة أبيه له، ووصل الشر إلى أنهم باعوا أخاهم يوسف لقافلة متوجهة إلى مصر ثم إلى فوطيفار. وفى بيته حاولت امرأته أن يسقط معها فى الخطية فرفض، فوشت به لدى زوجها الذى كان رئيس الشرطة فسجنه وهو برئ. وظل فى السجن سنوات حتى حلم الفرعون الذى فسره رجل اللـه يوسف، وصار مدبرا للغلال فى مصر، وصار الرجل الثانى فى مصر بعد الفرعون. وحين تقابل مع إخوته الذين باعوه وكانوا خائفين قال لهم: أنتم قصدتم بى شرا وأما اللـه فقصد بى خيرا. ويقول الرب فى سفر الجامعة: إن رأيت ظلم الفقير، ونزع الحق والعدل عن البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالى عاليا يلاحظ والأعلى فوقهما.
وفى تاريخ الشعوب نرى يد الرب تسند المظلوم وتنصفه، ففى الحرب العالمية الثانية خلف القصف الجوى على اليابان دمارا شاملا فى كل المدن، وقتل مئات الآلاف، وجرح وشرد الملايين. ولما لم تستسلم ألقى ترومان رئيس أمريكا القنبلة الذرية فى أغسطس 1945م على هيروشيما وناجازاكى حيث مات ما يقرب من ربع مليون وأصيب بالسرطان آلاف البشر، وبعد ستة أيام استسلمت اليابان.
وفى صورة تعد من أهم مائة صورة فى التاريخ تحكى عن الظلم والشر القائم فى عالمنا صور جو أودونيل مبعوث الجيش الأمريكى إلى اليابان، طفلا يحمل شقيقه الرضيع الميت على ظهره بثبات وكان يعض على شفتيه كى يمنع نفسه من البكاء وهو واقف فى طابور ينتظر دوره فى المكان المخصص لحرق الجثث حسب الطقوس اليابانية، وقد كان نحيلا هزيلا ولكنه شجاع قوى، وقد ماتت كل عائلته وكان أخوه الرضيع هو ما تبقى من العائلة يمكنه أن يتعرف عليهم.
واحتلت أمريكا اليابان خمس سنوات انهارت فيها كل صور الحياة، وبعد معاهدة السلام عام 1951م استقلت اليابان وبدأت فى العمل فى كل المجالات. الزراعة والصناعة والتعليم والبناء حتى صارت بعد عشر سنوات فقط من أهم اقتصادات العالم وهذا بفضل قيادة رئيس الوزراء إيكيدا والشعب كله الذى كان يكافح ويناضل لبناء بلاده، ولكن قبل كل هذا عمل الرب معهم ليزيل من عليهم الظلم الواقع، بل وغزت الشركات اليابانية أمريكا نفسها «تويوتا وسونى وفوجى فيلم وباناسونيك وسوزوكى» وصارت الآن ثانى أقوى اقتصاد فى العالم.
بالحال نفسها خرجت ألمانيا محطمة تماما بعدما قتل فى الحرب ثلاثة ملايين وتم تدمير ثلث المنازل وما يقرب من سبعين ألف مصنع، وتقاسم الحلفاء الأراضى الألمانية. ويقول المؤرخ هورتر: إن الملايين ممن فقدوا بيوتهم هاموا على وجوهم. ويقول فلوريان هوبر فى كتابه: عدنى يا طفل بأنك ستطلق النار على نفسك، لقد شعر الكثيرون بالذنب والتورط فيما حدث لذلك كانوا خائفين مما هو قادم وأقدم الآلاف على الانتحار.
وقد قتل ما يقرب من خمسة ملايين رجل، هذا بجانب ما حدث من الجنود الروس الذين كانوا يتنافسون على هتك أعراض السيدات الألمان ومن كانت تهرب منهن كانت تقتل، حتى قتل ما يقرب من 150 ألف سيدة وتركت جثثهن فى الشوارع، و كذلك سبعون ألفا أخريات تم تشويه أجسادهن. ونقص عدد الرجال ما بين قتلى وأسرى أو فى حالة نفسية مريضة.
كل «هذا الظلم» والشر كان كفيلا بأن يحطم هذا الشعب، ولكن جاءت لويزا شرودر وقادت النساء لحملة نساء الأنقاض، ووزعت على السيدات فأسا وجاروفا ومقطفا، وكانت مهمتهن الأولى حمل الأنقاض خارج المدن ثم إعادة بناء البيوت والمصانع على يد ثمانين ألف سيدة، مات منهن عشرون ألفا وهن يرفعن الأنقاض. وبدأن فى بناء بلادهن، وخلدت هذه الحركة وتلك السيدات فى ألمانيا وصار فى جامعات ألمانيا الآن أدب يدرس اسمه أدب الأنقاض يخلد قصصهن وصمودهن. وكانت يد الرب مع هذا الشعب حتى فى ظرف سنوات قليلة استعاد مجده وقهر اليأس والظلم وصارت ألمانيا من أقوى بلاد العالم فى الصناعة والقوة العسكرية. فاللـه ينظر ويعطى الحكمة والقوة والمعونة للمظلومين حتى يضمد جروحهم ويعطيهم أسباب للقيام والنجاح.
وفى حياة الأفراد أيضا نرى الرب يحول الشر إلى خير، ففى حياة الأديب العظيم الروسى دوستويفسكى آلام وأمراض كثيرة،حيث ولد بمرض الصرع الذى كان ينتابه فيسقط على الأرض ويجرح. وحين كبر اتهم بالعمل مع الثورة وسجن، وفى السجن عانى كثيرا آلام المرض الذى اشتد عليه، وحكم عليه بالإعدام ولم ينفذ فى أخر لحظة بعفو استبدل السجن به، ولكن بعد أن أفرج عنه حول الألم إلى إنتاج أدبى رائع، وكانت المعاناة هى رحم ولادة الأفكار والقصص التى لا تزال إلى الآن من أعظم ما كتب فى العالم فكتب «المساكين-المحقرون والمهانون-الجريمةوالعقاب-الأبله-الشياطين-المراهق-الأخوة كارامازوف»، كل هذا الأبداع كانت يد الله التى أخرجت من الألم عمقا، ومن صراع الظلمة فجرا.
عزيزى القارئ ونحن نطوى عاما ونستقبل عاما آخر لابد أن نؤمن بأن الله يرى ويسمع ويتدخل، لابد أن نؤمن بأنه يعتنى ويرحم، ومهما تكن الشرور التى تحيط بنا لكن رحمته كائنة فى كل صباح، ونوره يشرق دائما ويبدد ظلمة الشر القائم فى قلوب الأشرار.
لمزيد من مقالات القمص. أنجيلوس جرجس رابط دائم: