جاءنى عم محمد بواب عمارة الجيران فرحا لأنه حصل على شهادة «نحو» الأمية! هكذا نطقها بكل ثقة!. لم تكن تلك الشهادة تعنى له أى شىء إلا ليحصل على رخصة القيادة التى يتقنها بأصولها وبمهارة فطرية تفوق قدرات أولادنا أولاد الذوات الذين يقودون مع الأسف عرباتهم الفارهة ورأسهم فى الأرض! وبيد واحدة!. لأنهم بكل بساطة وهدوء وفُجر بين يمارسون ما يسمى الشات مع عيل تانى بالتأكيد على الطرف الآخر يقود عربته بنفس الطريقة المستفزة! والمرور والحكاية مش ناقصة جراح وقتلى نتيجة هذا الهوان فى تربية العيال وتركهم يقودون دون فطنة أو مسئولية رجال.
حصل عم محمد على شهادة محو الأمية دون محوها وكأنها إجراء روتينى، وقد كان يظن أن فائدتها ستقف عند هذا الحد بحصوله على رخصة القيادة، إلى أن دخل ابنه الصغير المدرسة، وبدأ فى فك الخط, كما يقولون, وإذا به يواجه الاختبار الأكبر عندما سأله ابنه ليساعده فى الواجب العربي أو الإنجليزى! أو الرياضة أو المواد والدراسات أو حتى قراءة القرآن، ولم تنجده شهادة نحو الأمية، فهى بالنسبة له مجرد ورقة استطاع أن يحقق بها حلمه فى قيادة العربات.. رسميا.
وقفت أمام زوجة عم محمد وهى تبكى ابنها الضائع بين المدارس والواجبات والدروس الخصوصية التى تصل إلى 200 جنيه فى الحصة! لطفل سنة أولى ابتدائى! وهى دروس لمساعدة الطفل حاد الذكاء على تنفيذ الواجب وإعطائه شهادة النجاح! بغض النظر عن التعليم، لتتكرر مأساة الأب والأم، وتستمر الحدوتة مثل البيضة واللا الفرخة؟ هل نهتم بتعليم البيضة ونترك الفرخة تكاكى، والديك يؤذن على الفاضى، أم نبدأ بتعليم الكبار حتى ينصلح حال الصغار ويجدوا المساعدة دون مقابل.
إن الحدوتة التعليمية فى بلدنا بعيدا عن الشعارات، بدءا من طه حسين ومن قبله عصر نهضة محمد على، الذى كان يختار الأذكياء ويرسلهم فى بعثات تعليمية للخارج ليعودوا وينفعوا المجتمع، وإلخ... أصبحت فى مرحلة تتطلب قطع الدائرة الخبيثة بين البيضة والفرخة والاختيار بينهما. لا بد من رعاية الفرخة بأثر رجعى بعيدا عن شهادات محو الأمية، وفى سياق تعليم الكبار مع الصغار فى نفس المدرسة على مستوى محافظات مصر الفقيرة تعليميا وعلى رأسها محافظة القاهرة التى أصبحت مصبا منذ أكثر من ستين عاما لتفريخ أجيال من الفقراء البسطاء والأرزقية، الذين ليس لديهم وقت إلا النجاة بقوت لقمتهم والضياع بين أحضان تجار الإرهاب أو المخدرات.أقول كلمتى من على رصيف نحو مسح الأمية حتى يكون للتعليم نصيب من فرصة اهتمام الحكومة بالشعب.
لمزيد من مقالات دينا ريان رابط دائم: