رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة الخطاب حول تجديد الخطاب الدينى

الخطابات السياسية والدينية حول تجديد أو إصلاح أو تطوير الخطاب الدينى، تكشف عن غياب الوضوح، والتحديد، والضبط الإصلاحى، لهذه المطالب ودوافعها وأسبابها، ومن هنا تبدو غامضة وسائلة، ومن ثم تفتقد الجدية والصدقية، من أطراف مختلفة تتحدث عن موضوع غير محدد المعالم، والسياقات الاجتماعية والسياسية والدينية، ومن ثم تدور فى مجال العموميات ومدارات الغموض، ومن ثم تبدو فى غالبها الأعم غائمة وغير جدية، ويحتاج هذا النمط من الخطابات إلى تحليل مراميه وأهدافه، وتفكيكه، لأنه يدور فى واقع الأمر فى سياق إعادة إنتاج الخطاب/ الخطابات المأزومة التى يقال إن هذه الخطابات تسعى إلى تحريرها من اختلالاتها البنيوية، ولا تاريخية بعضها أو غالبها، فى حين أن منظومة هذه الخطابات وبنياتها ومرجعيتها ومقارباتها للتجديد والإصلاح والتطوير لا تعدو أن تكون جزءًا لا يتجزأ من مشكلات الخطابات المقول بضرورة تغييرها لكى تواجه متغيرات عصرنا، ومشكلاتنا المعقدة وتخلفنا التاريخى على جميع الصعد! يتحدث غالب منتجى الخطابات الغائمة حول التجديد، والتغيير، والإصلاح، والتطوير للخطاب الدينى كدعاة ومبشرين، وغاية بعضهم سياسية محضة، وترمى إلى مجاراة الدعوة السياسية لمواجهة الفكر الإسلامى الأيديولوجى الذى يحفز على العنف، والتطرف العنيف، والإرهاب، وذلك دونما بواعث وأهداف أصلية، تسعى إلى مواجهة أسئلة عصرنا المعقد، وتطوراته التقنية، والتحول إلى الإنسان الرقمى، والاستنساخ، والتعديلات الجينية، والتطور المذهل فى العلوم الطبيعية، وإزاء تعقد مشكلات تخلف مجتمعنا التاريخية المركبة، على جميع المستويات، فى النظام الاجتماعى، والتعليمى، والاختلال فى الأنساق القيمية وأنماط السلوك السائدة والموروثة، وأنماط التدين الشعبى، وفى التركيبة السياسية، وفى الأخلاقيات السائدة التى تسودها الازدواجية، بين الممارسات الطقوسية والشكلية للدين، وبين السلوكيات الاجتماعية التى يسودها النفاق، والكذب، والمخاتلة والشرور وغياب العمل الجاد والكفء، والاستعراض الدينى من خلال كثافة التعبيرات والمفردات الدينية فى الخطاب اليومى بين الجمهور لستر المضمرات النفسية، وما وراء الخطاب الموشوم باللغة الدينية! خطابات سائدة حول الخطاب الدينى، أقرب إلى الانطباعات السانحة، والتعاملات غير المدروسة، التى تدور فى الفراغات الناتجة عن غياب البحوث العلمية، والأميريقية، عن الواقع التاريخى الموضوعى، والحياة التاريخية الفعلية التى تنتج فيها هذه الخطابات الدينية وحواضنها الاجتماعية، ومن هم وراءها!. غالبُ الخطابات الدينية والسياسية والثقافية التى تتحدث عن تطوير وإصلاح وتجديد الخطاب الدينى، سياسية بامتياز، وترمى إلى الاستجابة المناورة مع طلب القيادة السياسية، دونما مقاربة علمية مع المشكلة المطلوب التعامل معها، وأسبابها، وسياقاتها وفاعليها، ومن هنا تشكل جزءًا من المشكلة وليست حلًا لها، أو محاولة للاقتراب التاريخى والاجتماعى من جذورها، وفاعليها الأساسيين. لا يوجد خطاب دينى واحد، على نحو ما يتصور بعضهم، ثمة من يعتقد أن المطلوب هو نقد خطاب الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، والإرهابية فى الواقع المصرى كالجهاد والجماعة الإسلامية، والقطبيين والتوقف والتبين والإخوان المسلمين، أو القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، أو الجماعات السلفية الجهادية، وهو خطاب جزئى فى إدراكه ومقاربته، وهذا الفهم يدور فى إطار المؤسسات الدينية الرسمية، وأجهزتها الدعوية والتعليمية. بعض هذه الخطابات حول خطاب الإصلاح والتجديد والتطوير يركز على خطاب -والأحرى خطابات- المؤسسات الدينية نفسها فى المجالات النقلية، والتفسيرية، والدعوية، والإفتائية، والتاريخية النقلية، ويرى أنها تمثل جزءا لا يتجزأ من المشكلة التاريخية المستمرة، وراء المأزق التاريخى الراهن، ويقف وراء هذا الخطاب عديد من المثقفين والسياسيين والباحثين فى مجال الفكر الإسلامى. وهذا الإدراك والفهم للمشكلة التاريخية يتسم بالمقاربة الجزئية، ويتصور أن المشكلة تتسم بالسهولة واليسر، وذلك على الرغم من تعقيدها وتركيبها التاريخى المتراكم.

هذا النمط من الخطابات البسيطة حول المشكلة المركبة، يدرك المأزق التاريخى بعيداً عن سياقاته السياسية، والاجتماعية، والثقافية، ناهيك عن عدم إدراك أن ثمة خطابات متعددة فى السوق الدينية والسياسية والاجتماعية، تمثل خطورة شديدة، لأنها تشكل إعاقة بنيوية لأى إمكانية للتجديد أو الإصلاح أو التطوير فى الخطابات الدينية، وتتمثل فى أنماط التدين الشعبى لدى المصريين، التى تم تحويلها من خلال انتشار الخطابات السلفية والإخوانية، والوهابية، والجهادية منذ هزيمة يونيو 1967، وسطوة أنماط التدين السائدة فى إقليم النفط، وبروز فاعلين غير رسميين فى المجال الدينى، من خارج المؤسسات الدينية الرسمية، التى تم الهجوم عليها، وهجاؤها، والتشكيك فى موالاتها للدولة والنظام السياسى الذى تم التشكيك فى شرعيته، من قبل الجماعات الإسلامية السياسية، والسلفيين، ودعاة الشوارع، أو الطرق بتعبير د. طه حسين، وبتأثير الفاعلين الدينيين فى السوق الدينية الإقليمية، وكذلك هجرة المصريين إلى إقليم النفط، وعودتهم إلى البلاد ومعهم أنماط من التدين السائد فى هذه المجتمعات مع تغير أوضاعهم الاجتماعية إلى اليسر المالى بعد العسر. من هنا تبدو الخطابات حول الخطاب الدينى تدور فى مجال الانطباعات الجزئية السطحية، لأنها تتحدث عن مشكلة لم تدرس دراسة سياسية ودينية وسوسيولوجية وإنثربولوجية واجتماعية واقتصادية وتاريخية.. الخ. لم تدرس الخطابات الدينية التى يطالبون بإصلاحها، ومنتجيها وفاعليها، وإلى أى الأوساط الاجتماعية ينتمون وإلى أى الجماعات وكيف تشكل خطابهم الدينى، وفى أى الأوساط الاجتماعية والمناطقية ينتشر ويتمدد هذا النمط أو ذاك من الخطابات، ومن هم الفاعلين الدينيون فى هذه المناطق وما طبيعة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية السائدة هناك. خطابات تتحدث حول الخطاب الدينى بالمفرد!!- دون أن تكون هناك دراسات حول هذه الخطابات المقول بضرورة تغييرها! الأخطر أن بعضهم يتصور أن هذا الإصلاح يتم بالرد النقلى على الطروح النقلية لدعاة التطرف العنيف والإرهاب، وأن ذلك يكفى، وهو أمر لا يؤثر كثيراً أو قليلاً فى مواجهة واقع الحياة التاريخية والدينية الفعلية فى المجتمع والدولة والنظام، وإنما يكرس المشكلة ويجعلها تزداد تعقيداً وتمدداً.


لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: