رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى مواجهة بلطجة أردوغان

أعتذر للقارئ الكريم عن استخدام كلمة البلطجة فى عنوان المقالة، لكنى لم أجد سواها لوصف سلوك السياسة الخارجية لأردوغان، وأنسبها له لأنى أعتقد أنه لم يعد يعبر عن الأغلبية فى تركيا. صحيح أن بعض أبعاد سياسته الخارجية موروث من عهود سبقته لكنه أضاف لها بالتأكيد ما يتسق ومشروعه السياسى الخاص، والحقيقة أن سجل السياسة الخارجية التركية ملىء بمجافاة قواعد القانون الدولي، وهو معروف فى رفض الاعتراف بحقوق الدول المشتركة فى حوض نهر دولى وصولاً إلى رفضها وحدها القواعد التى أقرتها الأمم المتحدة فى هذا الصدد عام1996، ومن هنا مشكلة سوريا والعراق معها حول مياه نهرى دجلة والفرات، وقد قامت باحتلال الجزء الذى يقيم فيه القبارصة الأتراك فى قبرص بدعوى حمايتهم في1974 وأنشأت دولة فى شمالها لا يعترف بها سواها ورتبت على هذا الفعل المنافى للقانون الدولى حقوقاً، وبعد أن أخفقت مساعيها فى دخول الاتحاد الأوروبى بدأت تيمم وجهها نحو المنطقة التى عانت طويلاً ويلات الحكم العثمانى فيما عُرف بالعثمانية الجديدة، وحاولت فى هذا السياق أن تزايد على النظم العربية فى القضية الفلسطينية إلى أن انكشفت انتهازيتها، ثم أعطتها موجة الحركات الشعبية فى الوطن العربى فى مطلع هذا العقد فرصة عمرها بعد أن سمحت الفوضى التى أعقبتها لفصائل ما يُسمى الإسلام السياسى بلعب دور سياسى متصاعد كشريك رئيسى فى الحكم كما فى تونس أو منفرد به إلى حين كما فى مصر، كما لعبت دوراً مفضوحاً فى دعم الإرهاب المتأسلم فى سوريا وغيرها، وعندما أطاحت الجماهير المصرية وقواتها المسلحة بحكم الإخوان المسلمين احتضنهم أردوغان ووفر لهم الملاذ الآمن والمنابر السياسية والإعلامية، وبادر بالدعم العسكرى المباشر للنظام القطرى عقب أزمته مع دول الرباعى العربى لحمايته من أى تحرك داخلى مضاد وليس من عدوان تشنه هذه الدول كما زُعِم، وتدخل تدخلاً عسكرياً مباشراً غير مرة فى العراق وسوريا بدعوى مطاردة حزب العمال الكردستانى فى الحالة العراقية أو مواجهة إرهاب أكراد سوريا(!) الذين لعبوا دوراً مهماً فى التصدى لداعش، وبلغ تدخله فى سوريا ذروته بفضيحة نبع السلام الأخيرة وهدفها الخطير المتمثل فى إقامة منطقة آمنة بعمق 35-40كم تحمى الأمن التركى من أكراد سوريا حسب زعمه ويُعيد إليها 80ألف لاجئ سورى فى عمل لا تخفى أهدافه الخبيثة لتغيير البنية السكانية فى المنطقة على أن تُمول هذه العملية من إيرادات النفط السورى المُغتصَب، وهكذا يتصرف أردوغان كغلاة الاستعماريين فى مرحلة ولى زمانها، ولا ننسى حصوله فى ظل النظام السودانى البائد على تسهيلات فى جزيرة سواكن الشديدة الحساسية للأمنين المصرى والسعودى بدعوى ترميمها فى عمل لم يترك أزلامه مجالاً لشك فى أهدافه الأمنية، وأخيراً وليس آخراً تأتى استفزازاته فى شرق المتوسط بعد أن تأكدت ثرواته وذروتها اتفاقه الباطل الأخير مع حكومة السراج على التعاون الأمنى والعسكرى فى خرق فاضح لقرارات مجلس الأمن وترسيم الحدود البحرية بينه وبين ليبيا فى تجاهل تام لوجود أطراف أخرى أصيلة فى هذه العملية.

يمثل كل ما سبق استعراضه من مظاهر السياسة التركية تهديداً للمصالح المصرية، غير أن هذا التهديد ظل لوقت طويل نسبياً غير مباشر بمعنى أن المساس بالأمنين السورى والعراقى مثلاً مساس بالأمن المصرى بحكم الارتباط العضوى بين الأخير وبين الأمن العربي، غير أن سلوك أردوغان فى الآونة الأخيرة فى ليبيا وشرق المتوسط يمثل تهديداً سافراً للأمن المصرى بل وعدواناً محتملاً على ثرواتها الحالية والمحتملة من الموارد الطبيعية، وقد بلغت الصفاقة بأردوغان أن يهدد بأنه لن يسمح بمرور خط أنابيب الغاز بين مصر وقبرص، وهل هناك ما هو أخطر من الدعم المُعلن الصريح لفصائل الإرهاب التى ترتهن حكومة السراج فى ليبيا وصولاً إلى التلويح بالتدخل العسكرى المباشر إن هى طلبته فى خرق صريح لقرارات مجلس الأمن التى تمنع تصدير السلاح لفصائل الصراع فى ليبيا فما بالنا بالتدخل العسكرى المباشر، وهكذا فإن سياسات إردوغان قد وصلت إلى المرحلة التى تستوجب دق أجراس الإنذار واتخاذ أقصى خطوات الحيطة والحذر، والمشكلة أن السياسة التركية لا تجد حتى الآن من يردعها، فقد اضُطر بوتين إلى ابتلاع إسقاط المقاتلة الروسية بعد اتهامه الصريح تركيا بالتواطؤ مع الإرهاب وذلك لحاجته للتنسيق معها فى إدارة المعضلة السورية، ومر حلف الأطلنطى مرور الكرام على تهديد أردوغان بعرقلة ترتيبات الحلف فى دول البلطيق، ولم تتناسب ردود فعل ماكرون مع حديث أردوغان عن حاجته لفحص دماغي، كما تغاضت الإدارة الأمريكية كثيراً عن سلوكه المختلف معها، وكان الاتحاد الأوروبى هو الذى فرض عقوبات على تركيا بسبب تنقيبها غير المشروع عن الثروات فى المياه القبرصية بدعوى حقوق جمهورية شمال قبرص التركية، والواضح أن هذه العقوبات لم تردعها حتى الآن، ولقد قامت السياسة المصرية بما يتعين عليها القيام به سواء على الصعيد الدبلوماسى بالتنسيق مع اليونان وقبرص ورفض الخطوات التركية المنافية للقانون الدولي، كما أن سياستها واضحة فى دعم موقف الجيش الوطنى الليبى فى جهوده من أجل استعادة الدولة الليبية وتطهيرها من فصائل الإرهاب، وعلى الصعيد العسكرى مثلت المناورات البحرية المصرية الأخيرة فى شرق المتوسط رسالة واضحة لكل من يعنيهم الأمر، غير أن المصالح المصرية ليست وحدها المضارة من سياسات أردوغان وإنما المصالح العربية بعامة وكذلك مصالح أوروبية ومن ثم من الضرورى توسيع نطاق المواجهة مع هذه السياسات، وثمة أفكار محددة فى هذا الصدد أطرحها للنقاش على النحو التالى على أن تُناقش تفصيلاً فى مقالة أخري:

-العمل على سحب الاعتراف بما يُسمى حكومة الوفاق بعد أن أصبح واضحاً أنها لم تعد كذلك، وهى ليست بالمهمة السهلة لكن تحقيقها ولو جزئياً سوف يكون مفيداً.

-إدخال الجامعة العربية فى المواجهة، ويمكن البدء بالخطوة السابقة بمعنى السعى لنزع الصفة التمثيلية لليبيا من حكومة السراج، وقد لا تكون بدورها خطوة سهلة لكن تحقيق الأغلبية المطلوبة لها ممكن، كذلك يُقترح أن تنسق الجامعة مع الاتحاد الأوروبى فى موضوع العقوبات على تركيا لتشديدها.

-الطلب من الأمم المتحدة عقد مؤتمر دولى يناقش ترسيم الحدود البحرية فى شرق المتوسط وفقاً لقانون البحار الذى أقرته فى ثمانينيات القرن الماضى بما يؤكد اتساق الموقف المصرى مع صحيح القانون، وكذلك طلب الرأى الاستشارى من محكمة العدل الدولية وسوف تكون له قيمة معنوية كبيرة.

-التنسيق مع روسيا التى باتت السياسة التركية تتعارض معها فى ليبيا فضلاً عن التناقض المكتوم بينهما فى سوريا.

-فتح قنوات غير رسمية مع أحزاب المعارضة التركية للتوصل إلى رؤية متوازنة تراعى المصالح المشروعة التركية والعربية خاصة أن منحنى شعبية أردوغان قد بدأ فى الأفول.


لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: