رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الطائفية» تهزم ثورة «الواتساب» فى لبنان

عبداللطيف نصار
«الطائفية» تهزم ثورة «الواتساب» فى لبنان

لأن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد كان لقرار وزير الاتصالات اللبنانى محمد شقير يوم 17 أكتوبر الماضي، وقع الصاعقة على الشعب والشارع اللبناني، حيث أصدر الوزير قرارا بفرض ضريبة على استخدام الواتساب بموافقة مجلس الوزراء، فاشتعل الشارع اللبنانى عاصمة وضواحى وشمالا وشرقا وجنوبا، ومع استمرار الاعتراضات وقطع الطرقات واستمرار ثورة الشارع، استقالت حكومة سعد الحريرى وبعد أكثر من شهرين على ثورة الواتساب، يعود نفس الأشخاص الذين اعترض عليهم الشارع وقامت ضدهم الثورة، لينطبق على ماحدث المثل القائل «كأنك ياأبو زيد ماغزيت»، فثورة بلاقائد،هى حرث فى الماء وفرصة ذهبية للثورة المضادة،ورموز الفساد الذين قامت ضدهم الثورة لينقضوا عليها ويقضوا عليها، ويستعيدوا مكانتهم ومقاعدهم، ليؤكدوا للجميع أن الطائفة فى لبنان تنتصر على كل ماعداها حتى لوكان الشعب الثائر، ليظل الولاء للطائفة والمذهب قبل أن يكون للوطن والمواطنة.

والسؤال لماذا فشلت الثورة وعادت لنقطة البداية؟ بداية لكى يتغير النظام فى لبنان، ويختفى «كلن يعنى كلن»، لابد من إلغاء اتفاق الطائف، وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية فى المناصب الكبرى والوظائف العادية، ولكى يحدث ذلك بثورة فى الشارع يعنى أن تعم الفوضى والتخريب، ليعود لبنان لما قبل اتفاق الطائف بداية التسعينيات والذى أنهى الحرب الأهلية فى لبنان بعد استمرارها 15عاما، مما أسفر عن مصرع ربع مليون لبناني، وإصابة أكثر من 250ألف لبنانى آخر.

ولكى تتغير الحال فى لبنان لابد من تغيير الدستور الذى استقر عليه لبنان منذ الاستقلال فى أربعينيات القرن الماضى ،وينص عرفا على أن رئيس الجمهورية لابد أن يكون مسيحيا مارونيا، ويكون رئيس الوزراء مسلما سنيا، ويكون رئيس مجلس النواب مسلما شيعيا، وهذه الطوائف الثلاث هى الحاكمة بالرغم من أن لبنان يتكون من 18طائفة، تتراوح مكتسباتها بين الكبيرة والصغيرة، حسب العرف الذى يعيشه لبنان منذ الاستقلال وحتى اليوم.

ولكى يتم اختيار رئيس الجمهورية، فإنه لايجىء بالانتخاب المباشر من المواطنين، بل بالانتخاب بين الكتل النيابية فى مجلس النواب اللبنانى الذى يتكون من 128 نائبا، مناصفة بين المسيحيين بكل طوائفهم ،والمسلمين بكل مذاهبهم السنة والشيعة والدروز، وحتى لو تم انتخاب رئيس الجمهورية فى مجلس النواب فى وجود اعتراض طائفة كبرى فإنه لايصح اعتباره رئيسا مالم يحصل على الميثاقية الوطنية بموافقة الجميع.

أما رئيس الوزراء فيأتى من أكبر كتلة نيابية سنية ،ولابد أن يتم التوافق عليه من كل الكتل النيابية،وكذلك لابد ان يحصل على الميثاقية الوطنية،فإذا لم يكن من ضمن أكبر كتلة سنية نيابية فلابد ان يكون شخصية سنية تلقى قبولا من الجميع مثلما حدث مع نجيب ميقاتى وتمام سلام.

أما رئيس مجلس النواب فيكون مسلما شيعيا وبالانتخاب مابين النواب وبين من يترشح على المنصب، ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضى وحتى اليوم فإن نبيه برى زعيم حركة أمل الشيعية هو رئيس مجلس النواب. وبعيدا عن المناصب الحاكمة المسماة بالرؤساء الثلاثة، يتم تقسيم المناصب والوزارات مابين الطوائف حسب كتلتها النيابية وماتم التعارف عليه خلال عشرات السنين، ولذلك يصعب تغيير الوضع فى لبنان بثورة واتساب أو ثورة طائفة دون غيرها.

ولكن ماذا حدث لثورة الواتساب لكى لاتحقق ماطالبت به؟

فى البداية ومنذ اليوم الأول للحراك فى الشارع اللبنانى تفاءل كثيرون بحدوث تغيير، وإلغاء الطائفية والمذهبية التى تحكم لبنان، ولكنهم تناسوا أن الطائفية لاتحكم الدولة سياسيا فقط ولكنها تحكم الشارع ومعاملات المواطنين فى الوظائف وامتلاك الأراضى والمساكن أيضا، حيث إن هناك مناطق يسكنها الشيعة، وأخرى يسكنها السنة ،ومناطق للموارنة، مقسمة مابين عون (التيار الوطنى الحر)، وجعجع (القوات اللبنانية)، والجميل (الكتائب)، وفرنجية (تيار المردة)، وهم زعماء موارنة لهم ثقلهم سياسيا واجتماعيا وتاريخيا فى لبنان، فهل يمكن أن تلغيهم ثورة «واتساب» ؟

وبالنسبة للسنة هناك التيار الأزرق الممثل للسنة فى لبنان بزعامة سعد الحريرى زعيم تيار المستقبل، وإن كان هناك بعض السنة الذين يشكلون تجمعات صغيرة لاتؤثر كثيرا على كتلة وقوة التيار الأزرق، وهو مايعنى أيضا صعوبة خطف منصب رئيس الوزراء من الطائفة السنية سواء بثورة «واتساب» أو غيرها مالم يتغير الدستور واتفاق الطائف.

وما ينطبق على منصب رئيس الوزراء ينطبق على منصب رئيس مجلس النواب، الذى تحتكره الطائفة الشيعية ممثلة بالثنائى الشيعى حركة أمل بزعامة نبيه بري، وحزب الله بزعامة السيد حسن نصر الله، فهل تستطيع ثورة واتساب أن تعطى المنصب لآخرين مالم يتغير الدستور اللبنانى واتفاق الطائف؟

وإذا كانت ثورة الواتساب قد قامت ضد الوجوه القديمة والطوائف وزعمائها ،فإن أول من تعاطف معها وسار فى ركابها سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، ووليد جنبلاط زعيم الدروز فى لبنان، وسامى الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، ثم لاحقا رئيس الوزراء اللبنانى زعيم السنة وتيار المستقبل سعد الحريرى الذى قدم استقالة الحكومة لرئيس الجمهورية ميشال عون.

ولأن شعار الثورة كان «كلن يعنى كلن»، مع تسمية الجميع خلال المظاهرات من عون للحريرى لنصر الله وبري، فإن الثورة المضادة التابعة للمستفيدين من الوضع القائم فى لبنان منذ عشرات السنين، اخترقت ثورة الشارع التى لم يكن لها رأس تديرها وتوجهها وتتفاوض باسمها، فحدثت صدامات عدة بين المتظاهرين بعضهم البعض تارة مع شعارات طائفية ومذهبية، وبين المتظاهرين وقوات الأمن تارة أخري، مما أفقد حراك الشارع قوته وزخمه خاصة بعد استقالة حكومة الحريري.

ومع عجز الحريرى عن كسب الاستشارات الرئاسية والنيابية لنيل ثقة التشكيل، اعتذر الحريرى عن تشكيل الحكومة دون تسمية أحد آخر، ليشتعل الشارع من جديد.

ومع استمرار الصعوبات الحياتية واستنزاف الليرة التى تهاوت أمام الدولار، وتعطيل العمل الحكومي، وقع الاختيار هذه المرة على وجه غير محسوب على أحد إلا انتسابه للطائفة السنية لتشكيل الحكومة من الاختصاصيين وليس السياسيين، ودياب لديه تجربة سياسية قصيرة جداً، ولا ينتمى الى أى حزب سياسي، لكنه مدعوم من حزب الله.

وانتهت الاستشارات النيابية الملزمة، التى أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فى قصر بعبدا، وحاز المرشح دياب على 69 صوتاً، من أصل 128 فى مجلس النواب. ويظل الوضع كما هو عليه،حيث تستمر المظاهرات التى تعترض على تسمية دياب، وبعضها يطالب بعودة الحريري، وبعضها يحركها خصوم الحريرى الذين وقفوا ضد تسميته لتشكيل الحكومة مجددا. ومادام أن الشارع بلا قيادة، ومادام أن الدستور واتفاق الطائف لايزالان حيز التنفيذ، بأيدى من ثار ضدهم الشارع، فقد هزمت الطائفية والمذهبية ثورة بيضاء أشعلها قرار بضريبة الواتساب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق