رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قاطعوا الصين إن استطعتم!

لا تصدق أن المسلمين مضطهدون فى الصين.

زرت الصين قبل سنوات، ولم أر فيها لا قمعا ولا اضطهادا، لا للمسلمين ولا لغيرهم.

فى الصين، لا أحد يعرف الآخر، الدنيا «هيصة»، أو مولد كبير، لا يسألك أحد عن دينك ولا عرقك ولا هويتك، ولا ماذا تفعل، طالما لم تنتهك القانون.

الصين أشبه بقارة كبيرة، متعددة الأعراق، سكانها البالغ عددهم 1٫3 مليار نسمة، ينقسمون إلى 56 قومية، تعيش جنبا إلى جنب فى سلام، لا يعتدى أحد منهم على الآخر، مادام هناك دستور، وسلطات، ودولة قوية، تعرف كيف تمسك بزمام الأمور.

أكثرية السكان تنتمى إلى قومية «الهان»، بينما تشكل الأعراق الأخرى 8٫4% من السكان، وربما كانت أقلية «الخوا»، هى الأكبر نسبيا، أما المسلمون فعددهم فى الصين نحو 30 مليون نسمة، وفقا للإحصائيات الرسمية، وربما 100 مليون فعليا، وهم لا ينتمون إلى قومية واحدة، ولا يعيشون فى إقليم واحد، وليسوا موجودين فى شينجيانج وحدها، بل موزعون على أنحاء الصين، فهناك مسلمو الهوى أو «الخوى»، وهناك الأوزبك والتتر، والأويجور.

والمسلمون فى الصين تحديدا يحظون بعدد من الامتيازات الدستورية التى لا تتمتع بها أى أقلية أخرى، بداية من حقهم فى الحصول على إجازات مدفوعة الأجر فى الأعياد الدينية، ونهاية بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى شئونهم الحياتية، مثل مراسم الدفن والجنازات ورحلات الحج والعمرة.

فى زيارة قريبة للصين، صلينا فى الشارع، ولم يعترضنا أحد، وكانت معنا زميلات إعلاميات يرتدين الحجاب، ولم يتعرضن لمضايقات من أى نوع، ومطاعم الأكل «الحلال» تملأ المدن الصينية الرئيسية، والفندق الذى كنا نقيم فيه كان به مطعم مخصص للنزلاء المسلمين، وحتى غرف الفندق كان يوجد بها سجادة الصلاة والمصحف واتجاه القبلة!.

قد تكون هذه الأمور جديدة هناك نسبيا، ولكنها صارت طبيعية، مع تزايد انفتاح المجتمع الصينى على العالم، وتحوله إلى مجتمع «إنترناشيونال» تتعايش فيه القوميات الصينية مع الغرباء، بعد عقود طويلة من الانغلاق.

وفى منطقة «نينشيا» التى يكثر فيها المسلمون، وجدت المساجد تؤدى فيها الشعائر بحرية كاملة، ويعيش المسلمون فيها حياة طبيعية تماما.

أما مشكلة شينجيانج أو أقلية الأويجور كما فهمت، فهى مشكلة انفصالية بالأساس، وليست دينية، فالصين كدولة لديها حساسية شديدة، وهذا حقها كدولة، فى كل ما يهدد استقلاليتها أو سيادتها، وكلمة الانفصال محرمة، وتثير الفزع، ليس لأنها تخالف الدستور وتنتهك وحدة الصين وسيادتها فحسب، وإنما تفتح الباب أمام مصيبة كبرى إذا تفككت الصين إلى قوميات ودويلات على الطريقة السوفييتية.

وقضية الأويجور مسيسة بنسبة 100%، وحتى إذا كانت هناك بعض المشكلات التى يواجهها المسلمون فى هذه المنطقة بالذات، أو توجد قوانين تفرض عليهم، فإنها مشكلات تخص الأويجور وحدهم، ولا يعانى منها المسلمون الصينيون بشكل عام، وهذا سببه، كما يقول الصينيون أنفسهم، وجود أصابع إقليمية وخارجية تعبث بهذا الملف، فالأويجور من أصول تركية، وحتى علم إقليمهم المتمتع بالحكم الذاتى يشبه علم تركيا، ولكن بالأزرق، ووراء ما يحدث هناك من تصعيد تجد نفس التشكيلة «الوقحة» من أتراك ودواعش وإخوان، تساعدها بالطبع الدعاية الغربية عبر الحديث عن أوضاع بعضها حقيقى، والبعض الآخر «أسطورى»، مثل أحاديث القتل والمعسكرات المليونية وزرع أجهزة تتبع فى أيادى السكان، وغير ذلك، لأن قضية الأويجور بالنسبة للإعلام الغربى ليست سوى واحدة من حلقات مسلسل استفزاز المارد الصيني، من الدالاى لاما، إلى الحرب التجارية، إلى هونج كونج، والديمقراطية، والأويجور.

ولو بحثنا فى مصادر ما ينشر عن الأويجور هذه الأيام، سنجد أنها نفس العصابة إياها، تركيا، قطر، الجزيرة، رصد، هاشتاجات تويتر، وصور يوتيوب المفبركة، ودعوات فيسبوك لمقاطعة المنتجات الصينية، بدليل شعار «الصين إرهابية» الذى ألصقوه بالمصريين زورا، والهدف كما هو واضح، ضرب حليف رئيسى وقوى لمصر والمنطقة، سياسيا وتجاريا لحساب تركيا، وفى توقيت قاتل، ولكنه هدف شديد البلاهة، لعدة أسباب، أولا، لأن الفارق بين الصين وتركيا كالفارق بين الفيل والنملة، وثانيا أن عدد مسلمى الصين يفوق سكان دول عربية بكاملها، وثالثا، أن من يقتل وينهب ويعتدى على مسلمى مصر وليبيا وسوريا والعراق لا يحق له الحديث عن مسلمى الصين، أما رابعا، وهى النكتة الحقيقية، فهى أن هذا القطيع الإلكترونى الذى يدعو لمقاطعة الصين، نسى أنه يمارس حملاته ضد الصين من على أجهزة كمبيوتر ومحمول مصنوعة فى الصين، وتجاهل آيضا أن الصين هى التى تصنع لهم أيضا السبح والجلاليب وسجاجيد الصلاة!.

إذن، إلعبوا غيرها، ولا تتحدثوا باسم الإسلام، وقاطعوا الصين إن استطعتم، أما نحن، فسنقاطع تركيا، فهى الأولى بالمقاطعة.


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: