فى 18 ديسمبر من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمى للغة العربية، وقد لا يعرف الكثير مدى تأثير لغة الضاد على غيرها من لغات العالم, وكيف تشكل المفردات ذات الأصل العربى ما يقرب من نصف كلمات اللغات اللاتينية وبعض اللغات الشرقية، وهو أمر يعكس قوة وثراء اللغة العربية التى فرضت نفسها بقوة نتيجة لعدة عوامل مثل الفتوحات الإسلامية، وتوسع النشاط التجارى للعرب، وكذلك نشاط حركة التعريب والترجمة.
فخلال القرن الـ15 الميلادي، كانت أوروبا تقبع فى الظلام بينما يزدهر عصر التنوير والنهضة العربية والإسلامية, مما جعل العربية لغة العلم والمعرفة لقرون عدة بسبب ما نقله الغرب عن العرب، وبسبب ذلك فإن الكثير من المصطلحات العلمية التى يستخدمها الغرب اليوم ذات أصل عربي، مثل الكيمياء والكحول والجبر والخوارزمية. ويؤكد د. سلمان بن سالم السحيمى فى كتابه «أثر العربية فى اللغات الأوروبية» أن لغة الضاد عرفت طريقها إلى اللغات الأوروبية عن طريق اللغة اللاتينية، مدللا على ذلك بتشابه المفردات العربية فى تلك اللغات نظرا إلى أن اللاتينية هى اللغة الأم للغات الأوروبية الحديثة مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية، كما أن العربية كانت معاصرة للاتينية منذ الفتح الإسلامى وحتى خروج العرب من الأندلس بالقرن السادس عشر.
وفى دراسة موسعة أجراها الكاتب الجزائرى عبدالرحمن بن عطية فى كتابه «الجذور العربية للغة اللاتينية» أكد أن 67 % من كلمات اللاتينية ذات أصول عربية. أثبت بن عطية وجود مستوطنات عربية فى اليونان القديم أثرت بشدة على اللغة اليونانية الكلاسيكية التى خرجت منها اللغة اللاتينية التى تأسست بالقرن الثالث قبل الميلاد، وأخذت اللغة اللاتينية الكثير من المفردات العربية قبل الإسلام من مجموعات عربية كانت تستوطن شبه الجزيرة الإيطالية وصقلية، حيث تجذر عدد من المفردات العربية باللغة الرومانية، بينما أخذت اللغات الأوروبية الحديثة مفرداتها العربية من الأندلس خلال الحكم الإسلامى، ثم لاحقا مع موجات الاستعمار الغربى للدول العربية.
ورصد «الفردوس: معجم إنجليزي- عربى للكلمات الإنجليزية ذات الأصول العربية» لمعده د. مهند الفلوجى وجود نحو 25 ألف كلمة إنجليزية ذات أصول عربية.ومن بين أبرز الكلمات الإنجليزية ذات الأصل العربي: التعريفة الجمركية Tarrif، كحول Alcohol، بيت House المأخوذة من الكلمة العربية حوش، سكر Sugar، قطنCotton، شمعة candle واشتقت من كلمة قنديل، وغيرها الكثير من المفردات.ويعرض حازم جلهوم فى كتابه «كلمات لها تاريخ فى اللغات الأوروبية واللغة العربية» لتاريخ مئات الكلمات الإنجليزية ذات الأصول الاشتقاقية من لغات أخرى ومن بينها العربية.ويمتد نفوذ لغة الضاد إلى لغة موليير وهوجو، حيث رصد المستشرق الفرنسى هنرى لامنس فى كتابه «ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية» وجود أكثر من 700 كلمة عربية دخلت إلى الفرنسية. ويعود الفضل بانتقال معظم تلك المفردات العربية للفرنسية إلى اللغة الإسبانية ثم الاستعمار الفرنسى لبلاد المغرب العربى وخاصة الجزائر، فى القرنين التاسع عشر والعشرين. ومن بين أبرز الكلمات الفرنسية ذات الأصل العربي: كلمة Mesquin مشتقة من كلمة مسكين، كلمة Sorbet مشتقة من كلمة شربات، كلمة Cabas مشتقة من كلمة قفص، كلمة Coton بمعنى قطن، كلمة canapé، الكنبة أو الأريكة، Chemise القميص، assassiné بمعنى اغتال وهى مشتقة من اسم فرقة الحشاشين التى اشتهرت بالقتل، الكمون cumin.
كما سبق لأستاذة اللسانيات بجامعة رين الفرنسية، هنريت والتر أن ذكرت فى كتابها «مغامرة الكلمات الفرنسية القادمة من الخارج» أن من بين 4192 كلمة فرنسية ذات أصل أجنبى هناك 214 كلمة عربية، أى بنسبة 5.1%، أما نسبة الكلمات الإسبانية التى دخلت الفرنسية فلا تزيد على 3.7 %، ولا تزيد الكلمات الألمانية الأصل على 3.5%، واللغات السلتية على 3.8%، والفارسية والسنسكريتية على 2.6%، فيما احتلت الإنجليزية المرتبة الأولى بنسبة 25%، تليها الإيطالية بنسبة 16.6 %.
«الفرنسيون يتكلمون العربية دون أن يعرفوا ذلك» هكذا يؤكد أيضا الباحث الفرنسى جان بروفو فى كتابه «أسلافُنا العرب، ماتدين به اللغة الفرنسية لهم» الذى ترجمه أخيرا للعربية د. محمد خير البقاعى، ويتناول الكتاب علاقة اللغة الفرنسية باللغات الأخرى، وتأتى لغة الضاد كلغة أساسية ثالثة تأثرت بها اللغة الفرنسية حيث تناول مدى تأثير هذه اللغات فى إثراء اللغة الفرنسية على مدى قرون مختلفة. يضم الكتاب أكثر من 400 كلمة عربية تستخدم فى اللغة الفرنسية، فى مختلف مجالات الحياة. يؤكد بروفو، أن ما ورثته اللغة الفرنسية من الثقافة العربية، أكبر بكثير مما ورثته من أسلافها «الغاليين» الذين تصفهم كتب التاريخ بأنهم الأجداد المباشرون للفرنسيين حيث يتفاخر الفرنسيون بانحدارهم من شعب الغال، الذى كان يعيش فى فرنسا منذ أكثر من ألفى سنة وبكون لغتهم الفرنسية خليطا من اللاتينية والغالية.
ويتوسع نفوذ العربية بقوة على اللغة الإسبانية التى تضم نحو 8000 كلمة من أصول عربية حيث تعد أكثر اللغات الأوروبية تأثرا بالعربية بسبب الحكم الإسلامى للأندلس وهو ما رصده »معجم الكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية«، للمستشرقين أنجلمان ودوزي، ذكرا أن ربع المفردات فى اللغة الإسبانية من أصول عربية، وأن فى اللغة البرتغالية 3000 كلمة من أصول عربية. ومن بين أبرز الكلمات الأسبانية ذات الأصل العربي: كلمة Albuhera مشتقة من كلمة البحيرة، كلمة Alzoco مشتقة من كلمة السوق، وهناك كلمات لها المعنى نفسه فى اللغتين مثل: Camisaالقميص، Acebibe الزبيب، Taza طاسة (تلفظ بالطريقة نفسها باللغتين).
أما اللغة الألمانية فقد رصد الباحث الألمانى بعلم اللغات المقارن أندرياس أونجار عبر كتابه «من الجبر إلى السكر: الكلمات العربية فى اللغة الألمانية» أكثر من مائة كلمة ذات أصل عربى فى اللغة الألمانية، لافتا إلى أن تاريخ انتقال المفردات العربية إلى الألمانية يعود إلى القرون الوسطي. حيث انتقلت الكلمات العربية إلى الألمانية عبر الإسبانية والفرنسية والإيطالية. ومن بين أبرز الكلمات ذات الأصل العربي: كلمة Limonade مشتقة من كلمة «ليموناضة»، كلمة Tasse مشتقة من كلمة طاسة.
وفى آسيا تعتبر العربية مصدرا رئيسيا للمفردات في25 لغة متنوعة مثل: الأمهرية، والبنجالية، والهندية، والإندونيسية، والكازاخية، والكردية، والأردية، والماليزية، والباشتو، والفارسية التى تعد واحدة من أكثر لغات العالم تأثرا باللغة العربية، حتى أنها تكتب بحروف عربية، وكذلك التركية التى كانت تكتب بحروف عربية قبل أن يتم تغييرها إلى الحروف اللاتينية بعد الحرب العالمية الأولي. وتضم أكثر من 6000 كلمة من أصل عربي. كما تضم الأردية ما يقرب من 7500 كلمة ذات أصول عربية.
هكذا تبدو اللغة العربية ملكة متوجة على عرش لغات العالم بلا منازع، وإن كان من المؤسف تخلى بعض أبنائها عنها بسبب تأثرهم بالثقافة واللغات الغربية ظنا منهم أن ذلك علامة على رقى المستوى التعليمى والثقافي، وحتى تفضيلهم لكتابة العربية بالحروف اللاتينية أو ما يطلق عليه «فرانكو أراب». ويكفى ردا على هؤلاء قول المتنبى فى قصيدته «وبهم فخر كل من نطق الضاد». أو قول أحمد شوقى «إن الذى ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره فى الضاد».
رابط دائم: