رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تبون فى قصر المرادية

عندما يُنشَر هذا المقال سيكون عبد المجيد تبون الفائز فى الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة قد أدى اليمين الدستورية أمام المجلس الدستورى ودخل إلى قصر المرادية لمباشرة مهامه. لم يكن الوصول إلى هذا التطور أمراً سهلاً، فقبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية كانت توجد شكوك حقيقية حول إمكانية تنظيمها خصوصاً مع تهديد أطراف مختلفة فى الحراك الشعبى بمنع إجرائها، ومع هذا التهديد كانت هناك احتمالات الصدام بين الحراك وقوى الأمن، وللجزائر خبرة طويلة وأليمة مع الصراع الداخلى فى تسعينيات القرن الماضى. لكن يمكن القول إنه بقدر ما مثلت هذه الخبرة هاجسا مقلقاً من احتمال تكرارها لا قدّر الله، فإنها مثّلت صمام أمان ضد الانزلاق للعنف، لأن كل الأطراف قد وعت درس التسعينيات، والدرس يقول إنه فى الصراعات الداخلية والحروب الأهلية عادة لا يحقق أى طرف انتصارا كاملا. وفى هذا السياق توجه نحو 41% ممن يملكون حق الانتخاب يوم 12 ديسمبر الحالى إلى صناديق الاقتراع، وحصل عبد المجيد تبون وفق البيانات الرسمية على نحو 58% من الأصوات. وفى التعليق على هذه الانتخابات يمكن إبداء الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى أن المقولة التى يتم الترويج لها بأن فوز تبون بالرئاسة كان أمراً محسومًا هى مقولة غير دقيقة، فلقد شهد السباق الانتخابى حالة من تكسير العظام بين المرشحين المتنافسين. وفيما يخص تبون تحديداً نجد أنه قبل أيام قليلة من حلول موعد الانتخابات استقال مدير حملته الانتخابية عبد الله بأعلى الذى كان مرشحاً بقوة لتولى حقيبة الخارجية فى حال فاز تبون، ومثل هذه الاستقالة أثارت علامات استفهام كثيرة جوهرها هو ما إذا كانت الحملة الداعمة لتبون قد بدأت فى التصدع. وشنت فضائية النهار حملة متواصلة وممنهجة ضده لمصلحة منافسه عز الدين ميهوبى وكذلك هاجمه منافسه على بن فليس على تويتر قائلا إن انتخابه يمثل إعادة إنتاج العهدة الخامسة لبوتفليقة». وهذا الاتهام بتجديد العهدة الخامسة لبوتفليقة استخدمه تقريباً الكل ضد الكل، فكما استخدمه بن فليس ضد تبون، استخدمه الحراك ضد ميهوبى بشكل أوضح. خلاصة الكلام انه عشية الانتخابات الرئاسية الجزائرية لم تكن حظوظ تبون فى الفوز بالرئاسة مؤكدة، لكنها مع ذلك كانت كبيرة، لعدة أسباب منها خبرته الإدارية الطويلة، ومنها محاولته تحجيم النفوذ السياسى لرجال الأعمال إبان رئاسته الوزارة مما تسبب فى الإطاحة به بعد أقل من ثلاثة أشهر على توليه المنصب، ومنها أصوله الجنوبية والجنوب الجزائرى مهمش عادة فى هيكل السلطة الجزائرية لمصلحة الشرق. وذهبت تحليلات كثيرة إلى أنه حتى لو فاز تبون فسيكون ذلك فى ثانى جولة انتخابية وليس من الجولة الانتخابية الأولى . ولقد آثرتُ البدء بهذه الملاحظة رداً على ما يوصف به تبون داخل الحراك من أنه الرئيس المعين، فلنتفق أولاً على أنه منتخب ولنتناقش بعد ذلك فى النسبة التى حصل عليها فى الانتخابات.

الملاحظة الثانية هى أن مقاطعة نحو 60% من الجزائريين العملية الانتخابية تعنى أن الجدل بين المسار السياسى الذى يطلبه الحراك والمسار الدستورى الذى تمسك به النظام سوف يستمر، وأن انتخاب رئيس للجزائر لم يضع حداً لهذا الجدل على الأقل فى حدود المعطيات المتوافرة. ومثل هذا الوضع يستدعى تحركاً سريعاً من تبون، كما يتطلب إعادة تقييم الموقف من جانب الحراك. لقد حرص تبون فى أول تصريحاته الإعلامية بعد انتخابه على تأكيد اعتزامه اتخاذ خطوات إصلاحية تتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين وتعديل الدستور، كما رحب بالحوار مع ممثلين للحراك. وهذه خطوات جيدة ومن المهم ألا يكتفى تبون بتوجيه الدعوات للمشاركة فى الحوار بل أن يتواصل بنفسه مع مكونات الحراك وألا يسلّم بالفشل، لأنه لابديل عن الاستماع للشارع نزعاً لفتيل الأزمة. على الجانب الآخر فإن الحراك مدعوُ لإعادة تقييم المشهد، فهاهى حكومة نور الدين بدوى التى كان يرفضها على وشك الرحيل، وثمة انفراجة وشيكة فيما يخص الحقوق والحريات، ومن غير المنطقى أن يكون الشىء الوحيد الذى يجمع الحراك بأطيافه المختلفة هو رَفْض كل المبادرات التى يقدمها النظام ثم يبدأ بعد ذلك الاختلاف حول خريطة الطريق، ولو أراد الحراك ألا تدور الانتخابات بين مسئولين سابقين فى نظام بوتفليقة لكان قد أفرز مرشحه من بين صفوفه، ولو لم يجد من داخله من يرشحه للرئاسة لاختار مرشحا مستقلاً من خارجه واصطف خلفه وشارك بكثافة وحرس صناديق الاقتراع، لكنه لم يفعل ذلك وواصل الخروج للشارع جمعة بعد أخرى وثلاثاء تلو ثلاثاء. إن استمرار الحراك فى الشارع كما يمثل مشكلة للنظام فإنه يمثل مشكلة لأطرافه أنفسهم، لأنه باستمرار هذا الحراك سوف تبدأ التناقضات الداخلية بين مكونات الحراك فى الظهور، ومن يتابع وسائل التواصل قبيل الانتخابات يلحظ توتراً غير مريح فى العلاقة بين العرب والأمازيغ وهى علاقة يُعّد استقرارها من استقرار الجزائر نفسها.

الملاحظة الثالثة تنصرف للسؤال عن تيار الإخوان بأحزابه المختلفة وأين سيتموضع مستقبلاً فى الساحة السياسية الجزائرية. لقد حلّ عبد القادر بن قرينة رئيس حزب البناء الوطنى فى المرتبة التالية بعد عبد المجيد تبون بنسبة تزيد قليلاً على 17%، وهى ليست نسبة كبيرة على أى حال وسبق لمحفوظ نحناح وهو بدوره سليل تيار الإخوان أن حصل على 26% فى انتخابات الرئاسة عام 1995والتى فاز فيها اليمين زروال، لكن من المهم الانتباه إلى أنه فى الحالتين فإن عدم استقرار الأوضاع فى الجزائر هو ما سمح لهذا التيار بالتمدد، فلا ننس أن النتيجة التى حققها نحناح كانت بدورها فى أثناء العشرية السوداء، وهذا يعطى لحلحلة الجمود فى المشهد الجزائرى أهمية مضافة خصوصًا مع التطورات الحاصلة فى السياق المغاربى ككل. حفظ الله الجزائر الشقيقة وحفظ شعبها.


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: