نعود للحديث مجددا عما حققه الاقتصاد المصرى فى الآونة الأخيرة من تقدم كبير جعل منه محط تنويه وإشادة من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى والبنكين الدولى والأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية.
وكمؤشر واضح على حصافة السياسات النقدية والمصرفية التى يتبعها البنك المركزى المصرى، ارتفع حجم أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى فى نهاية نوفمبر 2019، إلى نحو 45.354 مليار دولار، مقارنة بنحو 45.247 مليار دولار، فى نهاية أكتوبر 2019، بارتفاع قدره نحو 107 ملايين دولار، مما يعزز من الوضع الدولى للاقتصاد المصرى.
كما حققت الصادرات المصرية غير البترولية زيادة ملموسة خلال الـ 10 أشهر الأولى من العام الجارى بنسبة 2.3%، حيث سجلت 21 مليارا و322 مليون دولار مقارنة بنحو 20 مليارا و835 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى. بينما شهدت الواردات انخفاضا بنسبة 3%، حيث سجلت 57 مليارا و709 ملايين دولار فى أول 10 أشهر من 2019، مقابل 59 مليارا و369 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى، بقيمة انخفاض مليار و660 مليون دولار. وقد أسهمت هذه التطورات فى انخفاض العجز التجارى بقيمة بلغت مليارين و147 مليون دولار وبنسبة 6% عن الفترة نفسها من العام الماضى. ويعكس ذلك جهود دعم المنتج المحلى وإحلاله محل المثيل المستورد، وذلك فى إطار خطة الدولة للتوسع فى التصنيع المحلى والنهوض بالتجارة الخارجية.
وفيما يتعلق بتدفقات تحويلات أموال المصريين بالخارج، يتوقع البنك الدولى أن تصل إلى 26.4 مليار دولار بنهاية عام 2019، لتحتل بذلك مصر المرتبة الخامسة كأعلى المستفيدين من التحويلات على مستوى العالم.
بينما تتوقع مؤسسة هارفارد للتنمية الدولية نمو الاقتصاد المصرى بمتوسط 6.8% سنوياً حتى عام 2027، ليصبح ضمن أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم. ووفقا للمؤسسة، فإن هذه التوقعات تستند إلى مقياس يتمثل فى التركيبة الاقتصادية, والتى تعكس مدى التنوع والتطور فى القدرات الإنتاجية المضمنة فى صادرات كل دولة.
وخلال الشهر الماضى أكدت وكالة (فيتش) العالميَّة للتصنيف الائتمانى، التصنيف طويل الأجل لقدرة مصر على سداد الديون بالعملة الأجنبيَّة عند (B+)، مع نظرة مستقبليَّة مستقرة، حيث يتم تدعيم هذا التصنيف بسجل الإصلاحات الاقتصاديَّة والماليَّة الحاليَّة، إلى جانب التحسُّن الذى طرأ على فرص الاستقرار الاقتصادى الكلى والتمويلات الخارجيَّة.
وأكدت فيتش، تعزز الاتجاه نحو تخفيض معدلات التضخم بفضل السياسة النقديَّة الرشيدة، وهبوط أسعار البترول، وارتفاع قيمة العملة، متوقعةً أن يسجل التضخم مستوى 9.5% فى المتوسط خلال عام 2019، و8% خلال 2020 - 2021، نزولاً من 14.4% عام 2018.
وتأتى كل هذه التطورات الإيجابية على خلفية التزام الحكومة المصرية باستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتنفيذ السياسات الماليَّة والاقتصاديَّة التى من شأنها تعزيز مكانة مصر العالميَّة، وزيادة إنتاجيَّة الاقتصاد المصرى، وخلق مزيدٍ من فرص العمل، ووضع نسبة الدين العام للناتج المحلى الإجمالى على مسار نزولى، بمستويات أقل تتسم بالاستدامة، بالتزامن مع استمرار العمل على ترسيخ استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى، وزيادة ثقة المستثمرين، لتحقيق الهدف الرئيس من برنامج الإصلاح الاقتصادى، وهو تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة.
كما تعمل الحكومة على إجراء الإصلاحات الهيكليَّة اللازمة لتحفيز الصناعة والتصدير، وخلق فرص عمل كافيَّة ولائقة للشباب، مع تنفيذ مزيدٍ من الإصلاحات لدفع النشاط الاقتصادى المدعوم من القطاع الخاص، حيث يسجل صندوق النقد الدولى أن التسارع الأخير فى نمو الاقتصاد كان مدفوعًا جزئيًا بالانتعاش فى السياحة وإنتاج الغاز الطبيعى.
وبرأينا، فإن جملة هذه الإصلاحات من شأنها تحقيق الاستقرار فى الاقتصاد الكلى المصرى على المدى البعيد، والذى يعد شرطا ضروريا للنمو الطويل الأجل وخلق فرص العمل، خاصة أن الاقتصاد المصرى بحاجة إلى توفير ما لا يقل عن 700 ألف وظيفة سنويًا لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
كذلك وللحفاظ على زخم النمو لا بد من مواصلة تذليل العوائق الهيكلية الطويلة الأجل أمام النمو فى القطاعات الأخرى التى تنطوى على فرص كبيرة للتوسع من حيث إسهامها فى التنويع الاقتصادى، وخاصة الصناعات التحويلية والزراعة والخدمات وخاصة الخدمات المالية والمصرفية.
وأخيرا، فإننا نعتقد أن القطاع المصرفى يتعاظم دوره فى الاقتصاد المصرى بفضل هذه التطورات، خاصة فى دعم وتمويل برامج تحديث وعصرنة وسائل الإنتاج والخدمات، وتحقيق فعالية وشفافية وتنويع أكبر فى مسار النمو الاقتصادى لكى يحقق الاستدامة على المدى البعيد. رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
لمزيد من مقالات عدنان أحمد يوسف رابط دائم: