فى غمضة عين ذهب عمر إلى حيث لن يعود، ففى دقائق معدودة انطفأت الابتسامة البريئة والضحكة الصافية وتوقف القلب الطيب عن الخفقان، وعاد الصبى الصغير النشيط الذى يعتبر سندا لوالديه فى الدنيا محمولا على الأعناق مع بكاء أبناء «عزبة 12» التابعة لكفر الأطرش بمركز شربين، على زهرة بريئة فى جريمة بشعة تمت مع شروق يوم جديد لن ينسوه أبدا.
عمر على محمود ابن الخامسة عشرة، الطالب فى الصف الثالث الإعدادي، اعتاد أن يستيقظ مبكرا لترتيب حقيبته المدرسية ثم يذهب بدراجته النارية التى ظل والده يجمع قيمتها شهورا، إلى عزبة «الجلوينة» على بعد كيلو ونصف الكيلو متر، لشراء حاجات الأسرة من السوق، هذا الفتى المعروف عنه الاجتهاد لا يعرف اللهو فى الشارع أو التسلية فى الطرقات، بل هو رجل صغير السن يعمل فى عطلة الصيف عاملا بالأجرة فى مدينة شربين لتدبير مصاريف الدراسة وشراء ملابسه ولمساعدة والده الذى يشتغل عاملا بسيطا فى مصنع بدمياط، وبين أقرانه عرف بالتفوق وحسن الخلق والهمة العالية وكان يردد دائما أنه سيكون مهندسا معماريا أو طبيبا مثل عمه الجراح المقيم بالقاهرة .
فى يوم لم ير عمر شمسا بعده وفى أثناء ذهابه إلى السوق استوقفه جاره «رضا. أ- عاطل- 30 سنة» وطلب منه أن يركب خلفه إلى قرية أبو زاهر القريبة، فلم يمانع الصبى الشهم لأنه يعرف جاره ولأن الطقس بارد فى الصباح فأشفق عليه من الوقوف فى الشارع، لكن الشيطان المعروف عنه سوابقه فى السرقة وتعاطى المخدرات وأعمال البلطجة وسبق أن قام بتطليق زوجتين بسبب سوء سلوكه كان إبليس يهمس فى أذنيه ليغريه بسرقة الموتوسيكل ومتعلقات عمر وما أن مرا بمكان هادئ فى الطريق، حتى طلب من عمر أن يتوقف لينزل لكنه عاجله بضربة أفقدته الوعى وأسرع بلف الشال الذى يرتديه عمر حول رقبته، حتى تأكد من موته ثم سحب جثته إلى جانب الطريق وفر هاربا لتراه طفلة صغيرة وهى ذاهبة إلى المدرسة تركب خلف دراجة والدها.
والد عمر ووالدته أصيبا بانهيار تام بعد سماعهما الخبر وتم نقلهما إلى مستشفى شربين تحت الملاحظة وسط نوبات صراخ مستمرة وفقدت والدته «نجلاء فتحي» النطق بشكل مؤقت بينما لم تتوقف شقيقته الوحيدة «أسماء» التلميذة فى الصف الخامس الابتدائى عن البكاء المستمر بعد أن شاهدت جثة أخيها ملفوفة فى قماش وسط ذهول أهالى العزبة.. وعلى الفور أمر اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام بسرعة كشف غموض الحادث ونجح ضباط الأمن العام فى تحديد المتهم والقبض عليه واعترف بارتكابه الجريمة من أجل سرقة الطفل الصغير.
الواقعة البشعة كان قد تلقى بلاغها مدير أمن الدقهلية اللواء فاضل عمار من خلال إخطار من اللواء سيد سلطان مدير المباحث، وعلى الفور تم تشكيل فريق بحث لكشف غموض الحادث ضم أيضا الرائد محمد الأرضى رئيس مباحث شربين، ونجحت جهود رجال الأمن العام عن طريق تتبع رقم هاتف الضحية الذى استولى عليه المتهم، مما أسهم فى سرعة الوصول إليه وضبطه فى أقل من 24 ساعة فى أثناء توجهه لبيع الدراجة فى محافظة البحيرة وفى كمين للمتهم بمنطقة رشيد تم ضبطه ومتعلقات المجنى عليه. واعترف المتهم أمام رجال المباحث بأنه كان يمر بأزمة مالية وفى أثناء مشاهدته المجنى عليه قرر سرقة الموتوسيكل ومتعلقاته الشخصية.
رابط دائم: