أكتب إليك حكايتى بلا مقدمات، فأنا رجل فى الخامسة والستين من عمرى، نشأت فى أسرة بسيطة بحى شعبى فى القاهرة، لأم ريفية الأصل والجذور، وتحتفظ بالعادات والتقاليد التى حملتها معها من القرية التى ولدت وكبرت فيها، وقد عشت طفولة حانية وسط أخوتى، وكلهم لم يلتحقوا بالتعليم، ولما وعيت الحياة ووصلت إلى المرحلة الإعدادية لاحظت أن اسمى مختلفا عن أسمائهم، وفهمت أنهم أخوة غير أشقاء لى، وأن والدهم ليس هو والدى.. وقتها دارت فى ذهنى أسئلة كثيرة، فمن هو أبى؟.. وأين يعيش؟.. ولماذا تركنا؟.. وهل على قيد الحياة؟.. وأين عائلتى؟.. وعرفت أمى بفطرتها ما أفكر فيه دون أن أبوح به، وأجابت على أسئلتى الصامتة فى كلمات قليلة: «يا ابنى أخوتك دول، أبوهم مش أبوك.. إنت أبوك تركنا، ومشى، وهوه متزوج أكثر من زوجة، ولك أخوة تانيين منه، وهمه مبسوطين ومرتاحين ماديا.. ولكن مش عاوزينك».. ثم أبلغتنى بأنهم سبعة أخوة «ثلاث بنات، وأربعة صبيان».. ولم تكن بيدى حيلة وقتها لكى أتعرف عليهم، فأجلت هذه الخطوة، وركّزت فى دراستى عازما على أن يكون لى شأن فى المستقبل.
ومرت الأيام، وأرادت أمى أن تعرفنى بأخوتى من أبى خوفا من أن يحدث لها مكروه، وأنا لا أعرف أهلى، ولا أجد من يكون سندا لى فى الحياة عند الشدائد كما قالت لى، وكلفت قريبا لنا بهذه المهمة التى قبلها بكل ترحاب، وأخذنى الرجل إلى أخى الأكبر، والتقيت به لأول مرة فى محل كبير للملابس يمتلكه، ويدر عليه دخلا كبيرا، وقبل أن أذهب معه لزيارة أبى نظر إلى ملابسى ورقّ لحالى، فأحضر لى قميصا وبنطلونا جديدين، وأعطاهما لى كهدية، ودار بيننا حديث عام، وأحسست أن العاطفة غلبت على أخى تجاهى، حيث قال لقريبى: «أحضره فى الإجازة يشتغل فى المحل».. وتعرفت على أخوتى من أبى، وعملت معهم ابتداء من الصف الثالث الإعدادى، وحصلت على راتب شهرى قدره ثلاثة جنيهات، وكان ذلك منذ أكثر من خمسين عاما.
واجتهدت فى دراستى، وكانت علاقتى بزوجة أبى عادية، وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية، كانت تعطينى ملابس أخى الذى يكبرنى مباشرة لكى أرتديها بعد أن يستخدمها استخداما خفيفا، وكنت أراها جديدة وجميلة، فأمى لا تملك ما تشترى به لى ملابس من المحلات.
وأتممت دراستى الثانوية، والتحقت بكلية فنية، وساعدنى على ذلك ما وهبنى به الله من موهبة فى الرسم والتصميم، وبعد تخرجى لم تكن لدىّ «واسطة» للحصول على عمل مناسب، فكنت اعمل مع أخى فى محل الملابس، ثم أطوف على المطابع المحيطة بالحى الذى أسكن فيه مع أمى، وأصمم لأصحابها ما يطلبونه منى، وصار اسمى معروفا بينهم، وسعدت كثيرا بقبولهم تصميماتى.
وفى أحد الأيام قابلت صديقا لى، فأخبرنى أن هناك مؤسسة كبرى تطلب مصممين، وطلب منى أن أتقدم بأوراقى إليها، وأننى لن أخسر شيئا، فذهبت إلى هذه المؤسسة حاملا بعض تصميماتى، وقابلت المدير العام فرّحب بى وأعجب بتصميماتى، وأشار علىّ بأن أكتب طلبا للتعيين، ففعلت، فإذا به يوقع الطلب أمامى، ولا أستطيع أن أصف لك فرحتى بهذا الإنجاز الكبير، وأضافت المؤسسة الكبرى الكثير إلى اسمى الذى صار معروفا للجميع بمن فيهم رجال الأعمال الذين يتعاملون معها.. وبعد حوالى خمس سنوات، خضت أكثر من تجربة للزواج لكنها لم تنجح، ولم أتوقف عند ذلك طويلا، فلم يكن يعنينى شىء سوى إسعاد أمى، لكنى وجدتها تقول لى إن سعادتها هى أن ترى أبناء لى قبل أن ترحل عن الحياة، فقلت لها: «ربنا يسهل».. وتصادف بعدها بأسابيع أننى حضرت حفل زفاف ابنة أخى الأكبر من أمى بأحد مراكز الشباب، وقد حضرته إحدى بنات خالتى، وتصغرنى بثلاث سنوات تقريبا، وقد نادتنى وأنا واقف وسط زملائى، فذهبت إليها، فأشارت إلى فتاة جميلة تقف إلى جوارها، وعرفتنى بها، وكان هدفها هو أن أفكر فى الزواج منها، لكنى لم أهتم بهذا الموضوع.
وواصلت كفاحى فى المؤسسة التى أعمل بها، وبعد انتهاء عملى أنفذ التصميمات المطلوبة للمطابع الأخرى التى تطلب منى تصميمات خاصة بها.. وفى أثناء ذهابى إلى إحدى المطابع التقيت برجل من محافظة ساحلية، وشكرنى على تصميماتى، وأشاد بى وبأخلاقى، وقال: «لك عندى هدية».. وأخذنى بسيارته الفارهة إلى أحد المنازل بمنطقة شعبية فى القاهرة بعيدة بعض الشىء عن المنطقة التى أسكن بها، وعند أحد البيوت قال لى: هذا البيت فيه عروس مناسبة لك.. وطرقنا الباب وقابلونا بترحاب شديد، ودخلت العروس المرشحة، فنظرت إليها، ولاقت قبولا لما لمسته فيها من جمال وهدوء.. وفى إحدى المناسبات ذهبت إليها حاملا بعض الهدايا، وعندما اقتربت من المنزل فوجئت بزميلة ابنة خالتى تنظر إلىّ من شرفة شقتها المقابلة لمنزل خطيبتى، فظنّت أننى قادم لطلب يدها، فدخلت بسرعة وغيّرت ملابسها، واتصلت بابنة خالتى على هاتف منزلها، فقالت لها أننى لم أخبرها بشىء.. وعرفت ذلك من ابنة خالتى فيما بعد.. وواصلت زياراتى لخطيبتى، وتم زفافنا وانتقلنا إلى عش الزوجية، ومنذ اليوم التالى لزواجنا اكتشفت أن طباعها تختلف تماما عن الطباع التى تربيت عليها، ومن كثرة المشكلات التى تفتعلها كدت أنفصل عنها بعد أقل من شهر واحد على الزواج لولا أنها حملت فى ابننا الأكبر، حيث ألغيت فكرة الطلاق تماما من تفكيرى ومنهجى فى الحياة حتى لا تتكرر مأساتى، ويعيد التاريخ نفسه، إذ لو طلقتها سوف أتزوج بأخرى، وتتزوج هى بآخر، وسيصبح ابننا هو «الضحية»، وهونت الأمر على نفسى بأنها سوف تتغير بعد الإنجاب، ولكن هيهات لمثلها أن تتبدل حالها، وجاء ابنى الأكبر إلى الحياة، وبعدها بعام، سافرت إلى دولة عربية بعقد عمل بعد أن حصلت على إجازة بدون مرتب من مؤسستى، وأخذت زوجتى وابنى معى، وظللت فى هذه الدولة خمس سنوات لم أدخر خلالها أى مليم، ولم أستطع شراء شقة ملكا لى بدلا من الشقة الإيجار التى نسكنها، نظرا لطلباتها الكثيرة، وهداياها المستمرة لأهلها الذين يزيد عددهم على خمسين شخصا، ولابد أن أحضر لهم جميعا هدايا ثمينة.. وتذكرت نصيحة أمى لى عندما كنا نشترى لها الشبكة، حيث قالت لى بالحرف الواحد: «هذه الإنسانة مش ليك.. قلبها مش عليك.. يعنى مش بتاعتك.. ولكن يا ابنى إنت حر».. ولم يكن بيدى حيلة لإصلاحها أو تصحيح اختيارى الفاشل لها بإيعاز من الرجل الذى قابلنى فى العمل.
وواصلت حياتى معها مستسلما للواقع، وأنجبنا ولدا وبنتا ليصبح لدينا ثلاثة أبناء، ولم أتكلم مع أحد فى معاناتى مع زوجتى المسرفة التى تسببت فى ضياع كل ما جمعته من مال طوال مدة خدمتى، ورحلت أمى عن الحياة دون أن تعلم حقيقة ما أعيشه من عذاب.. أما زوجتى فقد أرادت أن تنقل سكننا بجوار عائلتها، وأن نحصل على شقة «قانون جديد» بدلا من شقة الإيجار القديم، ولما اعترضت على ذلك، قالت لى إنها ستكون «مدبرة» حتى تسير الأمور!!
وكنت وقتها قد بلغت سن التقاعد، وأصبح معاشى لا يفى بالمستوى الذى كانوا يعيشون فيه، وعشت معاناة قاسية من زوجتى التى قالت إنها ستكون «مدبرة»، وتعرضت للإهانات والفضائح أمام الناس الذين لم تتورع أن تصيح فىّ بصوت عال ومسموع للآخرين، وتعجبوا أن تكون هذه حالنا، ولم تفلح محاولاتى للحصول على عمل، فليس هناك من يتيح العمل لديه لمن تعدى سن الستين، وما حصلت عليه من نهاية الخدمة لم يسدد ديونى!.. وخرجت من البيت وأنا أتخبط فى الشوارع، وهدانى تفكيرى إلى أن أطرق باب أخوتى من أبى، فلم يرحب بى أى واحد منهم، حتى أختى التى كنت أظنها قريبة منى، قابلتنى بجفاء، وخرجت من عندها باكيا مثل الأطفال!!
ونمت فى المقاهى والمساجد، وأحيانا فى الشوارع، ووجدت أن وضعى هذا برغم سوئه، أرحم من أن أعيش مع إنسانة بلا قلب.
وتدهورت حالتى الصحية، وبعد إجراء الفحوص تبيّن أننى أصبت بالسرطان، والسكر، وأحتاج إلى علاج مستمر، وظروف معيشية أفضل، وليس نزيلا بالشوارع.. والأدهى والأمر أننى مطالب بتسديد المصروفات الجامعية لابنى الأوسط وابنتى الصغرى، بعد أن حجبت كليتاهما النتيجة لحين تسديد المصروفات.. واضطررت إلى تحويل معاشى إلى أحد البنوك ليتسنى لى أخذ قرض، وقد سددت ما طالبتهما به الكليتان.. وعرف صديق لى بحكايتى، فألحقنى بدار للمسنين، ويسدد الرسوم المطلوبة منى، والحق أنه يساندنى كثيرا، لكنى حزين أن أمضى ما تبقى من عمرى وأنا على هذه الحال، ولدىّ رغبة صامتة فى استعادة حياتى الطبيعية بين أولادى، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟.
> ولكاتب هذه الرسالة أقول:
الزواج علاقة تعاقدية مرتكزة على المصلحة الحقيقية للزوجين، يلتزمان فيها بالتنازل عن بعض حريتهما لحساب الحقوق المتبادلة التى يفرضها العقد على كل منهما تجاه الآخر، وهذا هو الفرق بين الحياة الفردية والجماعية؛ وأن يعملا معا على استمرار علاقتهما هادئة ومستقرة بإيجاد حلول مناسبة لما يواجهان من مشكلات، ومنها ما يتعلق بالنواحى المادية، والاعتدال فى الإسراف، ومراعاة الظروف المتغيرة، فلقد أسرفت زوجتك بشكل مبالغ فيه، ولم تدرك الدور الخطير الذى يقع على عاتق كل ربة بيت من حسن تدبير الأمور، وأخذ رأى زوجها فى كل خطوة تخطوها، وأن تكون على اطلاع دائم بما يحبه ويكرهه، ولا تضغط عليه بكثرة الطلبات، وأن تتمتع بالقدرة على تدبير أمورها الزوجية.
وما أكثر المشكلات التى تلقيتها فى هذه الناحية، ومنها رسالة لزوج قال إنه شقى وتعب لمدة تزيد على ثلاثين عاما لكى يوفر المال لزوجته، لكنها حرصت على إنفاقه في أيام معدودة، وفهمت أن الإسراف والتبذير من الصفات التي اكتسبتها لتصبح سلوها وطريقتها فى الانتقام من الزوج، الذى بات غائبا منشغلا عنها، ومثل هذه الزوجة تعتبر مريضة نفسيا، وترى زوجها مصدرا للأموال دون توقف، وهكذا تختل المنظومة، وتفقد الزوجة الإحساس بالحب وتشعر بالحرمان، ولا يكون أمامها بديل سوى «الشبع» عن طريق الإسراف.
والزوجة العاقلة هى التى لا تعرف الأنانية، وتوازن بين ما تأخذ وما تعطى، فالإسراف الزائد يجعلها متبلدة المشاعر، كما أن القلق والخوف من المجهول، يدفعانها لشراء المزيد من متطلباتها وتخزينه كمحاولة لتأمين مستقبلها، وهذه إشارة لقلب غير آمن، مُتمركز حول ذاته، ولا يرى من حوله.
والحقيقة أن التطلع إلى الأموال الطائلة والأثاث الفخم والسيارة الأنيقة، وسائر مباهج ومتع الدنيا صارت هى السمات الغالبة فى هذا العصر، فانزلقت كثيرات من الزوجات وراء الزخارف المبالغ فيها، وأصبح شغلهن الشاغل الحصول على الحلى الثمينة والملابس الأنيقة، وهذا الطمع الزائد، والتطلع إلى ما عند الأخريات، والمقارنات الدائمة، كان سببا في إرهاق الأزواج، وزيادة ضغوطهم وتوترهم، وإحباطهم الدائم لعدم قدرتهم على تلبية الرغبات التى لا تنتهى، مما حوّل الحياة الزوجية إلى جحيم، وهناك من تعتبر سخاء الزوج دليل تقديره وحبه، مصغية للمقولة المحرضة «اصرفى ما في جيبه، تعلمى ما في قلبه»، وفي هذه الحالة يشعر كلاهما بأن الآخر أصبح عبئا عليه ويسلبه حقه، مما يترتب عليه شعور أليم وجارح من الظلم الواقع عليه من الطرف الآخر، لذا نرى أنه من النادر أن يسعد رجلٌ مسرفٌ مع زوجة مقترة، كما أن الزوجة المبذرة نادرا ما تسعد مع زوج بخيل، وإذا كان التبذير سمةً غالبة لكليهما، فالفقر والفشل أسرع إليهما من السيل لمنتهاه، والإسراف عامل هدم قوى لتوافقهما، وهذا هو ما حدث مع زوجتك، فالمظاهر عندها فوق كل اعتبار بغض النظر عن إمكانياتك المادية، والظروف المتغيرة التى تعرضت لها.
إن الأسرة يجب أن تكون واعيةً في تصرفاتها بأموالها، محافظة بذلك علي كيانها، فلا إفراط ولا تفريط خاصة عند الإنفاق علي البيت، ومن الضرورى أن يساعد كلا الزوجين الآخر علي تعديل «مفهوم الذات»، و«مفهوم الطرف الآخر» مما يجعله يحسن الظن به، ويتفاعل معه تفاعلا إيجابيا, فيتعرفان علي أسباب المشكلة وينمو الدافع لديهما لحلها، ويعزز ذلك القيم الأسرية الإيجابية ويزيل السلبية منها، ويعمل علي تحقيق نمو الشخصية وأدائها وظيفتها في جو أسري مشبع بالحنان والحب وتخفيف التوتر والقلق والعداوة.
ومن أجل زواج مستقر عليهما وضع برنامج دقيق لدخل الأسرة، وتحديد كيفية التصرف فيه، مع محاولة التوفير للحالات الطارئة، فالأيام والأحداث لا تسير على وتيرة واحدة، ومن هنا يجب على الزوجة العاقلة والحكيمة ألا تدع المظاهر والأضواء تخدعها وتقودها إلى التخبط في الإنفاق دون حساب، وبوسعها أن تكون أنيقة وجميلة بلا مبالغة في اختيار الأغلى والأشهر اسما مجاراة لصديقاتها الميسورات، فلكل أسرة دخلها الشهرى وحياتها التى يجب المحافظة عليها، وإياها أن تدفع زوجها إلى الشكوى من إسرافها وتبذيرها لأن هذا سيعود سلبا عليها في نهاية الطريق.
أيضا عليها أن تفكر كثيرا قبل إقدامها على الإنفاق، وأن توفر المال ليكون في خدمة أسرتها عند الطوارئ، كما يستطيع الزوج العاقل بتفكيره الواسع وقدرته على التحكم فى رغباته غير الضرورية توفير الكثير من المال دون الحاجة إلى القروض أو الديون التى لا تنتهى إلا بنهاية كل ما هو ممتع وجميل في حياته الزوجية، وفى تقديرى أن الزوجين يشكلان «عالما اقتصاديا» بالمعنى الكامل للكلمة إذا عرفا أهمية المال الذى يدخل إلى أسرتهما الصغيرة، وعرفا كيف يحققان التوازن بين الدخل والمصروف، وبه يحققان سعادة لا تنتهي واستقرارا للحاضر والمستقبل، ويبرز دور الزوجة بتوجيه مصروفات زوجها لما هو مفيد، وهى ليست عاجزة عن ذلك إذا استخدمت ذكاءها فى ادخار جزء من الدخل للظروف الصعبة، فمن واجبها تأمين الاستقرار العائلى بما يكفل عدم إحداث أى اضطراب فى توفير احتياجات الأسرة الضرورية، وقد شرع الله سبحانه وتعالى كيفية التعامل مع المال وفقا للقاعدة القرآنية: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» (الطلاق7).
ويجب أن تعلم زوجتك أن السعادة فى الرضا بما قسم الله، وأن الغنى غنى النفس، وأن القناعة كنز ثمين، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا لمن هو فوقكم، فهو أجدر ألا تحقروا نعمة الله عليكم».
والحقيقة المهمة التى يجب أن تدركها زوجتك هى أن الحياة دائما فيها الشقاء والسعادة، فلقد خلق الله الإنسان فى كبد، أى تعب ومشقة، وإذا كانت الحياة قد استمرت على وجه السعادة والغنى، فقد آن أوان مكابدة الشق الثانى بالصبر على شظف العيش، وقد صار أبناؤكما على أعتاب التخرج والعمل، وعليها أن تعى أيضا أنك حريص على استمرار حياتكما الزوجية حتى لا يتكرر ما حدث لك مع أولادك، فحياة الطفل مع والديه هي الحالة الأفضل لتنشئته، وعليها وعلى أخوتك ـ وهم كثر ـ ألا يتركوك فى محنتك، فأنت فى حاجة إلى الرعاية والاهتمام، خصوصا فى ظروفك المرضية، ولا يعقل أن يهتم بك صديق لك، فيسدد رسوم إقامتك بدار المسنين مساهمة منه فى تخفيف أعبائك فى الوقت الذى ينعمون فيه برغد العيش، والحياة المرفهة، ويبقى أن تدرك زوجتك فداحة الجرم الذى ارتكبته فى حقك، فتعيد تضميد جراحك وتساعدك فى ظروفك المرضية، فلا شىء يعادل حياة المرء بين أهله وذويه، فمهما تلقيت من خدمات فى دار المسنين لن تشعر بالراحة والطمأنينة التى تحس بهما، وأنت فى بيتك مع زوجتك وأبنائك.. إنها مسئولية شريكة حياتك التى فضّلتها على الأخريات، ووضعت ثقتك فيها، وسلمتها أموالك وتركت لها حرية التصرف فيها، وقد آن الأوان لأن تعود إلى رشدها، وتعمل على استكمال مسيرتكما فى هدوء وأمان، ولتكن هذه النصيحة للجميع بالعودة إلى جادة الصواب ليكونوا فى منأى من تقلبات الدهر، والله المستعان.
رابط دائم: