رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطبلة والهاند فرى والاغتراب

دعانى أحد أصدقائى فى أمريكا لحضور احتفالية لممثلى الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية وغيرها فى كاتدرائية أمريكية فى مانهاتن.. كان الحاخامات والشيوخ والقساوسة والرهبان البوذيون يلقى كل منهم كلمته بحماس شديد ويدعو إلى الأخوة الإنسانية.

بحثت عن سماعات الهاند فرى لأسمع ترجمة المصطلحات الدينية واللغة البوذية فلم أجد وفجأة وقفت أمامنا سيدة لطيفة مبتسمة جدا تنظر إلينا باهتمام بالغ وتحرك يديها وشفتيها بلغة البانتومايم .. لم ندر ماذا نفعل فهززنا رءوسنا تشجيعا لها ولزميلها الذى انضم إليها، وكلما وضعت يدى على أذنى متسائلا فى همس عن سماعات الترجمة يزيدان حماسا وابتساما ويواصلان الكلام بلغة الإشارة.. جن جنوننا.. ماالذى يحدث؟ نظرنا إلى لوحة بجانب المقاعد فوجدنا عليها عبارة تقول.. هذا المكان مخصص للصم والبكم.. وكانت لحظة محرجة لاندرى كيف نتصرف فيها ..فقررنا مواصلة التجاوب معهم خشية أن يكتشفوا أننا لسنا من الصم والبكم ونصبح حكاية.

أتذكر هذا المشهد كثيرا وأقول فى نفسى لو كنا وجدنا سماعة الترجمة لما تعرضنا لهذا الموقف أبدا.. ومن يومها بدأت أتأمل حياة الصم والبكم، وعلمت أن زواج الأقارب وتعرض الأم للحمى الشوكية فى أثناء الحمل من أهم أسباب زيادة أعداد أطفال الصم والبكم .. ثم قرأت أن باحثين فى كاليفورنيا ابتكروا قفازات الكترونية منخفضة التكلفة يمكنها تحويل حركات لغة الإشارة التى يستخدمها الصم والبكم فى التعبير عن أنفسهم، إلى نصوص مكتوبة. .. وقرأت أيضا أن هناك نحو 466 مليونًا فى جميع أنحاء العالم يعانون تدهور السمع، ثم بدأت أتفكر فى نعمة السمع التى تجعلنا نستمتع بالحياة والكلام والمزيكا وفهمت حجم معاناة العبقرى الأصم بيتهوفن وهو يؤلف السيمفونيات ولايسمعها .. وإنما يتخيلها .. ورحت أنظر حولى لمن يضعون سماعات الهاند فرى ويتريضون وهم يشنفون آذانهم بموسيقى التانجو وشوبان وعزف هاوزر على التشيللو … وكذلك من يستمتعون بالقرآن بصوت الشيخ عبد الباسط أو محمد رفعت.. متع ونعم تستحق الشكر .. نحلق بها فى «كوكب» تانى بعيدا عن التلوث والضوضاء السمعية.. ف«الدوشة» تحاصرنا من كل جانب وتزيد من الصداع والتوتر العصبى .. أكثر من مليار شاب فى العالم ومثلهم الملايين فى مصر صنعوا لأنفسهم عالما آخر من العزلة.. من أهم أدواته الهاند فرى وفضاءات العم جوجل .. حتى إننى كتبت مرة أنهم يكادون يقولون لك تجوجل حتى أراك فهم لايروننا ولايسمعوننا.

.. نحن أمام أزمة اغتراب شديدة تعيشها الأجيال الجديدة .. إنها الفجوة الجيلية التى تستدعى منا صحوة سريعة لترميمها للتواصل مع جيل أصبحت قيم الرقمنة والتكنولوجيا والعولمة والحرية هى مفرداته .. إن الأهم من تمكين الشباب فى تقلده مناصب مهمة هو التواصل معهم ولابد هنا من توافر دراسات اجتماعية جادة ومعمقة .. توضح لنا سر التحولات العظمى فى شخصية الشاب المصرى وأسباب انعزاليته واغترابه …نلومهم على سماعهم أغانى المهرجانات وأوكا وأورتيجا وحمو بيكا .. وماهى إلا أجواء يخترعونها لتشكيل عالمهم الموازي.. مثلها مثل كلمات الروشنة والقلش .. وكأنهم يقيمون زارا لإخراج جنى البطالة والإحباط .. يجب أن نستمع إلى دوشة وأصوات العصافير الصغيرة ولا نتصور أنها سوف تأكل آذاننا وتأكل قمح الحقول فنطاردها وندق على الطبول بقوة مثلما يفعل الصينيون فنفزع عصافير الحقول ونجعلها معلقة بين السماء والأرض إلى أن تصاب بالصمم والإغماء فتتساقط. الشباب طاقة إيجابية وعقول ذكية وقلوب نقية.. اسمعوهم قبل أن تفقدوهم .


لمزيد من مقالات د. جمال الشاعر

رابط دائم: