وهذه حدوتة مصرية جميلة فى الإرادة والتحدى والنجاح.. بطلاها اختبرهما الله سبحانه وتعالى فى نعمة البصر وأنعم عليهما بأكثر من نعمة.. البصيرة والرضا والقناعة والإصرار والإرادة.. وقبلهم جميعًا اليقين فى قدرتهما على النجاح والتفوق!.
فقدان البصر ليس نهاية الدنيا!.
يقين غير قابل للشك.. فى أن نِعم الله لا تحصى.. وغياب نعمة لا يوقف الحياة!. فقدان أى نعمة.. هو امتحان لا عقاب.. وقبوله وتقبله يفتح أبواب السماء.. لمن يرضى بقضاء الله!.
بطلا حكايتنا عرفا طريق التفوق من بداية مراحل التعليم إلى أن حصلا على الثانوية العامة فى سنة 2014 التى كانت تحديًا جديدًا لكليهما.. فى نهاية مرحلة هى الثانوى وبداية مرحلة جديدة هى الجامعة.. أحدهما أمنية حياته دراسة علم النفس فى كلية الآداب والثانى دراسة الإعلام!.
الأول أحمد مراد.. حصل على مجموع 94% أدبى وجاء ترتيبه سابع الثانوية العامة مكفوفين على مستوى الجمهورية.. وحلمه الدراسة فى قسم علم النفس بكلية الآداب.
والثانى محمد فارس.. حصل على 89% فى الثانوية العامة.. وحلمه قسم الإعلام.
فرحة النجاح والتفوق فى الثانوية العامة والاقتراب من الحلم.. لم تدم طويلًا.. لأن!.
رسالة التنوير والتحضر التى عرفتها واحتضنتها وطبقتها الجامعة الأم.. جامعة القاهرة فى بداية الألفية الثانية سنة 1908.. تنكرت لها جامعاتنا فى الألفية الثالثة!.
جامعة القاهرة قبلت طه حسين طالبًا بها وهو مكفوف.. وقبلته عضوًا فى هيئة تدريسها إلى أن سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا.. وعاد أستاذًا فى كلية الآداب ثم عميدًا لكلية الآداب وبعدها مديرًا لجامعة الإسكندرية ثم وزيرًا للمعارف!.
بطلا حكايتنا حصلا على الثانوية العامة بدرجات تمكنهما من دخول آداب عين شمس وفقًا للتنسيق.. إلا أن الكلية رفضت قبول مكفوفين فى قسمى علم النفس والإعلام!. عين شمس الجامعة.. نسفت حلم أحمد مراد فى دخول قسم علم النفس.. ونفس الشىء بالنسبة لمحمد فارس وحلمه فى دخول قسم الإعلام!. قرار عاد بنا للوراء إلى ما قبل 111 سنة!.
بطلا حكايتنا لم يسمحا لليأس أن يقترب منهما.. لأنهما تعلما وهما صغيران.. أن الإرادة والتحدى والإصرار.. هم السبيل الوحيد للنجاح والتفوق وإيجاد مكان لهما فى هذا العالم!. بطلا حكايتنا لم يستسلما للقرار المجحف من عين شمس وتقدما بشكوى لوزير التعليم العالى وقتها.. وأنصفهما الرجل بخطاب لرئيس جامعة حلوان بقبول أحمد مراد فى قسم علم النفس ومحمد فارس فى قسم الإعلام!.
حلم لم يتحقق وحلم بات واقعًا!. رئيس قسم علم النفس بجامعة حلوان رفض دخول مكفوف إلى قسمه وانتصر لرأيه.. وعليه دخل بطلا حكايتنا قسم إعلام بآداب حلوان.. دخلا لأجل أن يصنعا حكاية!.
أحمد مراد من أول تيرم فى أول سنة.. وهو الأول وبامتياز على قسم صحافة!. أحمد مراد سجل رقمًا قياسيًا فى التفوق.. أول كلية الإعلام على كل أقسامها.. وأول قسم صحافة مسجلًا أعلى مجموع تراكمى فى تاريخ قسم صحافة آداب حلوان!.
محمد فارس الوصيف صاحب المركز الثانى فى التخرج على كل طلبة وطالبات إعلام.. وأول قسم إذاعة وتليفزيون!.
أحمد مراد حصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف ومحمد فارس على تقدير جيد جدًا.. بطلا حكايتنا رسميًا أول وثانى قسم إعلام دفعة 2018!. بطلا حكايتنا أثبتا عملًا لا قولًا.. أنهما كانا على حق فى إصرارهما على دخول قسم الإعلام.. وأنهما إن كانا قد فقدا نعمة البصر.. فإن الله أنعم عليهما بالبصيرة التى أنارت لهما طريقهما.. ومكنتهما من منافسة المبصرين والتفوق على المبصرين والحصول على أول وثانى دفعة إعلام سنة 2018!.
المتبقى خطوة ويتحقق الهدف الذى حدده بطلا حكايتنا.. ألا وهو أحقية العضوية فى هيئة تدريس كلية الآداب فى قسم إعلام!.
شكلًا وموضوعًا وقانونًا.. بطلا حكايتنا أحقيتهما مشروعة فى التعيين معيدين بقسم الإعلام.. لأنهما ببساطة أول وثانى دفعة إعلام!. أحمد مراد أول الدفعة كلها وأول قسم صحافة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف!. محمد فارس ثانى دفعة إعلام كلها.. والأول على قسم الإذاعة والتليفزيون!.
بطلا حكايتنا تقدما بطلب التعيين باعتبارهما الأول والثانى على الدفعة كلها.. وكلاهما أول التخصص.. سواء صحافة أو إذاعة وتليفزيون!.
قسم إعلام وافق على تعيين اثنين معيدين.. وبطلا حكايتنا.. هما من يحق لهما التعيين طبقًا للترتيب ووفقًا للقانون الذى ينص على أن التعيين لأولوية الترتيب!. ومجلس الكلية وافق على القرار.. ورفع الأمر إلى مجلس الجامعة الذى ظل يؤجل النظر فى الموضوع شهرًا وراء شهر إلى أن أصدر قراره فى النهاية بعدم تعيينهما!.
برر مجلس الجامعة قرار الرفض.. استنادًا إلى أن الخطة الخمسية لا يوجد بها درجات معيدين لقسم إعلام فى سنة 2017 وسنة 2018.. ولكن!.
نفس مجلس الجامعة.. دهس قرار الخطة الخمسية نفسها ونسف قرارها.. وقام بتعيين أول دفعة إعلام سنة 2017.. معيدًا فى قسم الإعلام.. وكان تبريرهم فى مخالفة الخطة.. أن أول إعلام سنة 2017 من الثلاثة الأوائل على كلية الآداب فى سنة التخرج!.
وعندما جاءت 2018 وتقدم أحمد مراد بطلب التعيين.. رفضوا ذلك لأن الخطة الخمسية ليس بها درجات!. مبرر سهل إصلاحه.. لأن الذى وضع الخطة الخمسية بشر.. والذى يغيرها بشر.. إذا استجدت أمور.. ومع ذلك..
حكاية الدرجة تغاضوا عنها فى 2017 استنادًا إلى أن الأول على القسم من الثلاثة الأوائل على الدفعة!. طيب إن كان الأمر كذلك.. فإن أحمد مراد الأول على القسم فى 2018 ومن الثلاثة الأوائل على الدفعة.. وزيادة على ذلك أن مجموعه أكبر من أول 2017 الذى تم تعيينه معيدًا!.
فى محاولة للحصول على حقه.. وقبل أن تعلن نتيجة دفعة 2019 وقبل أن يُعْرَفَ من هو الأول ولا درجاته.. تقدم أحمد مراد إلى مجلس الجامعة باقتراح بمقارنة درجاته بدرجات أول دفعة إعلام 2019 المنتظر.. والأعلى فى الدرجات يتم تعيينه.. لكنه لم يتلق ردًا!.
جامعة القاهرة من 111 سنة.. عينت مكفوفًا عضوًا فى هيئة تدريسها.. استنادًا إلى أحقيته وكفاءته لا بصره وإعاقته!.
المكفوف أصبح أستاذًا فى كلية الآداب وعميدًا لكلية الآداب.. بل أصبح وزيرًا للمعارف!.
بعد مرور قرن وعِقْد وسنة.. على قرار جامعة القاهرة الأم المنتصر لكل القيم الإنسانية.. جامعة مصرية ترفض بإصرار تعيين الأول والثانى على قسم إعلام بآداب حلوان لا لشىء.. إلا لأنهما مكفوفان!.
على أى حال.. الحكاية لم تنته.. لأن مصر اليوم غير مصر قبل خمس سنوات!. مصر تتخلص من تراكمات خطايا سنين وسنين!. مصر تواجه مقاومة ضد التغيير.. لكنها تتقدم ومُصرّة على التقدم إلى أن تحصل على المكان والمكانة التى تستحقها!.
>> نعم.. الدولة المصرية حاليًا.. تخوض معارك لا معركة!. حرب ضد الإرهاب وأهل الشر.. وحرب ضد من يقاومون التغيير والتقدم والنهضة.. فى «الدولة العميقة» وهم «أهل المصالح» وأهل وقف الحال.. لذلك لا غرابة فى أن تتنكر جامعاتنا.. لقرار متحضر سبقت به مصر دولًا كثيرة فى العالم.. وقت قررت الجامعة الأم سنة 1908 قبول مكفوف فى عضوية هيئة تدريسها.. تقديرًا لنبوغه بصرف النظر عن إعاقته!. ثبت بعدها للعالم كله أن جامعة القاهرة كانت على حق.. لأن المكفوف أصبح أستاذًا وعميدًا ووزيرًا!. جامعة القاهرة من 111 سنة رسخت مبدأ لا يختلف عليه اثنان.. الحقوق واحدة ومتساوية.. بين الأسوياء وأصحاب الإعاقة!.
الدولة العميقة أنكرت وتنكرت للريادة المصرية فى هذا الأمر.. وأعادتنا إلى ما قبل سنة 1908.. بمقاومتها ورفضها أحقية تعيين مكفوفين فى عضوية هيئة تدريس الجامعة!. أى جبروت هذا.. اتخاذ قرارات ضد ما تقوم به الدولة.. وضد توجيهات الرئيس السيسى شخصيًا فى كل ما يخص أصحاب الإرادة والتحدى!.
إنها الدولة العميقة التى لا تريد أن ترى أو أن تسمع.. نعرف أن مصر من خمس سنوات تتغير!. مصر تريد لنفسها المكان والمكانة التى تستحقها!. مصر فى خمس سنوات عوضت ما فاتها فى عشرات السنين!. مصر فى السنوات الخمس الماضية.. شيدت مشروعات فى كل المجالات هى بكل المقاييس إعجازات!. مصر تسابق الزمن لتعويض ما فاتها فى عشرات السنين.. ومستحيل أن تسمح بمن يجرها للوراء إلى ما قبل 1908!.
البناء بطبيعته صعب.. إلا أن الأصعب المعارك التى تخوضها مصر على كل الأصعدة.. لأجل تعويض الوطن عما فاته فى السنين الطويلة التى مضت!. معركة ضد الإرهاب ومعركة ضد الشائعات والفتن والأكاذيب ومعركة إصلاح الاقتصاد ومعركة البناء والتشييد!.
إنها حرب حقيقية أشار إليها الرئيس السيسى وقت بدأ مشروع نهضة مصر.. وإشارته إلى أهل الشر الذين لا يريدون خيرًا للوطن!.
أهل الشر الذين قصدهم الرئيس.. أشبه بأخطبوط جسده وعقله المفكر.. فى الخارج يخطط ويدبر ويتآمر.. وأذرعه الكثيرة فى الداخل.. والإخوان أطول ذراع!. أذرع الأخطبوط.. كل من باعوا أنفسهم للشيطان مقابل الدولارات.. يتصدون بكل قوة لمشروع نقل مصر إلى المكان والمكانة التى تستحقها!. أذرع الأخطبوط.. تقاوم معركة النهضة والبناء.. بالأكاذيب والشائعات والفتن والكراهية والبذاءات!.
أهل المصالح.. وجدوا ضالتهم فى وزارات وهيئات دولتنا العميقة!. راحوا يركبون موجة العقم التى هى عليه.. لأجل مصالحهم لا مصلحة الوطن!. راحوا يستفيدون من غول اسمه الروتين يعشش فى دواوين الحكومة.. واستثارة غضب الناس من عدم قضاء مصالحهم!.
فى الدولة العميقة.. «أهل» وقف الحال.. يحمون الروتين ويستقتلون للإبقاء عليه!. جزء منهم يعشق تعقيد كل شىء وأى شىء.. إرضاءً لنفوسهم المريضة التى تتلذذ بوقف حال الناس!. وجزء جعل وقف الحال مدخلًا للفساد والرشوة!.
أما أهل المصالح.. فهم من يتحركون وسط الثغرات الناجمة عن تعدد القوانين فى مصر.. ويفسدون!.
كلنا يعرف أن مصر كانت على حافة الإفلاس وقت سنة حكم الإخوان!. كلنا يعرف حجم الأزمات المزمنة التى تكشّف وجودها بعد رحيل الإخوان.. فى الصحة والتعليم والإسكان والطرق والخدمات وكل شىء.. حتى إننا اكتشفنا أو انصدمنا بأن الكهرباء التى نستهلكها أكبر بكثير من التى نولدها!.
كلنا يعرف.. أن قرار الإصلاح الاقتصادى.. قرار تأخر لأكثر من نصف قرن!. كلنا يعرف أنه قرار غير مسبوق فى تاريخ مصر!. وأنه قرار شجاع وأخلاقى لأنه يتصادم مع شعبية وجماهيرية من يتخذه.. واتخذه الرئيس السيسى لأنه السبيل الوحيد لوضع أقدامنا على أول طريق الإصلاح والتقدم!. كلنا يعرف أن معدل الزيادة السكانية رهيب.. ويلتهم أى نمو قبل أن ينمو!.
كلنا يعرف أن المشاكل هائلة.. ومع ذلك الدولة اقتحمت معركة الإصلاح الاقتصادى.. لأنه لا سبيل لأى تقدم.. إلا بإصلاح الاقتصاد.. وأول قرار هو.. أصعب قرار.. لأنه مثل الجراحة التى لابد منها.. آلام لبعض الوقت.. لأجل الشفاء فيما بعد طوال الوقت!. القرار الأصعب هو إلغاء الدعم على أسعار السلع الأساسية!. قرار مثل الجراحة.. يسبب آلامًا لفترة!. قرار يغضب الناس.. لكنه لا مفر منه.. لأجل أن تصلب مصر عودها وتقف على حيلها!.
الذى لا يعرفه الكثير منا.. أن الرئيس كان أسهل شىء عليه أن يبقى الوضع على ما هو عليه ويا دار ما دخلك شر.. وفلوس الدعم طوال فترة الرياسة.. أقل بكثير جدًا من عشرات المليارات التى تم إنفاقها على مشروعات العدالة الاجتماعية «اللى» بجد.. لحماية أهالينا البسطاء من جراء الإصلاح الاقتصادى!. كان بالإمكان أن يقضى الرئيس فترة رئاسته.. والناس راضية ومرضية باستمرار الدعم.. واللى جاى بعده.. يقابل المصيبة بعد أن أصبحت جبل تراكمات يستحيل مواجهته وتستحيل إزالته!.
الدولة فى السنوات الخمس شيدت استثمارات ونفذت مشروعات ضمن مشروعها الإصلاحى الجبار!. مصانع كثيرة ظهرت وأنتجت وعوضت الكثير كنا نستورده ووفرت عملة صعبة.. توفيرها يقيم دعائم الاقتصاد!. الدولة تبنى من هنا.. «وأهل» المصالح يخربون من هنا!.
فى مجال الأدوية مثلًا الدولة بقدر ما تقدر.. تحاول تصنيع أغلب ما نحتاجه من أدوية ومستلزمات.. تأمينًا للأمن القومى وتوفيرًا للعملة الصعبة!. مثلًا.. المخدر الموضعى المستخدم فى علاجات الأسنان.. أو ما نعرفه باسم حقن البنج.. عندنا حاليًا مصنع يتبع القطاع العام وآخر استثمار خاص تم افتتاحه من شهور.. وإنتاجهما من حقن البنج يغطى السوق المحلى ويسمح بالتصدير.. ولكن!.
فى الأسواق توجد حقن بنج مهربة ولا يتم استيرادها.. المصيبة أنها خطر جدًا على مرضى القلب والضغط.. نتيجة نسبة تركيبها.. والأخطر أن هذه الحقن تمت تعبئتها فى عبوات بلاستيكية لا زجاجية.. وتلك مشكلة فى التعقيم.. حيث يجب أن يكون المخدر كامل التعقيم!. يعنى صحيًا هى مخالفة.. وماديًا هى تخريب فى الاقتصاد.. لأننا فتحنا مصانع لأجل إنتاجها يغطى استهلاكنا وتقوم بالتصدير.. ولأجل وقف نزيف دولارات الاستيراد!.
حقن البنج هذه لأنها مهربة.. طبعًا لا جمارك ولا رقابة صحية.. لذلك هى لا تباع فى الصيدليات شأن أى دواء.. وبالتالى هى بعيدة عن أعين التفتيش الصيدلى التابع لوزارة الصحة!. حقن البنج المهربة والمخالفة صحيًا تباع فى محلات بيع مستلزمات طب الأسنان.. وغير المصرح لها أصلًا ببيع حقن البنج.. لتكون بعيدة عن التفتيش الصيدلى.. المعنى برقابة الصيدليات!.
حقن البنج المهربة.. يتم شراؤها بعملة صعبة تخرج من البلد.. رغم أن مصر عندها ما يكفيها من إنتاجها بل وعندها فائض للتصدير.. يأتى لنا بعملة صعبة! قياسا على ذلك.. الأمر يتكرر فى مجالات أخرى!.
الدولة كل همها.. افتتاح أكبر مشروعات استثمار.. توفر ما كنا نستورده.. لتواجه معدلات استهلاك تنمو باطراد.. لأن مصر أعلى دولة فى معدلات النمو السكانى!.
الدولة تبنى وتُشَيِّد مشروعات.. وتُصلح اقتصادًا.. و«أهل» المصالح الخاصة.. يستغلون أرباع الفرص لتحقيق مكاسب بالمخالفة للقانون!.
مصر.. بإذنك يارب.. ستقضى على هؤلاء وتنتصر.. لأن الشر وأهله.. يستحيل أن ينتصروا!.
لمزيد من مقالات إبراهيـم حجـازى رابط دائم: