رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حديث الجمعة
الأسباب والمسببات

ديننا دين العمل والإتقان والأخذ بأقصى الأسباب، حيث يقول الحق سبحانه: «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور». فمن جد وجد ، ومن اجتهد نجح، ومن زرع حصد، ومن لم يجتهد لم ينجح، ومن لم يزرع فمن أين له أن يحصد؟ «سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا».

وقد سأل رجل نبينا (صلى الله عليه وسلم) فقال: «يَا رَسُولَ اللهِ، أُطْلِقُ نَاقَتِى وَأَتَوَكَّلُ؟ أَوْ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ»؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ)، فربط الناقة أدعى لبقائها، أما تركها فأدعى لفقدها وضياعها.

وقد فقه الصحابة والتابعون الكرام ذلك من النبى (صلى الله عليه وسلم)، وطبقوه تطبيقا عمليًّا، فكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا، ولا فضة، وأتى على قوم لا يعملون، فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتكلون، المتوكل: رجل ألقى حبة فى بطن الأرض، ثم توكل على ربه.

وقد رُوى أن أحد الناس خرج يومًا فى تجارة له فنزل إلى جانب بستان، فوجد طائرًا مهيض الجناح، وبينما هو ينظر إلى حاله وجد طائرًا آخر يأتيه بطعامه، قال: فعلمت أن رزقى سيأتينى حيثما كنت، فلما ذكر ذلك لأحد أصحابه، قال له: نعم، ولكن لماذا رضيت أن تكون الطائر الكسير مهيض الجناح ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر الذى يسعى على نفسه وعلى غيره من ضعفاء بنى جنسه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَي، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَة»، فلماذا لا يعمل كل منا على أن يكون اليد العليا لا اليد السفلي، وقد قالوا: أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسِيرهُ .

وعلينا أن ندرك أن الناس لا تحترم ديننا ما لم نتفوق فى أمور دنيانا، فإذا تفوقنا فى أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا، وقد أمرنا ديننا الحنيف بأن نأخذ بأسباب القوة، حيث يقول الحق سبحانه: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»، فرب العزة (عز وجل) يعطى من يأخذ بالأسباب مسلما كان أم غير مسلم، مؤمنا كان أم غير مؤمن.

على أن الفارق بين المؤمن وغير المؤمن فى قضية الأسباب والمسببات هو أن غير المؤمن قد يظن أن الأسباب تؤدى إلى المسببات بطبيعتها، والمؤمن يؤمن بأنها تؤدى إلى المسببات بإعمال الله عز وجل لها، وهو قادر على إعمالها وعدم إعمالها، كما عطل النار عن خاصية الإحراق فى شأن سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، وعطل السكين عن خاصية الذبح فى شأن سيدنا إسماعيل (عليه السلام)، وعطل الحوت عن هضم سيدنا يونس (عليه السلام).


لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة

رابط دائم: