مسافة طويلة قطعتها المرأة فى نضالها من أجل نيل حقوقها، ولكن يبقى إعلان بكين نقطة بارزة على الطريق، وبعد 25 عاما على هذا الإعلان ومنهاج العمل التاريخى جرت فى العاصمة الأردنية عمان عملية مراجعة لما تم فى الدول العربية من تنفيذ لما التزمت به، وحرصت «الأهرام» على لقاء ، المدير الإقليمى لهيئة الأمم المتحدة للمرأة دكتور معز دريد ، وذلك نظرا لأن هذه المنظمة الدولية ـ التى تعنى بشئون المرأة ـ باتت الأكثر اشتباكا وتفاعلا مع هموم المرأة وقضاياها.. وهنا نحاول التوقف أمام طاعون العصر وهو جرائم العنف والقتل والتحرش والاعتداء الجنسى بالمرأة. وفى الوقت نفسه نستشرف المستقبل دون أن نغفل ما تحقق من تقدم فى ربع قرن .
وحول تقييمه للحظة الراهنة فى مسيرة المرأة العربية، يقول دكتور معز دريد إننا نقف فى لحظة فاصلة ، فقد قامت الدول العربية بعمل دءوب استمر 25 سنة بعد مؤتمر بكين، وتميز هذا الربع قرن بتحولات كبيرة فى أوضاع المرأة العربية، وسجلت المنطقة العربية ارتفاعًا فى انخراط المرأة فى الحياة السياسية.وخلال تلك المدة تقدمت الدول العربية فى نواح عديدة من حقوق المرأة، من زيادة إمكانيات المرأة سواء فى التعليم أو الصحة وبقيت التحديات الأساسية فى مجال الفرص المتاحة للمرأة سواء فى المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية.
وقد حققت المرأة العربية أسرع معدلات زيادة فى مستويات التعليم. فالآن أغلبية الملتحقين بالجامعات العربية هم من الفتيات، ولكن هذا التقدم فى النواحى التعليمية والصحية ونواحى القدرات الأخرى لم يقابله تقدم فى مشاركة المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، ولم يكن ذلك بسبب قدرات المرأة ،فهى نجحت فى بناء قدراتها ،ولكن بسبب معوقات وطنية وإقليمية وعالمية. ومعوقات فى النواحى الثقافية والاجتماعية، باختصار تقدم ملحوظ ولكن فى الوقت نفسه هناك مجال كبير للتحسن فى جميع الفرص.
وأشار دكتور دريد إلى إنه رغبة فى مضاعفة الجهود حتى نصل لمكانة تستحقها المرأة بعد نضالها الطويل ، من المتوقع التحرك على خمسة محاور هي:
المحور الأول: توطين مخرجات بكين فى السياسات الوطنية بما فى ذلك التركيز على النساء والفتيات الأشد تهميشا، وتصميم السياسات المناسبة لدعمهن بمختلف أوضاعهن.
المحور الثاني: ضمان فاعلية الجهود الوطنية فى مجال الحماية الاجتماعية بما فى ذلك تحديد أولويات العمل، بحيث تستهدف الشرائح الاجتماعية الأضعف والأولى بالرعاية.
المحور ثالث: حماية النساء والفتيات من العنف بمختلف أنواعه، وتحت ذلك مواصلة الجهود المبذولة لسن وتفعيل القوانين.
المحور الرابع: يختص بدعم الآليات الوطنية للمساواة بين الجنسين، وتوفير الموارد لها للقيام بدورها، وأيضا توفير بيئة تمكينية لمنظمات حقوق المرأة .
المحور الخامس والأخير: يتعلق بالبيانات وهى مهمة لوضع السياسات. وهنا تدفع هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع منظومة الأمم المتحدة عموما إلى تجميع وتحليل تلك البيانات والإحصاءات وذلك بالتعاون مع الدول المعنية.
حول ظاهرة العنف ضد المرأة يقول د. دريد إن العنف ضد النساء والفتيات عموما سواء فى المنطقة العربية أو غيرها من المناطق يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان .و تقدر منظمه الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من ثلث النساء بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، اللاتى كان لهن شريك - 37% منهن- تعرضن للعنف الجسدى أو الجنسى من الشريك فى مرحلة ما فى حياتهن. وبالتأكيد جرائم القتل وجرائم الشرف ،والزواج المبكر والقسرى للقاصرات، والتحرش الجنسى فى الأماكن العامة تشكل جرائم فظيعة ضد النساء، ونعمل مع الحكومات المعنية على تفعيل القوانين والتشريعات الوطنية للتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة.
وأعرب د.دريد، بمناسبة حملة « 16 يوما لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي» ،والتى تأتى تحت شعار «جيل المساواة يقف ضد الاغتصاب»، عن اعتقاده بأن ثقافة المجتمعات لا تتصدى بشكل كاف لظاهرة الاغتصاب،و أن المواجهة لابد أن تقوم على أربعة محاور:
أولها أهمية زيادة المساءلة كإحدى الخطوات الضرورية التى يمكن اتخاذها لجعل الاغتصاب بكل أشكاله غير قانوني. وجنبا إلى جنب مع تجريم الاغتصاب يجب أن نحسن قدراتنا على وضع الضحية فى محور الاستجابة والدعم والمساعدة والحماية، وفى الوقت نفسه وضع المغتصبين موضع المساءلة بما فى ذلك المساءلة القانونية، وبالطبع يعنى هذا تعزيز قدرة مسئولى إنفاذ القانون مثل الشرطة على التحقيق فى هذه الجرائم وعلى دعم الناجيات من خلال العدالة الجنائية.
المحور الثانى يتمثل فى العمل على زيادة أعداد النساء فى قوات الشرطة وتدريبهن بصورة مناسبة على التعامل مع تلك الحالات. وعلى سبيل المثال شرطية حفظ السلام الأردنية رندا الشوبكى العاملة فى جنوب السودان تقدم التدريب وورشات العمل للمتدربات والمتدربين فى الشرطة المحلية.
المحور الثالث، هو إحراز تقدم فى التعامل الناجح مع العوائق المؤسسية والهيكلية الكثيرة ومع الأنظمة الأبوية السائدة، وبالطبع هناك نمطية سلبية محيطة بالنوع الاجتماعى وتعطى تربة قد تكون فى أحيان كثيرة خصبة لتلك الظاهرة الخطيرة.
رابعا وأخيرا، فى حالات النزاعات، بما فى ذلك النزاعات المسلحة، كثيرا ما يستخدم الاغتصاب سلاحا نتيجة لما يحدثه من صدمة على الناجين منه وضحاياه. وهنا يجب أن نضمن الحماية من ذلك فى نطاق النزاعات المسلحة وضمان العقاب لمرتكبى مثل تلك الجرائم.
وفيما يتعلق بـ «منتدى جيل المساواة» أوضح د.دريد أن المنتدى يعد بمثابة تجمع عالمى بشأن المساواة فى النوع الاجتماعي، تعقده هيئة الأمم المتحدة للمرأة ويرأسه بالشراكة فرنسا والمكسيك، وقيادات المجتمع المدني، ومن المنتظر أن تنطلق فاعليات المنتدى فى مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك يومى 7 و8 مايو 2020، وستنتهى فى باريس بفرنسا يومى 7 و10 يوليو 2020
سيُقيم المنتدى التقدم المحرز وسيضع جدول أعمال يشمل خطوات حقيقية فى مسعى تحقيق المساواة فى النوع الاجتماعى قبل عام 2030، كجزء من الحملة الرائدة متعددة الأجيال، «جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة من أجل مستقبل متساو» وذلك بعد مرور 25 عامًا على المؤتمر العالمى الرابع المعنى بالمرأة التاريخى واعتماد إعلان ومنهاج عمل بكين، وهو المخطط الأكثر شمولية لتمكين المرأة ولتحقيق المساواة فى النوع الاجتماعي.
وسيكون المنتدى بمثابة مناقشة علنية عالمية بشأن اتخاذ الإجراءات العاجلة وكفالة المساءلة من أجل تحقيق المساواة فى النوع الاجتماعي، واحتفالًا بالناشطات والناشطين فى دعم حقوق المرأة والتضامن النسائى والقيادات الشبابية لتحقيق تحول جذرى حيث سيُبث المنتدى مباشرة فى جميع أنحاء العالم، وذلك فى صورة جلسات تفاعلية تُجرى عبر الأقمار الصناعية تعززها التكنولوجيا لزيادة عدد المشاركة. وسيؤكد المنتدى من جديد أهمية تعدد الأطراف وسيجمع بين قيادات ومشاركات مختلف أصحاب المصلحة والمجتمع المدنى والحكومات وقطاعات الأعمال والمدن والبرلمانات ونقابات العمال ووسائل الإعلام وأكثر... مع التركيز على المشاركة بين الأجيال بعضهم البعض وبين أصحاب المصلحة، وسيثمر المنتدى عن مشاركات ملموسة وسيضمن مساءلة حقيقية بشأن الإجراءات العاجلة والمتزايدة فيما يتعلق بالقضايا الحاسمة لتحقيق المساواة فى النوع الاجتماعي.
رابط دائم: