ينافس على «الأوسكار»
«الأيرلندى » الملحمى .. أزمنة مختلفة والقتل واحد!
على مدى أيام الدورة الـ «41» من مهرجان القاهرة السينمائى التى اختتمت يوم الجمعة الماضى استمتع الجمهور بمشاهدة عدد كبير من الأفلام من مختلف دول العالم، لتصبح الدورة ـ بإجماع الآراء ـ من أفضل الدورات نجاحا وتميزا خاصة فى
الآونة الأخيرة من تاريخ المهرجان، نتيجة وجود تلك الأفلام المتميزة التى كانت من أهم أسباب نجاح المهرجان، وزيادة إيجابياته، خاصة أن أغلبها كان مميزا جدا ويليق بحجم وقيمة المهرجان الكبير والعريق.
فيلم « الأيرلندى» يجسد تحقق حلم تأخر عشر سنوات لم يجد فيها المخرج مارتن سكورسيز ممولا لإنتاج هذا الفيلم الذى تجاوزت تكلفة إنتاجه 159 مليون دولار حتى تصدت لإنتاجه شركة نتفليكس دون التدخل فى الأمور الفنية وهو فيلم مأخوذ عن رواية «تشارلز برندت» «سمعت أنك تطلى المنازل» i heard you paint houses التى حققت أكبر مبيعات فى روايات تاريخ العصابات، والمأخوذ عن لقاءات مع القاتل الجير فرانك شيرن الذى رحل عام 2004 فى دار للمسنين.
تدور أحداث الفيلم الذى كتب السيناريو له ستفين زايلين «الحاصل على الأوسكار» فى فترة الخسمينيات والستينيات من القرن الماضى حيث الذهاب إلى الحاضر ثم الرجوع للماضى عن طريق الحكى من خلال شخصية شيران كأننا فى فيلم وثائقى فنشعر أننا أمام أحداث حقيقية إذ تناولت عمليات القتل والاختفاء الكبرى فى التاريخ الأمريكى التى لم يعرف أحد من قام بفعلها مثل قتل الرئيس الأمريكى جون كيندى واختفاء «جيمى هوفا» الزعيم الذى أسس أكبر نقابة للسائقين فى التاريخ والذى قام جاك نيكلسون بعمل فيلم كامل عنه بعنوان هوفا hoffa. و ما تتميز به أفلام سكورسيزى فى أفلام المافيا من وجود الراوى .. ورحلة فرانك شيران من الصعود من مجرد سائق للشاحنات إلى أحد أهم القتلة للمافيا .
الفيلم الذى تدور أحداثه فى 209 دقائق أى ثلاث ساعات ونصف الساعة يعتبر من أهم الأفلام فى تاريخ السينما الامريكية لأنه أولا يجمع نجوما لأول مرة فى التاريخ فآل باتشينو يعمل مع مارتن سكوريزى لأول مرة رغم صداقتهم منذ فيلم «الأب الروحى» .. أيضا لأنه يعتبر فيلما ملحميا سوف ينافس بشدة على جوائز الأوسكار.
التمثيل للعظماء روبروت دى نيرو فى شخصية فرانك شيران واكبر المتحمسين لأدائه لهذه الشخصية حتى إنه شارك فى إنتاج الفيلم حيث أدى دى نيرو العديد من شخصيات رجل المافيا حتى إنه حصل على الأوسكار من خلال شخصية الأب فى فيلم «الأب الروحى» الجزء الثانى The Godfather : Part II إلا انه فى شخصية شيران وبعد أن قرأ القصة الأصلية جاء اداؤه مختلفا عن كل الشخصيات التى قام بأدائها حيث إنها شخصية تشعر كأنها حقيقة وليست من الخيال كما أن الأداء لشخصية خلال أكثر من 50 سنة فيها العديد من التنوع والمشاعر التى أظهرها دى نيرو وخصوصا فى المشاهد الخاصة بعلاقته بـ «هوفا» والأوامر التى كان يأخذها من راسل التى لم يكن فيها حوار خصوصا فى الرحلة التى قام بها بركوب الطائرة وحيدا والمفاجأة التى كانت فى هذه كانت أداء كبيرا لممثل اكبر.
جو بشيى فى شخصية راسل الذى يقود كل شىء فى هدوء ممثل حاصل على الاوسكار فى فيلم «الأصدقاء الطيبين»، إخراج سكورسيزى وبطولة دى نيرو أيضا.. هو ممثل يؤدى الكوميديا والشر بمنتهى السلاسة ورغم رفضه القيام بالدور لفترة طويلة حتى إنه رفض طلب سكورسيزى ودى نيرو القيام بهذا الدور فى خلال السنوات العشر الماضية اكثر من خمسين مرة كما قال سكورسيزى إلا أنه أخيرا وافق على القيام بهذا الدور الذى قد يحصد عنه الأوسكار حيث إنه أدى الدور فى كل أزمنة الشخصية سواء فى الخمسينيات أو السبعينيات أو حتى التسعينيات بأداء ممثل كبير ذى خبرة كبيرة فهو أقوى شخصية فى الأحداث وتشعر بأدائه الهادئ وخصوصا فى مشاهده مع «هوفا».
آل باتشينو فى شخصية هوفا مؤسس نقابة السائقين والمتحكم فى أكثر من مليار دولار من أموال النقابة والذى يقع ويتحدى المافيا والصديق المقرب من فرانك شيردان وعائلته فى أول تعاون مع سكورسيزى بناء على طلب صديقة دى نيرو والذى اعلن سكورسيزى أنه يثق فى صديقه دى نيرو.. ايضا باتشينو حاصل على الاوسكار عن فيلم «عطر امراة» وهو ممثل يصنف انه اسطورة فهو فى شخصية جيمى هوفا رغم ظهوره فى الاحداث بعد مرور خمسين دقيقة الاانه كان للاحداث مذاق وشكل آخر بعد ظهوره وبعد اختفائه فهو قام بأداء الشخصية بتفهم كامل حتى إنه اضاف لها بعدا كوميديا جميلا وتغييرها بعد السجن. التصوير: رودريجو بريتو رشح للأوسكار مرتين عن فيلمى «الصمت» 2016 وبروكين مونتين 2005 فى فيلم الايرلندى وهو من الافلام الصعبة على مدير التصوير من حيث زمن الفيلم واختلاف الأزمنة فهو يدور فى أكثر من خمسين عاما كما أنه استخدم العديد من المؤثرات البصرية المرتبطة بتصغير سن الابطال جميعا مما يجعل التصوير من أهم الأبطال فى السرد كما أن الفيلم يحوى العديد من التفجيرات ومشاهد الليل التى تحدث فيها عمليات القتل.. فيلم صعب ولكن استطاع بريتو التعامل مع كل مفردات الصورة وخصوصا مؤثرات تصغير الصورة بحرفية كبيرة.
المونتاج: تليما سشونمكير الحاصلة على ثلاث جوائز أوسكار من سبعة ترشيحات والثلاثة كانت مع مارتن سكورسيزى فى افلام «الراحل» «الطيار» و«الثور الهائج» مونتيرة تعرف كيفية التعامل مع الإيقاع فى هذه النوعية من الأفلام وفى فيلم مدته قاربت على الساعات الثلاث ونصف الساعة دون أن يشعر المشاهد بأى نوع من الملل كما أن التنقل بين الأزمنة يتم بسلاسة فهى مبدعة. الموسيقى لروبى روبرتسون: كانت الموسيقى فى الفيلم غالباً فى استخدام اللون الخاص بكل فترة زمنية سواء الخمسينيات او الستينيات وحتى السبعينيات وفى التسعينيات بدأ فى استخدام آلة إيقاعية وحيدة وهى الدرامز ومعه الكمان ليعطى احساسا بالتوتر فى نهاية الأحداث وهو ما كان فى خدمة الدراما. الإخراج للمخرج مارتن سكورسيز الذى ترشح للأوسكار والعديد من المرات إلى أن حصل عليها عن فيلم «الراحل» the departed 2007 فى فيلم تتجاوز مدة عرضه ثلاث ساعات ونصف الساعة فهى ليست كثيرة فى تاريخ السينما كما أن المشاهد لا يشعر بهذا الوقت وتكون الأحداث فى العديد من الانتقالات بالأزمنة دون أن يشعر المشاهد بأى مشكلات فى السرد فهذا من الأشياء الجميلة فى صناعة السينما فنحن أمام فيلم كبير ومخرج أسطورة وهو حدث سينمائى كبير ومهم فهو فيلم اجتمع فيه أساطير السينما من ممثلين ومخرج يقود هؤلاء الممثلين. ومعهم ممثلون آخرون تجاوز عددهم 400 ممثل فى أزمنة مختلفة فى الأحداث التى تدور فيها قصة الأيرلندى الذى تحمل سكورسيزى انتظاره عشر سنوات لظهوره وفيه استخدم تكنولوجيا «دى اجينج» لتصغير أعمار الأبطال أكثر من عشرين سنة وهى تكنولوجيا بدأ استخدامها عام 2006 من خلال X-Men : The Last Stand لنشاهد فيلما سيبقى فى تاريخ السينما.
رابط دائم: