رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

غروب النيتانياهوية!

منذ عام، والأجراس تقرع فى إسرائيل، إيذانا برحيل النيتانياهوية، إذا صح هذا المسمي، وقد ظللت أبحث عن اسم لوصف هذه الفترة، من عمر إسرائيل, فلم أجد إلا أن أنسب هذه الحقبة، التى امتدت لعقد من الزمان، إلى اسم بنيامين نيتانياهو (70 عاما)، الذى يعتبر أطول رؤساء الوزراء الإسرائيليين عمرا فى هذه الدولة التى عمرها (71 عاما).

نيتانياهو له صفات، ونعوت، كثيرة، داخل إسرائيل، وخارجها، فهو، وسط أنصاره، ومريديه، بطل إسرائيل، بل هو الملك غير المتوج، ووسط علماء السياسة اليميني، ابن الليكود، ذلك التيار الإسرائيلى المتشدد. وعلى الرغم من أن نيتانياهو لم يكن جنرالا من طبقة العسكريين، أو الصفوة، ولم يحارب، وليس له بطولات تذكر، مثل جنرالات إسرائيل، ونجوم السياسة فيها، خاصة العسكريين، الذين لهم وضع المقدمة، أو التميز، فى أحزاب الدولة ككل، فإنه حفر لاسمه، ولونه، وصفًا سياسيًا، صبغ هذه الحقبة من عمر إسرائيل. وحتى أستطيع أن أقرب وصفى لهذه الشخصية، ومواصفاتها، فقد كان من اللون، الذى يمكن أن تميزه فى الشرق الأوسط بوضوح، فى الإردوغانية، أو الأصول العثمانية فى تركيا، وإذا ذهبت إلى إيران، فيمكن وصفه بـأحد ملالى إيران، الذين يحكمون منذ 4 عقود هناك، بعد سقوط الشاه، وإذا اقتربنا من المنطقة العربية، فسنجده شبيها بحركة الإخوان المسلمين، وتياراتها، وألوانها المختلفة.

ولكى نميز بين ألوان السياسيين فى إسرائيل، إذا كنا ننوى التعامل معهم، وحل القضية الفلسطينية سياسيا، فإن الإسرائيليين ليسوا كلهم لونا واحدا، وإسرائيل بلد معقد، وصعب، ومتشابك، فى أسلوب التعامل، ولا تستطيع أن تصنفه يمينا أو يسارا، وحقبة نيتانياهو، التى تنسحب، تدريجيا، بعاصفة فى إسرائيل، تحاصر صاحبها فى الشارع، وفى مؤسسات الدولة، والقضاء، الذى وجه، لأول مرة، لرئيس وزراء فى الحكم، 3 اتهامات، محددة بالفساد، والاحتيال، وسوء الائتمان فى 3 ملفات متنوعة، وإذا أفلت من واحدة طاردته الثانية والثالثة، أى أن مؤسسات الدولة أعلنت الحرب عليه، وإذا أضفنا موقف الشارع السياسي، والأحزاب، فسنجد إسرائيل دون حكومة فعلية، منذ ما يقرب من عام، تخللته محطتان انتخابيتان غير حاسمتين، فالناخبون الإسرائيليون، الذين أعطوا نيتانياهو أصواتا، جعلته أطول رئيس وزراء، من كل زعماء إسرائيل المؤسسين والكبار، وغيرهم, هم أنفسهم، الذين لم يعطوه فى الكنيست العشرين، والحادى والعشرين، وكل قياسات الرأى العام تقول إن أكثر من 50% من الإسرائيليين أصبحوا ضد عودة نيتانياهو لرئاسة الحكومة، وعلى الرغم من المفاوضات، والألاعيب السياسية، والأحزاب، التى تشكل تلك الدولة، والتى لا نعرف مفاجآتها، والاتفاقات بينها، فإننى أرى أنه حتى لو بقى نيتانياهو لفترة أخري، فإن سياساته، ونمطه، قد ضعف، أو تلاشي، وعلينا أن نسبر غوره، وأننا أمام حقبة جديدة فى إسرائيل، وهى حقبة ما بعد نيتانياهو، وهى التى تصف لنا أن الخوف الإسرائيلي، وصل مداه، فهذا الحاكم المتلاعب، والذى لم يحقق طموحاتهم، على الرغم من الدعايات الكاذبة، والهالة، التى أحاطت به، والقوة، التى تمتع بها، كل سنوات حكمه، لم يستطع أن يعطى الإسرائيليين الأمان، والاستقرار، والثقة، فى المستقبل، على الرغم من المساعدات الجمة، والدعم، الذى ليس له مثيل من قبل، والذى حصل عليه من واشنطن، فهو فى السنوات الأخيرة جعل ترامب يعترف بمستوطناته غير المشروعة، وبـالقدس والجولان المحتلتين.

رفض نيتانياهو يشير إلى تغيرات فى المجتمع الإسرائيلي، بل هو مؤشر إلى تحولات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، يجب أن تنتهزها فلسطين، والعرب، وأن يظهر قادة، وفلسفة جديدة، قادرة على أن تجعل المجتمع الإسرائيلى يهزم التطرف، ويعترف بأن الحل ليس فى القوة، والتطرف، وليس بالاستيلاء على أراضى فلسطين، وليس بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية العتيدة، والضرب عُرض الحائط بتطلعات العيش المشترك، فما يجري، الآن، فى المجتمعات الشرق أوسطية، جميعا، بما فيها إسرائيل، لا يمكن فهمه فى علوم السياسة، ولكنه فى حاجة إلى الاقتراب من علوم أخرى لتفسيره، ولتكن البيولوجيا السياسية، فحالات الخوف، التى تنتاب المجتمعات، تجعلها تحتمى بهويتها، وتاريخها، وتبحث عن مظلة الاحتماء، ولو شعوريا، وأصبح السياسيون، المناورون، الغامضون، والمتطرفون، لا تقبلهم المنطقة، التى نعيش فيها، فى المستقبل، والذين يلغون عقول جمهورهم، ويحتمون بالمخاوف، والأديان.. تركيا أردوغان، وإيران الملالي، نموذج واضح لتلك الحالة، التى تعيشها شعوب هناك، اختارت، أو فرض عليهم، الحكم بهذا الأسلوب المتلاعب، والمتغطرس، والمنفر، والذى ليس له أمل من المستقبل فى شيء.

الرقص المجنون واضح فى كل الدوائر، وتلك المظلة، التى احتمى بها نيتانياهو، والمرجعيات الدينية، المقيتة، التى استند إليها، والأحزاب المتطرفة، التى تعاونت معه، ومستعدة لإطالة بقائه فى الحكم، حتى لو أُطلقت حروب جديدة فى المنطقة، سواء فى غزة، أو لبنان، أو سوريا- يهربون، ويفقدون الثقة فى الداخل، ويبحثون عن التعاطف الخارجي... فما هى الألاعيب الجديدة؟!.. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة. مازال أردوغان، والملالي، قادرين على العيش، والاستمرار، على الرغم من رفض مجتمعاتهم لهم..فهل تكون إسرائيل النموذج الثالث لذلك؟!.. ونحن نرى ما يحدث، لا يسعنا إلا تحية الشعب المصري، الذى رفض، فى أقل من 3 سنوات وعام واحد على حكم الإخوان، هذا الأسلوب فى الحكم، وخرج رافضا، واستجابت المؤسسات، وبدأت فى البناء، والتطلع للمستقبل، وصناعة السلام لبلادها، والمنطقة، التى تحلم بأن تصنعه كل الشعوب الشرق أوسطية. كل الذى نطلبه من الفلسطينيين أن ينتهزوا هذه التطورات.. يجارونها بالوحدة الفلسطينية، والرؤية الشجاعة، المتسقة، نحو التفاوض، والسلام الإقليمي.. بمخاطبة مباشرة للشارع الإسرائيلي، ليخرج من أزمته، وحالة تردده، وخوفه من السير بثقة نحو تحقيق السلام الإقليمي، ليعترف بحقوق كل شعوب المنطقة فى العيش بسلام، واحترام حقوقها، وسيادة أراضيها.


لمزيد من مقالات أسامة سرايا

رابط دائم: