رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الانتقام المرير

بريد الجمعة;

أكتب إليك قصتى كما أحياها، وأتمنى من الله أن يحدث بعد ذلك أمرا، ويغير مجراها، فأنا فتاة من محافظة نائية لأب موظف وأم ربة منزل، ولى شقيقان، وتربيت على العادات والتقاليد الجامدة، وكأنها حدود مقررة لا يمكن الخروج عنها، فهى ليست حدود الله، ولكنها حدود صنعها الإنسان، وأصبحنا أسيرين لها تحت مسمى «التقاليد»، وبالطبع فإننى لا أنكرها، بل وأقر بأهميتها القصوى فى مجتمعنا، ولكنى أتكلم عن حدود زائدة على الحد تصل إلى التحرك داخل المنزل وعدم خروج البنت من بيتها لأى سبب إلا مع أهلها، وهكذا فرض أهلى علىّ ذلك، وفى هذه الظروف أتممت المرحلة الثانوية بمجموع لا بأس به أهّلنى لدخول كلية نظرية عانيت فيها شقاء السفر والدراسة معا، فكنت لا أذهب إلى الجامعة إلا بمواعيد محددة حتى ولو كان هناك أمر ضرورى يقتضى الذهاب فى موعد مختلف، واعتمدت على نفسى وبعض الصديقات أكرمهن الله.

وقد بدأت حكايتى عندما أتممت المرحلة الثانوية، حيث جاءنى ابن عمى طالبا يدى للزواج، ولا يريدنى أن أكمل تعليمى، فكان جواب والدى بالرفض القاطع، إذ كنت صغيرة فى السن، ولم يتعد عمرى وقتها سبعة عشر عاما، ولا أدرى أى شىء عن الحياة إلا دراستى، ومع تربيتنا المغلقة لم يكن متاحا لنا التواصل ولو من باب المعرفة الشخصية، وبرغم الثناء على أخلاقه فإنه لم يكن مناسبا لى، لكنه لم يع ذلك، وأخذ يفتعل مشكلات هنا وهناك، ومع تدخل الكبار بعد عن طريقى، وكنت أدرك أن بعده لم يكن بلا مقابل، فزوجة عمى امرأة شريرة وصاحبة طباع غليظة، وقد قالت لأمى: «إذا تزوجت ابنتك فلك ما تريدين»، ولم أفهم معنى هذه العبارة وقتها، وكانت تلك الواقعة أسوأ ما مر بى فى حياتى، وبعدها حصرت همى فى نفسى، واهتممت بدراستى، ومساعدة والدتى فى أعمال المنزل، وبعد تخرجى التحقت ببرامج الدراسات العليا التى وجدتها سبيلا لخروجى من الواقع الذى أعيشه، ومع ذلك كله ترقبت أن أجد من يخرجنى من «الحلقة الضيقة» التى تكتم أنفاسى، وكأنها عنق الزجاجة.

لقد أنعم الله علىّ بشكل هادئ، ومن يرانى يشعر براحة تجاهى حتى الأصدقاء، ومع ذلك لم يطرق بابى شاب للزواج مع أن كثيرين من المعارف يرسلون لنا من يريدون الزواج، ولكن لم يأت أى منهم وتكرر هذا الوضع عشرات المرات، وكذلك فى بعض المناسبات هناك بعض الأمهات يتعرفن بى ويرحبن بى كثيرا إلا أنهن بعد اللقاء يختفين، ولا يرجعن إلى الحديث فى موضوع الزواج أبدا !

 إننى أعرف أنى مازلت فى مقتبل العمر، ولا أتوقف عند أنه فى المدينة النائية التى نقطن بها تتزوج البنت فى سن خمسة عشر عاما، إذ أدرك أن لكل شخص نصيبا.. ولست حزينة لأنى لم أتزوج إلى الآن، ولكنى أخشى ألا أتزوج أبدا، فزوج ابنة عمى رجل معروف عنه السحر وأعمال الشعوذة، وهناك من قالت أن زوجة عمك عملت لك سحرا لكى لا تتزوجى، ولم يكن هذا الكلام يؤثر فى فيما مضى، ولكن بعد مرور الوقت تذكرت عبارة زوجة عمى لأمى، ويقتلنى الخوف، حيث قيل لى أنى مسحورة، ولم تُجد كل الوسائل التى اتبعتها للخلاص من هذا السحر.. إننى كأى فتاة أحلم بالزواج، وأن أصبح أما.. إننى ضحية زوجة عمى بلا ذنب، وكان صنيعها نقطة تحول فى حياتى، وإننى مرعوبة خوفا من أن أصل لسن الأربعين دون زواج بسبب امرأه لا تخشى الله وحسبى الله ونعم الوكيل.. إن اليأس يهاجمنى، وأحاول أن أتغلب عليه، فماذا أفعل؟.

 

 > ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

فى الغالب ومع الإقرار بوجود السحر بشكل عام، فإننى أميل إلى أن ما تعتقدينه أوهام، وليس سحرا، فهناك من يتوهم إذا تعطل شيء من شئونه أشياء غير صحيحة، وإذا كنت قد شعرت بأن زوجة عمك فعلت شيئا أوجب لك ما يضرك، فعليك بالعلاج وهو موجود فى كلام الله، وكلام رسوله، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرقى بعض أصحابه، بل رقاه جبرائيل، فالرقى معروفة، فإذا ظنت المرأة أنها مسحورة، أو الرجل، فليستعن بما شرع الله من الدعاء، وسؤال الله العافية، ولا مانع أن يستعين ببعض أهل العلم، ومن أسباب الشفاء أيضا قراءة آيات السحر.

ودلّت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية على أنّ السحر قد يؤثّر على بعض الناس، إلّا أن ذلك لا يكون إلّا بإذن الله، حيث قال: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ»، فلا يقع أمرٍ إلّا بإذنه وقضائه وقدره، فهو من قدّر الأمور وقضاها بحكمته وكلّ ما فى الوجود بإذن الله، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وتجدر الإشارة إلى أنّ السحر قد يكون تخييلا وتزويرا ليس له أى أصل أو صحة، ولا يؤثر بأى صورة، فقد قال الله – سبحانه - فى قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون: (يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّها تَسعى)، فالسحرة جعلوا العصى تبدو وكأنها حية فظنّ الناس أنها تسعى، ولكن ذلك فى الحقيقة تزويرا وبهتانا، فما كتبه لكل إنسان لابد أن يأتيه، وما كان مكتوبا لغيره لا يمكن أن يصل إليه، حيث يقول الشاعر :

توكلت فى رزقى على الله خالقى

                                       وأيقنت أن الله لا شك رازقي

وما يكون من رزقى فليس يفوتنى

                                ولو كان فى قاع البحار العوامق

سيأتى به الله العظيم بفضله

                                 ولو لم يكن منى اللسان بناطق

ففى أى شىء تذهب النفس حسرة

                                    وقد قسم الرحمن رزق الخلائق

 

فكونى على يقين من أن الله سوف يرشدك إلى ما فيه الخير، فلا تقلقى من شىء، وسيأتيك نصيبك الذى قرره سبحانه وتعالى لك، فكل شىء بقدر، وانبذى الهواجس التى تسيطر عليك، وتحلّى بالصبر فإنه مفتاح الفرج، وأرجو من أهلك أن يتيحوا لك فرصة التعرف على من يرغب فى الزواج منك، إذ لم تعد الحياة كما يتصورونها، ولا سبيل إلى حياة زوجية ناجحة إلا بوجود التفاهم بين الزوجين، ونقطة البداية دائما تكون بالتوافق بينهما، والتقارب فى كل شىء.

وعليك انتظار الفرج، فأفضل العبادة، انتظار الفرج، لقوله تعالى: «أليس الصبح بقريب».. إن صبح المهمومين لاح، فانظرى إلى الصباح، وارتقبى الفتح من الفتاح.. لقد قيل: «إذا اشتد الحبل انقطع»، بمعنى أنه إذا تأزمت الأمور، انتظر فرجا ومخرجا، ويقول تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا»، وقال جل شأنه: «ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا».

ولا تحزنى من فعل الخلق معك، وانظرى إلى فعلهم مع الخالق، حيث يقول: «عجبا لك يا ابن آدم ! خلقتك وتعبد غيرى، ورزقتك وتشكر سواى، أتحبب إليك بالنعم وأنا غنى عنك، وتتبغض إلىّ بالمعاصى وأنت فقير إلىّ!، خيرى إليك نازل، وشرك إلىّ صاعد»!، وقد ذكروا فى سيرة عيسى عليه السلام أنه داوى ثلاثين مريضا، وأبرأ عميانا كثيرين، ثم انقلبوا ضده أعداء، فلا تلقى بالا لزوجة عمك، واستعينى بالصبر والصلاة، وسوف تزول عنك الغمة، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق