رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تقرير من قصر الإمارات!

كنت أود أن يكون هذا المقال تقريرا عن دولة الإمارات، أو عن إمارة أو حتى مدينة أبوظبي، فهذه وتلك يحدث ويجرى فيها ما يستحق التقرير، ولكن ما حدث فعليا كان السفر من القاهرة إلى أبو ظبي، ومن المطار إلى فندق قصر الإمارات حيث حضرت ملتقى أبوظبى الاستراتيجى السادس، ثم بعد يومين خرجت من الفندق إلى المطار إلى القاهرة. كان الملتقى حرفيا يعنى كما فى كل التجمعات له شعار (تنافس القوى القديم فى عصر جديد)، وله جلسات جرت على يومين أولهما عن العالم وما فيه، وثانيهما عن الشرق الأوسط وما جرى له.

ولكن اللقاء كان على مدى الساعة مع المصريين المشاركين، والعرب المهتمين، وكثرة من الأجانب من أصحاب الأسماء اللامعة التى اشتركت فى صناعة القرار فى مشارق الأرض ومغاربها. عبر سنوات وعقود من المشاركة فى مثل هذه المنتديات تتولد قبيلة من المشاركين فى الندوات والمؤتمرات وورش العمل واتصالات مستمرة أو متقطعة عبر الوسائل الإلكترونية المتعددة، وكثرة من اللقاءات الجانبية التى ينقل الهمس فيها مواقف سياسية. لم يقطع كل هذه الأحاديث الجادة إلا مشاهدة مباراة ليفربول ومانشستر سيتى التى جلبت سعادة غير مفهومة لأن ليفربول فاز، وأن محمد صلاح سجل هدفا.

جلسات اليوم الأول كانت طامحة لكى ترسم خريطة للنظام العالمى فى وقتنا هذا، ولكى تفعل ذلك كان لابد من رسم خريطة للقدرات العالمية: العسكرية، والجيو ـ مالية، والجيو ـ تقنية، والطاقة. تبارى الخبراء فى الحديث عن الإنفاق العسكري، وتفاصيل المخزون الاحتياطى والأنصبة من الاقتصاد العالمي، والتبشير بما هو قادم من تكنولوجيات جديدة، وحرص المنظمون على أن تكون هناك جلسة خاصة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، ولم تكن عن النفط، ولا المال، ولا الأبراج، ولا المشاركة العسكرية خارج البلاد، وإنما كانت عن السياسات الإماراتية فى العصر الجديد: قدرات الذكاء الصناعى وصناعة الفضاء.

كان رائدا إماراتيا قد عاد للتو من محطة الفضاء الدولية، وكان ملقى المحاضرة معالى عمر بن سلطان العلماء (الاسم هكذا وليس صفة)، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي. كانت الإمارات تضيف إلى ما حققته من قبل فى تكنولوجيا الطاقة الشمسية وتكنولوجيا الفضاء والعمران إضافة لابد أن تدخل إلى مجال قدرات الدولة الشاملة. كانت الجلسات كلها فيها الكثير من التفاصيل الخاصة بالقدرات، ولكن ما كان غائبا فقد كان الأغراض والأهداف والاستراتيجيات العليا التى من أجلها توجد عناصر القوة بأشكالها المختلفة. وكان ذلك ما أثرته فى الجلسة الأولي، ففى وقت من الأوقات كان هدف القوة التوسع أو حتى المجال الحيوى (فرنسا نابليون، وألمانيا القيصرية أو الهتلرية، الولايات المتحدة الأمريكية من الساحل الشرقى على الأطلنطى إلى الآخر الغربى على الباسفيك)، أو كان هدفها نشر الاشتراكية (الاتحاد السوفيتي) أو الليبرالية والرأسمالية (الولايات المتحدة). فى العالم المعاصر توجد قوى عظمى وكبرى ومتوسطة وصغري، ولكن السؤال الجوهرى هو: ما هو الهدف الذى يحدد استخدامات القوة المختلفة. الحقيقة أن واحدة من أهم محددات العصر هو أنه لا توجد أيديولوجية غالبة، فلا الصين تتحدث أبدا عن الشيوعية أو رأسمالية السوق الاجتماعي، وروسيا لا تتحدث عن أى شيء، وفى الأغلب فإنها تفعل الكثير مستخدمة القوة العسكرية من أجل العودة مرة أخرى إلى مائدة الدول العظمي، وهنا فإن القدرة على اتخاذ القرار العسكرى ربما يكون من أهم ملامح القوة الروسية وهى التى استبعدها ـ كلية ـ الخبير الاستراتيجى أنتونى كوردسمان نظرا لفقرها. الولايات المتحدة فى عهد ترامب انسحبت من الفكرة الليبرالية، ومع عهدها الحالى فإن أعداد الدول الليبرالية والديمقراطية فى العالم تراجعت إلى حد كبير. العالم ربما يكون فيه حاليا ثلاث قوى عظمى فقط هي: الولايات المتحدة والصين وروسيا, ولكنها ليست متصارعة وإن كانت متنافسة، فى تنافس يفتح الباب لمساحات غير قليلة من التعاون.

اليوم الثانى كان عن الشرق الأوسط، ولكن الكلمة المحورية فى عنوانه كان عن اللعبة الجديدة: القوى والتنافس على القوة: ما اللعبة؟ ومن اللاعبون؟. العنوان كما نرى جاء من كتاب لعبة الأمم ذات النفس المخابراتي، حيث منطقتنا خاضعة للعبة وحشية تكون فيها البداية أن توزع القوة فى الشرق الأوسط: القوة الخشنة والناعمة وقوة الذكاء الاصطناعي، وهذه توزيعها ليس فى مجمله لمصلحة العرب، بل هى لمصلحة الأطراف الإقليمية إيران وتركيا وإسرائيل التى تتحدى وتغزو وتصيغ القواعد. التفاصيل فى كل هذه الأمور كثيرة، ولكن ما جلب الاهتمام، وأثار حماسا من التعليقات، كان ما سمى لحظة الخليج, والسؤال: أين تقع مصر من ذلك كله؟ لحظة الخليج تعبير صكه صديقنا العزيز د.عبدالخالق عبدالله الأستاذ الجامعى بدولة الإمارات والذى طرحه فى ورقة لندوة فى عام 2009، ثم أصبح دراسة فى عام 2010 نشرت فى جامعة لندن ثم صدر كتاب فى 2017، وأخيرا صدرت طبعته العربية فى العام الماضى 2018. الأطروحة كانت أن دول الخليج العربية فى مجلس التعاون جاءت إلى لحظتها التاريخية بعد أن غابت مصر مع وفاة عبد الناصر، وبعد أن مضت فترة من الحيرة العربية بين 1970 و2000 حيث بزغ الخليج فى لحظة جديدة اكتمل فيها بناء الدول، وغلبت فيها مستويات التعليم والصحة الأرقام العالمية، وارتفعت فيها أسعار النفط حتى جاوز سعر البرميل مائة دولار، ومع المخزون من الغاز والنفط جاءت التكنولوجيات الحديثة، والفائض من المال، والقوة العسكرية. هذه الأخيرة وجدت اختبارها مع العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وأصبح للقرار ساعد وأسنان دخلت فى السياسات الإقليمية دفاعا عن أمن قومي، ومنعا لتوغلات دول من الإقليم.

الآن تبدو لحظة الخليج فى اختبار آخر جاء من انخفاض أسعار النفط، وأن استخدامات القوة العسكرية دخلت فى تعقيدات كبري، مما دعا إلى أن يطرح السؤال مرة أخري: أين مصر من المعادلة الإقليمية، وهل يمكن أن تكون رهان اللعبة الذى يكسب كل الأوراق؛ والإجابة هى نعم، ولكن ذلك يحتاج مقالا آخر!.


لمزيد من مقالات د.عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: