رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل الإعجاز العلمى يخدم الدين؟

خرج علينا طبيب قلب شهير بتصريح يؤكد فيه أن هناك دراسة تثبت أن تلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أفضل من العقاقير كعلاج لبعض الأمراض خاصة الاكتئاب، وقبلها ذكر أستاذ حالات حرجة شهير أنه أجرى دراسة أثبت فيها أن الاعتكاف يشفى الصداع، وأن صلاة الفجر وقاية من الذبحة الصدرية، وأن هناك كلمة فى آية تلخص مجلداً من ألف صفحة عن فسيولوجية المياه فى الجسم، ولم يسلم طب العيون هو الآخر من الدخول فى سباق الإعجازات فقد أتحفنا هذه المرة من أطلق على نفسه رائد الطب النبوى باختراع مايسمى بالقطرة القرآنية المصنوعة من العرق اقتباساً من قصة قميص يوسف، وقال إنه قد أجرى أبحاثاً توصل فيها إلى علاج المياه البيضاء بهذه القطرة القرآنية، والمدهش أن هذا الشخص خريج كلية زراعة ولاعلاقة له بالطب أصلاً، ناهيك عن تخصص طب العيون!.

هذه بعض نماذج من فيضان انفتح علينا فى السنوات الأخيرة تحت عنوان الإعجاز العلمي، البعض مارسه ونشره وروج له عن حسن نية، والبعض الآخر تبناه واعتنقه عن بيزنس وتجارة تدر الملايين، هم يظنون أنهم بهذا الطرح يخدمون الدين ويثبتون العقيدة ويكسبون ثواباً، فهل بالفعل هذا السلوك الإعجازي، وأطنان الأحبار المستخدمة فى كتابة مقالات عن الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة، تخدم الدين والنص المقدس بالفعل، أم على العكس تضر ولا تفيد؟، نبدأ أولاً بتأكيد أن من يرفض الإعجاز العلمى ليس شخصاً يدعو للكفر وليس مؤمنا، بل هو على العكس يريد أن يحافظ على قدسية الدين المطلق الثابت من نسبية العلم وتغيره، بدليل أن من أهم رواد نقد ورفض الإعجاز العلمى أسماء لايمكن أن يتطرق إلى إيمانها وتدينها الشك مثل الشيخ العظيم شلتوت، والكاتبة المرموقة بنت الشاطئ والتى لها كتب إسلامية هى بمثابة مراجع حتى لرجال الدين أنفسهم، وهى التى قد دخلت معركة شرسة على صفحات «الأهرام» ضد مصطفى محمود والذى كان يكتب حينها فى مجلة «صباح الخير» سلسلة التفسير العلمى للقرآن، إذن إثارة مثل هذا الموضوع ليست من باب تشكيك الناس فى إيمانهم، بل هى مناقشة علمية ومنطقية تماماً، فالإعجاز العلمى الذى بات يملأ صفحات الجرائد وقنوات التليفزيون وبوستات الفيسبوك جعل الدين علما بيولوجيا وفيزياء والكيمياء، وجعل العلم معمل تحضير أرواح ورقية شرعية ودفاعات وهمية عن تأثير بول الإبل وسحر الحجامة، هذا الخلط لايقود إلى أى إيمان، بل بالعكس يقود إلى نقيضه وهو الشك فيضرب مصداقية الدين نفسه فى مقتل، وأضرب مثالا بسيطا تابع حلقاته جيلنا الذى كان يسمع فى طفولته التفسير ويعلم مافى الأرحام على أنها إعجاز معرفة الذكر والأنثي، ذلك الإعجاز الذى كان يتحدى به خطيب الجامع جموع المصلين المقتنعين بأنه لايمكن أن يتوقع شخص على ظهر الأرض جنس الجنين لأنه سر إلهى محفوظ مستغلق على أفهام البشر، ثم دخلنا كلية الطب وكان السونار الذى تطور بشكل مذهل حتى صار يصور كل دقائق الجنين ومنها بالطبع مايحدد جنسه، وتخرجنا فوجدنا عينة السائل الأمنيوسى من الرحم والتى رفعت نسبة الدقة إلى مائة فى المائة، ولكى يخرج خطيب الجامع ومدرسته الفكرية من المطب قال لنا لم أكن أقصد الذكر والأنثى ولكنى كنت أقصد مستقبل الجنين!، هروب ذكى من المأزق وتبرير لطيف، لكنه للأسف ساذج و يطرح سؤالاً أكثر إرباكاً، وهو لماذا لم تقل ذلك حينها؟، ولماذا تأجل هذا التفسير حتى تقدم الغرب واخترع وحدد الجنس والنوع، فطرحت أنت ياشيخنا هذا التحدى الميتافيزيقى لتكسب جولة المصارعة التى اخترعتها أنت ولم يطلبها منك القرآن؟!، نحن الذين تبرعنا بإضفاء تلك الصفات على النص المقدس وهو لم يطلب منا ذلك، لم يقل لنا أنا كتاب بيولوجى أو فسيولوجى أو باثولوجي، ولكن إحساسنا بالدونية العلمية وعمق الفجوة الحضارية جعلنا نصرخ فى وجه العالم ، نحن لدينا كل شيء وأنتم مجرد لصوص لتراثنا الدينى المكتوب فيه كل العلوم، ياسادة القرآن كتاب هداية وإرشاد وليس مرجع فلك أو طب، أرجوكم نزهوه عن مهاتراتكم، ولاتجعلوا منه بضاعة فى بوتيكات إعجازاتكم وبازارات تجاراتكم ، حتى لاتتكرر مأساة الكتاب الشهير لرجل الدين المرجع الخليجى البارز والذى صدر فى السبعينيات عن إعجاز عدم دوران الأرض حول الشمس، والذى كفر فيه كل من يقول بأن الأرض تدور حول الشمس!، الدين لايحتاج تسويقاً بالإعجاز، ولكن الوطن يحتاج تفوقاً بالإنجاز.


لمزيد من مقالات خالد منتصر

رابط دائم: