رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

غادة وأسما وبقايا التطرف

غادة هى النائبة غادة عجمى التى باتت معروفة إعلاميا بـ نائبة الأزمات لما درجت عليه من الإعلان عما تجود به قريحتها من أفكار باعتبارها مشروعات قوانين تتقدم بها إلى البرلمان.

وعلى الرغم من أن البرلمان لم يتعامل جديا مع أى من الأفكار فإن هناك من يتعامل معها باعتبارها قوانين.

أما أسما فهى شابة اكتسبت شهرتها من شهرة والدها الفنان شريف منير والذى يستصحبها معه لتقديم برنامج تليفزيونى باسم انا وبنتي.

الاثنتان غادة وأسما ما كان لهما أن تكونا موضعا لأزمة لولا تعامل الاعلام مع ما جادت به قريحتيهما على انه شيء مهم يهدد الدولة المدنية فى حالة النائبة ويهدد رموز الدين فى حالة أسما، ولولا حالة التطرف الفكرى الكامن لدى كثيرين والذى يتحين اللحظة ليعبر عن نفسه.

ذلك أن النائبة غادة اعتادت على أن تطرح من الأفكار ما يثير لعاب الاعلام كون تلك الأفكار من شأنها إثارة الجدل غير الصحى وربما تخوفات من قبل العديد من قطاعات المجتمع. سبق للنائبة أن اقترحت مشروعا لتوقيع غرامة مالية على لبس النقاب فى محاولة للتعامل مع مخاطر النقاب فى المجال العام ثم تراجعت عنه.

مؤخرا طرحت أفكارها التى باتت تعرف بمشروع قانون الذوق العام، والذى خصصته لحماية الذوق العام محاولة تقنين أو وضع معايير معينة له! مشروع القانون يقر فى مادته الرابعة انه لا يجوز الظهور فى مكان عام بزى أو لباس غير محتشم، أو ارتداء لباس يحمل صورا أو أشكالا أو علامات أو عبارات تسيء للذوق العام.

المشكلة الأساسية فى ذلك طبعا هى التعبيرات المطاطة وغير المحددة مثل اللبس المحتشم والذوق العام، ومن يكون له الحق فى تحديد معايير اللبس المحتشم والذوق العام اللذين يتحددان أساسا فى ضوء أعراف وتقاليد المجتمع ودرجة تقدمه. ورغم أن ما جاءت به النائبة لا يعدو كونه أفكارا خاصة بها ولم تعرف طريقها للبرلمان والمؤكد أنها لن تجده، فإن الاعلام تعامل مع الموضوع باعتباره قانونا واستخدمه البعض للنيل من البرلمان، بينما أصبحت النائبة نجمة للإعلام، والمؤكد أيضا أنها ستتراجع عن الموضوع كما اعتادت.

على الجانب الآخر جاءت الانتفاضة ضد أسما شريف منير على خلفية ما كتبته وتم تصويره على انه هجوم أو محاولة للنيل من الشيخ محمد متولى الشعراوي. جريمة أسما أنها أعلنت عبر حسابها على الفيس بوك أنها تبحث عن شيخ تهتدى بآرائه ويكون موضع ثقة لها لأنها كما قالت: بقالى كتير معنديش ثقة فى أغلب الشيوخ...، (نفسى أسمع حد معتدل محترم معلوماته مش مغلوطة، لسه فى حد كده؟) .فأشار عليها أحد أصدقائها بالاستماع إلى الشيخ الشعراوى فردت عليه «طول عمرى كنت بسمعه.. ومكنتش فاهمة كل حاجة، لما كبرت شفت كام فيديو مصدقتش نفسى من كتر التطرف، كلام فعلاً ما عرفتش استوعبه». حفلة الجلد التى نصبت لأسما انعقدت بسبب كلمة التطرف وكأن أسما تصف الشيخ الشعراوى بأنه متطرف! هذه الحفلة أغفلت تماما أن أسما استمعت لبعض الفيديوهات رأت فيها تطرفا. ربما يكون من ضمن تلك الفيديوهات بعض ما قاله الشيخ الشعراوى عن المرأة مثل الفيديو الموجود على اليوتيوب والذى يقول فيه إن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لعلة حددها فى أمرين قائلا: لا تخرج المرأة خارج البيت إلا لأمرين.. ليس لديها عائل، أو تخرج للضرورة، والضرورة على قدرها، أو آرائه المتعلقة بفوائد البنوك وموقفه من الأقباط. وأيا كانت الفيديوهات التى دعت أسما لتقول ما قالت، فالمهم أن قولها لم يكن ينال من شخص الشيخ بقدر ما ينال بعضا مما قال. والاهم من ذلك أن أسما نفسها ليست الشخصية العامة المؤثرة التى يمكن أن يتم استخدامها فى حملة ممنهجة للنيل من الشيخ الشعراوى أو تشويهه، على النحو الذى انبرى بعض المشايخ والدعاة للتعويل عليه مبررا للهجوم عليها وتصوير الأمر وكأنه حملة ضد الدين!

نحن إذن أمام حالة للدفاع عن قيم المدنية وإساءة استخدام حق التشريع فى حالة النائبة غادة عجمي، وحالة مقابلة تماما هى مهاجمة إحدى قيم المدنية التى لا تعرف كهنوتا وتقر بحرية الرأى والتعبير فى حالة أسما شريف منير. النائبة غادة تعرف الشطط وربما التطرف فى طرح أفكارها وحصانتها البرلمانية تسمح لها بكل تأكيد بطرح أى أفكار، بل إن تلك الحصانة هى الحماية الأهم للنائبة من تطرف رد الفعل. ولكن تبقى المشكلة الحقيقية حين تتحول الحصانة إلى دافع للتطرف فى رد الفعل، ورد فعل النائبة على الزميل هانى لبيب الذى لم يفعل أكثر من كتابة مقال منتقدا ما طرحته النائبة خير شاهد على ذلك. فالتسريب الصوتى للنائبة الذى تعلق فيه على مقال لبيب يفوح بتطرف فى رد الفعل ومحاولة لاستغلال البعد الطائفى بشكل يسيء لدور النائب خاصة وللبرلمان عامة.

الأمر الذى لا مفر معه من الاعتراف بأن التطرف الفكرى أو على الأقل بقاياه ما زالت تمارس فعلها لدى من يفترض أن يكونوا حائط الصد ضد تلك البقايا. أما أسما شريف منير التى تخيلت أنها تتحدث مع أصدقائها فى غرفة مغلقة بما يبرر لها أن تقول ما يعن لها بينما الفيس بوك ليس كذلك على الإطلاق. والتى من المؤكد أيضا أنها استمعت وربما آمنت بأنه لا كهنوت فى الإسلام وأن الكل يؤخذ منه ويرد إلا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد وقعت ضحية لاستخدام لفظ التطرف بسبب بقايا التطرف الموجودة والفاعلة فى الواقعين الحقيقى والافتراضى خاصة حينما يتعلق الأمر بأحد رجال الدين.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت تزخر بموضوعات صحفية ترى تطرفا فى بعض موقف الشيخ دون أن تستدعى مثل الهجمة التى قوبلت بها أسما، الأمر الذى لا يمكن فهمه إلا بتصور أن ثمة لجانا إلكترونية تقف وراء الهجمة. فالشيخ الشعراوى رغم قامته يبقى فى النهاية بشرا يجوز للبشر أن يبدو آراءهم فيما قال أو على الأقل أن يبدو ارتياحهم أو عدم ارتياحهم لما قال بصرف النظر عن مدى علمهم وتخصصهم. ومع ذلك فقد اعتذرت أسما أو بالأحرى اضطرت للاعتذار، أما النائبة غادة فما زالت تجنى إعلاميا ثمار ما قالت، ليبقى باب التطرف بكل أشكاله مفتوحا لن تكون أسما ومن سبقوها آخر ضحاياه.


لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة

رابط دائم: