رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحبوا بلادهم حتى الموت.. والغربة!

سامى فريد

الأول: هريستو سميرننسكى.

أب والأدب البلغارى الحديث

مات عن 24 سنة بالسل فى أحقر حوارى بوخارست بعد إبداع دام أقل من 6 سنوات تمثل فى 300 قصة و500 قصيدة

والثاني: ايجناتس جان بادوفسكى

أول رئيس وزراء لبولندا

حارب النازى وطارده الجستابو فلجأ لأمريكا عازفا للبيانو فى نيويورك وفيها يكتب وصيته بعد 51 سنة

ليعود ويدفن فى وارسو

الثالث: عبدالله النديم

وزير إعلام العرابيين

حارب طغيان الإنجليز والخديو وظل مختفيا 9 سنوات بعد نفى عرابي حتى نفاه الإنجليز الى اسطنبول ليموت بالسل ويظل مدفونا 123 سنة فى مدفن يحيى أفندى فى باشكتاش ينتظر العودة إلى مصر.

............................



الثلاثة حاربوا الظلم والطغيان..

ثم كانت النهاية هى الوحدة والغربة.. والنسيان!

هريستوسمير ننسكى.. هل سمعتم هذا الاسم من قبل؟ لا أظن فهو يبدو غريبا حتى على كل مثقفينا..

هو أديب وفنان بلغارى يعتبرونه الآن هناك أبا الأدب البلغارى الحديث.. حياته غريبة.. ووفاته أغرب..

هو شاعر وقصاص من مواليد أخريات القرن قبل الماضى تحديداً فى 30 سبتمبر من عام 1898. بلغ إنتاجه الفنى نحو خمسمائة قصيدة وثلاثمائة قصة قصيرة خلال حياته كلها التى كانت أربعة وعشرين عاما وتسعة شهور. فاذا افترضنا أن إبداعه بدأ فى سن الثامنة عشرة مثلا أو العشرين فإنه بحسابنا هذا يكون قد قدم للأدب البلغارى والعالمى كل إنتاجه هذا فى زمن لا يتجاوز من 4 إلى 6 سنوات فقط!

ويحكى لنا تاريخ الأدب البلغارى الحديث عن سمير ننسكى الذى توفى فى يوم 18 يونيو سنة 1923 فيقول إنه كان فى تاريخ الأدب البلغارى كله مرحلة خاصة فهو فنان موهوب وشخصية رائعة وإنسان طيب القلب محب للخير وللبسطاء.. يؤمن بهم ويعتقد أنهم محور الحياة وأصحاب الحق الأول فى اهتمامنا ورعايتنا لأنهم عصب الحضارة.. وهم الطريق إلى المستقبل..

لم يكره سمير ننسكى فى حياته شيئا كراهته للظلم والظالمين.. هو باختصار رجل المبادئ الذى لم يتسع عمره لأكثر من أربعة وعشرين عاما وتسعة شهور فقط كرسها كلها للدفاع عن المظلومين ومحاربة جلاديهم بقلمه الذى سخره للسخرية منهم فى كل ما كتبه، سخرية لاذعة مرة موجعة لكنها خفيفة الظل ذكية وماكرة حيرت سلطات بلغاريا فلم تستطع مؤاخذته على حرف كتبه وإن ضيقت عليه الخناق فى معاشه فلم تترك مكانا إلا وحاربته فيه.. وظلت المبارزة بينه وبين سلطات بلغاريا على سياسة لعبة القط والفأر هذه بالضرب تحت الحزام والمطاردة حتى وافته المنية بمرض السل فى إحدى الحارات الحقيرة فى صوفيا بعدما فشل فى الحصول على عمل يعيش منه أو رزق يعالج به مرضه.

مات سمير ننسكى وحيدا ومهجورا حتى من هؤلاء البسطاء الذين كرس حياته القصيرة من أجلهم.

لكن سمير ننسكى لم يكن سيىء الحظ بشكل مطلق فقد ذكره الأدب البلغارى أخيرا ولا يزال يذكره بين الحين والآخر بدراسة أو مقال ينشرون معه صورته الحزينة بعينيه الواسعتين الممتلئتين حباً لكل الناس الحالمين بغد أفضل لبلدهم بلغاريا..

عن أدب سمير ننسكى تقول إحدى الدراسات النقدية البلغارية الحديثة إنه كان صدى للحياة فى بلغاريا بسبب تنوع موضوعاته واتساع مساحة الحياة فيها بشكل يغطى نبض الشارع البلغارى فى الريف والمدينة، إن الأدب الذى عاش هريستو سمير ننسكى عمره القصير مؤمنا به وبشعبه وصفاء روحه وإنسانيته وكفاحه لصنع غد آخر كان يحلم معه بمستقبل تتغير فيه صورة الحياة فى بلغاريا على أسس أخلاقية واجتماعية جديدة، فالمجتمع الذى عاش فيه سمير ننسكى كان متخما بالتناقضات ومجتمع التناقضات هذا لابد وأن يكون أرضا للصراع، وقد صور سمير ننسكى هذا الصراع موضوعيا وعاطفيا فى كل أعماله التى امتلأت بصور هذا الصراع المستمر بين الحقيقة والوهم والصدق والزيف...

...........................

تذكرت سمير ننسكى عندما جاءنا خبر وصول جثمان إيجناتس جان بادوفسكى إلى بلاده التى أحبها وحارب دفاعا عنها والتى تمنى أن يدفن فيها بعد وفاته، وقد تحققت أمنيته ولكن بعد 51 عاماً من رحيله..

من هو باودفسكى هذا؟

هو أول رئيس لوزراء بولندا عام 1919 وهو نفسه أحد رموز الكفاح المسلح ضد النازى عندما اجتاحوا بلاده. وهو أيضا عازف البيانو المتنقل فى مدينة نيويورك منذ طاردته قوات النازى وفرق الجستابو لاصطياده لكنه يهرب منهم حتى سنحت له الفرصة للهرب إلى الولايات المتحدة التى لجأ إليها وعاش فيها عازفا للبيانو فى ملاهى نيويورك، وكانت وصيته عام 1941 قبل وفاته هى أن يدفن فى أرض وطنه بولندا بعد أن تحرر من الاحتلال الألمانى، لكن وصيته هذه لم تتحقق إلا فى شهر يونيو من عام 1992 عندما نقلوا رفاته من مدافن ارلنجتون فى واشنطن لتطير عائدة إلى أرضها ووطنها.

وكان موكباً مهيبا خرج له الشعب البولندى فى وارسو ومن سائر أنحاء بولندا للاشتراك فى تشييع جنازة أحد أبطال المقاومة الذين حاربوا من أجل حرية واستقلال بلادهم..

وعند القلعة الملكية القديمة وقف الرئيس ليش فاليسا يقول كلمة قصيرة جاء فيها: إن بادوڤسكى أيها الرفاق يمثل لنا جميعا قيمة أخلاقية ووطنية كبرى يجب أن نتمسك بها جيدا فى عالم مثل هذا الذى نعيشه..

هكذا كان ما يمثله بادوفسكى لشعب بلده بولندا فماذا يا ترى يمثل لنا مناضل آخر من طراز آخر اسمه عبدالله مصباح النديم كانوا يطلقون عليه لقب «وزير إعلام الثورة العرابية»؟..

ظل النديم الأديب الشاعر رئيس تحرير أهم صحف الإصلاح فى تاريخ مصر وهى التنكيت والتبكيت واللطائف والأستاذ، ينتقل داخل قرى وبنادر مصر 9 سنوات كاملة بعد هزيمة عرابى ونفيه حتى اعتقلته السلطة الإنجليزية فأبعدته إلى استانبول التى عاش فيها غريبا حتى وفاته عام 1896 فى منفاه فى مدينة صغيرة اسمها باشكتاش فى قبر مواطن تركى اسمه يحيى افندى.

كان النديم بارعا فى التخفى وبفضل براعته هذه استطاع الهروب 9 سنوات كاملة رغم رصد المكافآت الكبيرة للإرشاد عنه أو القبض عليه لكن وطنية المصريين احتضنته فى كل قرية ومدينة لجأ إليها حتى تعرف عليه مأمور أحد مراكز طنطا فأشار إليه ليختفى عن أعين جنوده المصاحبين له، وأشار له إلى الطريق الذى يخرجه من هذا الكمين وزاد على ذلك أن أعطاه كل ما كان فى جيبه من مال ليستعين به على مواصلة الاختفاء وكان كل المبلغ ثلاثة جنيهات ثم كانت النهاية على يد شرطى سرى بالمعاش رأى النديم الذى كان عمدة البلد يخفيه فى دار له ونصحه ألا يخرج منه لكن النديم عاشق الحرية يخرج ليلتقى بالفلاحين أبناء الوطن الذى أحبه ودافع عنه فيجلس معهم فى الحقول يحدثهم عن مصر وعرابى وطغيان الخديو والإنجليز.

رآه الشرطى وسمع منه كلاما غريبا عليه وعلى الفلاحين فقام بالإبلاغ عنه ليقبض المكافأة التى لم يتسع عمره ليقبضها إذ عندما تقرر صرفها له كان الموت قد سبق إليه..

واليوم تمر 123 سنة ومازال النديم الذى أذل الاحتلال الإنجليزى والأسرة الخديوية هناك فى تركيا غريبا بعيدا عن وطنه ولم يفكر مخلوق فى استعادته إلى وطنه وكأنه حتى فى الموت هناك حظوظ، فواحد يعود إلى أرضه ليدفن فيها بعد 51 سنة والثانى ينتظر إلى الآن قرار الإفراج عن رماد جسده ليعود إلى وطنه وأهله.. لكن متى؟!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق