أحدثت صحف فرنسية عدة قبل أيام تغييراً كبيراً فى تقليد بدأته مجلة تايم الأمريكية عام 1927، وهو اختيار ما تُطلق عليه شخصية العام، أى رجل أو امرأة، أو مجموعة أشخاص يُعتقد أنهم كان لهم الأثر الأكبر فى أحداث العام، سواء إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.
ويشمل هذا التغيير بُعدين أساسيين: أولهما زمنى يتعلق بالوقت الذى يُعلن فيه اختيار شخصية العام. فقد اختارت الصحف الفرنسية يوم افتتاح معرض كبير لأعمال الفنان المبدع ليوناردو دافنشى (24 أكتوبر الماضى) لإعلانه شخصية العام، أى قبل نحو شهرين على الوقت الذى اعتادت تايم أن تختار هذه الشخصية فيه.
أما البُعد الثانى فهو موضوعى يرتبط بخلفية شخصية العام، إذ اختير فنان عظيم راحل، وليس سياسياً أو اقتصادياً أو عالماً بخلاف ما درجت عليه تايم, إذ لم يفكر محللوها فى الفن، أو غيره من مجالات الإبداع الثقافى والفكرى، حتى عندما لم يجدوا فى دوائر اهتمامهم التقليدية من يمنحونه اللقب فى بعض الأعوام، فاضطروا إلى تكرار أسماء أشخاص سبق اختيارهم.
ويلقى هذا الاحتفاء الفرنسى بالفنان دافنشى تقديراً واسعاً فى كثير من الأوساط الثقافية فى العالم، أياً كان أسبابه، وبغض النظر عن الدوافع التى أدت إلى تنظيم معرض كبير لأعماله فى متحف اللوفر. والمفترض أن يثير اعتراض بعض الأوساط الإيطالية على المبادرة الفرنسية، فى المقابل، استياء محبى الفنون فى العالم، ليس لأن نحو ثلث لوحات دافنشى محفوظة فى اللوفر فقط، أو لأنه توفى فى أمبواز الفرنسية فحسب، بل لأنه فنان عالمى لا يقف إبداعه عند حدود جغرافية. والأهم من هذا أن أعماله عبرت عن، وساهمت فى، التحول الذى بدأ بين القرنين الـ15 و16 باتجاه تحرير العقل وتحطيم القيود التى كبلته طويلاً، إذ نجد فى بعضها ما يدل على التغير الذى كان يحدث فى نظرة الإنسان إلى نفسه وحياته ومجتمعه، وفى تجاوز المظهر الخارجى للأشياء والنفاذ إلى داخلها.
وليست لوحة الموناليزا المشهورة, والمحفوظة فى الطابق الثانى بمتحف اللوفر، إلا أحد هذه الأعمال التى تدفع إلى التفكير فى مغزاها كلما شاهدتها.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: