فى أمسية جميلة من ليالى القاهرة، وفى واحد من أرقى مطاعم حى مصر الجديدة، دعوت السيد ليون بانيتا، Leon Panetta، وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق (CIA)، فى عهد الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، ورئيس هيئة البيت الأبيض الأسبق، فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون.
وفى تلك الليلة، قص على السيد بانيتا، قصة القضاء على بن لادن، التى تمت فور توليه رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية، إذ استدعاه الرئيس أوباما، الذى كان قد بدأ لتوه فترة ولايته الاولي، فى 2009، ليبلغه بحصوله على موافقة الكونجرس الأمريكي، بتخصيص موازنة إضافية لوكالة الاستخبارات المركزية، لتكريس كل جهودها، ومواردها، فى العثور على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، حينها، حياً أو ميتاً.
يحكى الوزير الأمريكى بانيتا، أنه بدأ فى تنفيذ تلك المهمة، بنقل عدد من القوات الأمريكية من العراق، إلى أفغانستان، لمتابعة بن لادن، كما ركز جهوده، منذ اليوم الأول، فى جمع أكبر عدد من أطراف الخيوط، التى تعينه فى إلقاء القبض عليه، فاتجهت الآراء، إلى ضرورة العثور، أولاً، على الرسل المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة، فى مختلف أنحاء تمركزهم، وبالفعل، توصل فريق العمل، بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين، سابق، بمعتقل جوانتانامو، يقال له الكويتي، وأكد ما جمعوه من معلومات، وأبحاث، إلى أنه أحد المراسلين، المهمين.
تواترت المعلومات، والبيانات، بعدها، مؤكدة وجود بن لادن فى منزل منعزل، ويروى بانيتا أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد كثفت تدريباتها، وواصلتها لفترات طويلة، دون معرفة طبيعة المهمة، وهدفها إلقاء القبض على جيرونيمو، أو أسامة بن لادن... وهو الاسم الكودى الذى أطلق عليه فى هذه العملية.
تم تنفيذ العملية باستخدام 2 طائرة شينوك، على متنها 56 جنديا أمريكيا، بالإضافة إلى طائرتى بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام... استغرقت الرحلة 90 دقيقة، من إحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى أفغانستان، حلقت على ارتفاع منخفض للغاية، كان الطيارون قد تدربوا عليه لفترات طويلة، لتفادى التقاط إشاراتهم بالموجات الرادارية، التى نسجها تنظيم القاعدة، الإرهابي، حول زعيمهم، لحمايته.
وباستخدام كل القوات، بدأ اقتحام المبنى، وفقاً للتدريبات السابقة، بعدما أكدوا للقيادة المركزية أن جيرونيمو موجود، وأردوه قتيلاً، برصاصة فى الرأس، فى مايو من عام 2011، وتم التأكد من شخصيته، بعد تحليل الحامض النووي، قبل إلقاء جثته فى البحر، كى لا تصبح مزاراً لأعضاء الحركات المتطرفة، مستقبلاً.
وتشاء الأقدار أنه بعد عدة سنوات، تتكرر نفس القصة فى الولايات المتحدة، بعدما قرر الرئيس دونالد ترامب، القضاء على زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي، حيث قامت وكالة الاستخبارات المركزية، (CIA)، بالتعاون مع الاستخبارات العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية، الأكراد، بتحديد مقر البغدادي، فى قرية باريشا، فى إدلب، شمال غرب سوريا.
ففى السبت الماضي، الموافق 26 أكتوبر 2019، انطلقت ثمانى مروحيات أمريكية، على متنها نحو سبعين فردا، من عناصر القوات الخاصة الأمريكية، المعروفة باسم «دلتا» قاموا باستهداف أبو بكر البغدادي، وأولاده الاثنين، و8 أشخاص آخرين من معاونيه، فى عملية استغرقت ساعة و30 دقيقة، حاولت خلالها القوات الأمريكية اعتقاله، إلا أن البغدادى فجر نفسه بحزام ناسف، بعد فشله فى الهرب، من خلال نفق مغلق. وللتأكد من شخصيته، فقد تم، مرة أخرى، تحليل الحمض النووي، الذى أكد أنه أبو بكر البغدادي، وفى تكرار لأحداث الماضى القريب، فقد قامت القوات الأمريكية بإلقاء جثمانه فى البحر، كى لا يتحول قبره إلى مزار لأتباعه من المتطرفين.
يرى عدد من المحللين الاستراتيجيين، أن القرار الذى اتخذه الرئيس ترامب، فى الأسبوع الماضي، بسحب القوات الأمريكية، من شمال سوريا، وفر الغطاء اللازم للتشويش على خطة القضاء على زعيم تنظيم داعش، والتى كانت تتم بدقة، فسارع البنتاجون بتنفيذ العملية، قبل تحرك الهدف، حيث كان انسحاب القوات الأمريكية، قبل التنفيذ، يعنى صعوبة تسيير طائرات الاستطلاع، وفقد القدرة على التواصل مع المخبرين فى الميدان. وكان التخطيط لهذه العملية قد بدأ منذ الصيف الماضي، عندما تلقت وكالة الاستخبارات المركزية معلومات عن وجود البغدادي، فى منطقة نائية، بشمال غرب سوريا، بعد القاء القبض على عراقى وزوجته، تأكدت صلتهما بالبغدادي، إضافة إلى صهره محمد على ساجت، الذى أسهم فى توفير الكثير من هذه المعلومات.
لا شك أن ترامب قد حقق نصراً كبيراً، بالقضاء على البغدادي، خاصة بعد تعرضه لانتقادات عنيفة، داخلياً، وخارجياً، على أثر إعلان سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وهو ما بدا وكأنه تخلى الولايات المتحدة عن أكراد سوريا، الذين ساندوها فى القضاء على داعش. بعد نجاح هذه العملية، ظهر الرئيس ترامب، بنفسه، ليعلن للعالم القضاء على أخطر شخصية إرهابية، فى العصر الحديث، كما أن نجاح هذه العملية يمكن ترامب من المضى قُدماً فى سحب القوات الأمريكية من المنطقة، وهو الوعد الذى قطعه على نفسه للناخب الأمريكي، بعودة كل أبناء أمريكا إلى الوطن الأم، وهو ما يعنى استمرار شعبيته، رغم محاولات الديمقراطيين النيل منها. والسؤال الذى يطرح نفسه، هل نجاح هذه العملية يعنى نهاية تنظيم داعش؟ يرى عدد من الخبراء، أن تنظيم داعش، هو نظام عنكبوتي، متشعب داخل مناطق عديدة، فى العالم العربي، والشرق الأوسط، وربما يكون قد فقد الرأس المدبر، حالياً، إلا أن عناصره وقياداته، مازالت موجودة، ومن المتوقع أن يتم تسمية خليفة البغدادي، لقيادة هذا التنظيم، فى القريب العاجل. ويرى البعض الآخر، أنه وإن تم اختيار خليفة له، فلن يكون له نفس القوة الفاعلة، وأن هذه العملية تمثل نهاية تنظيم داعش، مثلما حدث مع تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن. وحتى الوصول إلى الإجابة الفعلية عن ذلك السؤال، سيسود الموقف حالة من الترقب، فى مختلف دول العالم، خشية قيام الضباع المنفردة من داعش، بالانتقام لمقتل زعيمهم، بتوجيه ضربات إرهابية لدول أوروبا، أو باستهداف الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.
لمزيد من مقالات د. سمير فرج رابط دائم: