رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تعبير عن عاطفة أم لحظة ضعف؟

هذا الحوار الذى دار أخيرا حول العقاد لم يفاجئنى ولا أظن أنه فاجأ أحدا من الذين يعرفون العقاد الذى رحل عن دنيانا قبل خمسة وخمسين عاما ولا يزال حاضرا بمؤلفاته فى الشعر والرواية والنقد والتاريخ والفلسفة والسياسة والدين، وبمعاركه التى خاضها مع الحكام والساسة ومع الكتاب والشعراء.

وقد بدأ هذا الحوار بمقالة كتبها الشاعر السماح عبد الله بعنوان «العقاد الذى لا نعرفه» ونشرها فى ملحق «الأهرام» الصادر فى الرابع من هذا الشهر وتحدث فيها عما وجده سلبيا فى مواقف العقاد خاصة فى السياسة فانبرى للرد عليه عدد من تلاميذ العقاد فى «الأهرام» ، كما شارك الدكتور مصطفى الفقى فى هذا الحوار بمقالة نشرت فى صحيفة «المصرى اليوم».

والسماح عبد الله يستعرض فى مقالته ما يراه سلبيا فى سلوك العقاد ومواقفه فيقول انه كان يطمع فى الحصول على الباشوية أو البكوية، ولهذا مدح الملك فاروق شعرا ونثرا. ويقول ان العقاد وهو عضو فى حزب الوفد خرج على مصطفى النحاس زعيم الحزب بغير حق ورفض الالتزام بما قرره فى التعامل مع وزارة توفيق نسيم، وهذا ما سنوضحه فى فقرة تالية، ويقول إن العقاد الذى كان يمدح الملك فاروق قبل حركة يوليو أصبح يشتمه بعدها.. وكما أصبح يشتم الملك أصبح يشتم ضباط يوليو لكن فى جلساته مع تلاميذه ومريديه، والعقاد يقاوم حركات التجديد ويحارب الشعراء الشباب الذين تحرروا من الطريقة الموروثة فى وزن الشعر واتبعوا طريقة جديدة رفضها العقاد فى لجنة الشعر التى كان مقررا لها فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب واعتبرها خروجا على الأساس الذى يقوم عليه هذا الفن.

وهنا ذكر السماح عبد الله اسمى فى مقالته واستشهد بأبيات من القصيدة التى قلتها فى هجاء العقاد لأنه اعترض على مشاركتى أنا وصلاح عبد الصبور فى مهرجان الشعر الذى كان يعقد فى دمشق فى أيام الوحدة وهدد بالاستقالة من المجلس الذى كان ينظم المهرجان لو ألقينا قصائدنا فيه.

والذين يقرأون للسماح عبد الله ما يكتبه فى «الأهرام» يشهدون له بالقدرة على كشف الصفحات المجهولة فى حياة الذين يتحدث عنهم أو يؤرخ لهم، لكنه لا يحب أن يكون مجرد باحث محايد، وإنما يتدخل فيقدم ما يقدمه مصحوبا أو متبوعا بتعليقاته السلبية والإيجابية. وهكذا تحدث عن العقاد فذكر له ما ذكر من مواقفه المشهورة لكنه فسرها بصورة اتهمه فيها بالنفاق.

والعقاد ليس منزها ولا معصوما، وإنما هو كغيره من البشر يتعرض للضعف وقد يقع فى الخطأ. لكننا مع هذا لا نستطيع أن نسلم بأنه كان منافقا وإنما علينا أن نناقش هذه التهمة القاسية فى ضوء ما نعرفه عن الرجل وعن المعارك التى خاضها والظروف التى عاش فيها.

لقد كان العقاد شاعرا موهوبا وكاتبا مفكرا ورجلا صريحا معتدا بنفسه شجاعا فى التعبير عن رأيه مهما تكن قوة خصومه كما فعل وهو يهدد الملك فؤاد بأن البرلمان سيسحق رأسه إذا اعتدى على الدستور.

وكما فعل حين أبى أن يلتزم بموقف النحاس المهادن من وزارة توفيق نسيم التى وعدت باعادة العمل بدستور 1923 الذى أوقف العمل به اسماعيل صدقى وأحل محله دستورا آخر يمكن الملك من العدوان على حقوق البرلمان. لكن المصريين وفى مقدمتهم زعماء الوفد تمسكوا بالدستور الأول وثاروا ضد حكومة اسماعيل صدقى وأسقطوها لتحل محلها حكومة توفيق نسيم التى وعدت بالاستجابة لمطالب الشعب فرأى النحاس أن يهادنها حتى تفى بما وعدت به، بينما ظل العقاد يهاجمها كما كان يهاجم حكومة اسماعيل صدقى وأعلن أنه لن يكف إلا إذا عاد الدستور بالفعل.

قال له النحاس فى اجتماع دعاه إليه وحضره عدد من رجال الوفد: أنت عضو فى الحزب وأنا زعيمه فعليك أن تلتزم بما نقرره. وقد رد عليه العقاد قائلا: أنت زعيم الحزب لأن هؤلاء انتخبوك، أما أنا فكاتب الشرق بالحق الإلهي!

ونحن ننظر فى هذا الحوار المثير فنجد أن النحاس كان على حق، ونجد أيضا أن العقاد كان على حق.

النحاس زعيم سياسى يقود حزبا له أهدافه وبرامجه وله أنصاره وخصومه. وهو يسعى لكسب الجماهير والوصول للسلطة ويقيس المواقف والخطوات بمقاييس عملية يحسب فيها الربح والخسارة. يرى أن الوقت مناسب للهجوم فيهاجم، فإذا ظهر شئ يفرض عليه أن يتوقف توقف. أما العقاد فكاتب مثقف يلتزم المبدأ ويتبع الحق مهما كان الثمن. فى دفاعه عن الدستور كان مضطرا لمواجهة الملك فواجهه وصاح صيحته المدوية التى سجن بسببها تسعة أشهر. وفى دفاعه عن الدستور أيضا كان مضطرا لمواجهة النحاس لأن الدفاع عن الدستور حق فى كل ظرف. وهو لا يستطيع أن يدافع عنه فى وقت وأن يتوقف فى وقت آخر، وبهذا واجه النحاس وقال كلمته التى خسر بها مكانه فى الحزب وخرج وحيدا لا يدرى كيف يكون المستقبل.

هل يكون هذا الرجل الذى وقف هذه المواقف المشهودة منافقا؟

الجواب هنا: لا !

لكن العقاد الذى شتم الملك فؤاد مدح الملك فاروق فكيف نسميه فى هذا الموقف؟

هنا أجد نفسى مترددا لا أطمئن إلى جواب: لأنى أتأمل شخصية العقاد وأنظر فى سلوكه فأرى أنه كان مترفعا يحترم نفسه وينأى بها عن مواطن الزلل، لكنى أقرأ ما قاله فى الملك فاروق فلا أستطيع الحكم عليه لأنى لا أعرف دوافعه ولا أعرف الظروف والملابسات التى نظم فيها ما نظم وكتب ما كتب فى مديح الملك.

أعرف أن الملك فؤاد رحل عام 1936 وأن فاروق حل محل أبيه وهو فى السادسة عشرة من عمره لم يصل بعد إلى سن الرشد، وأن المصريين كانوا يعطفون عليه فى تلك السنوات وكانوا ينظرون إليه كأنه واحد منهم، فهل يكون مديح العقاد له تعبيرا عن هذه العاطفة؟ أم أنها لحظة ضعف مر بها العقاد كما يمكن أن يمر بمثلها كل انسان؟!


لمزيد من مقالات بقلم أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: