نسبة لا بأس بها من الأمريكيين تعتبر كندا، أمريكا كما ينبغى أن تكون. بلدا هادئا، متسامحاً، منفتحا، تقدميا، يفتح ذراعيه للأجانب، لا يتصور نفسه شرطى العالم وزعيمه.
هم أيضا يعتبرون أن رئيس الوزراء جاستن ترودو النقيض الكامل لرئيسهم ترامب، فهو شاب «47 عاما»، بسيط، متحرر، ولذلك لم يكن غريبا أن يحذر أمريكيون من مغادرة بلادهم والعيش بكندا لو فاز ترامب بالرئاسة «2016».
حمل الكنديون ترودو للسلطة 2015، مقتنعين بأنه نموذج للسياسى الليبرالى صاحب المبادىء الإنسانية والحضارية بعالم يتصارع فيه زعماء على التطرف ودغدغة المشاعر بأفكار شعبوية تمقت الآخر المختلف عرقا ودينا ولونا.
وبالفعل بدأ حكمه بتنفيذ أجندة سياسية واجتماعية واقتصادية حققت نتائج إيجابية وزادت شعبيته، ويكفى أن البطالة وصلت لأدنى مستوياتها منذ عقود، وحيوية الاقتصاد مازالت واضحة للعيان.. لكن حدث شرخ معنوى بانطباع الناس عنه، جعلهم يتشككون فى أنه ربما كان زعيما مصطنعا لا يختلف عن الآخرين، وأن المباديء والقيم التى يعلن تمسكه بها، مجرد كلام سقط بالاختبار.
بدأ التشكك عندما تسربت معلومات قبل شهور بأن مسئولى مكتبه ضغطوا على وزيرة العدل لمنع اتهام شركة يقال إن لديها ارتباطات مالية بالمحيطين به بتهم جنائية، كما أن الأغلبية البرلمانية لحزبه أسقطت اقتراحا بالتحقيق بالقضية. وصورت المعارضة الأمر على أنه فساد يتسترعليه ترودو شخصيا.
ثم جاء تسريب صور قديمة له، واضعا مساحيق باللون الاسود ومرتديا زى شخصية علاء الدين الأسطورية، ليكشف مدى نفاقه، وهو الذى يتحدث دائما عن حربه ضد التمييز وعدم التسامح. ورغم اعتذاره بالحالتين إلا أن صورته أصابتها الشروخ.
غدا الاثنين يواجه ترودو انتخابات برلمانية كان مفترضا فوزه الكاسح بها، لكن الاستطلاعات تشير لمنافسة شديدة مع المحافظين. وحتى لو فاز فسيكون وضعه هشا، فالبرلمان الجديد لن يتمتع فيه حزب على الأرجح بالأغلبية.
فى كل الأحوال ترود 2015، أصبح من التاريخ، وسيكون شخصا آخر سواء فاز أو تحول للمعارضة، سيحاول أن يزيل التجاعيد المعنوية التى انتشرت على وجهه، فهل يصلح العطار ما أفسدته السياسة؟.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: