رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القاتل يغزو سوريا.. إنه التوحش

ليلة لا أستطيع وصف آلامها. عندما قام أردوغان بغزو سوريا. واحتلال شمالها. هو معتدٍ على جيرانه. لكنه فى الداخل دكتاتور وطاغية يقف ضد وطنه. وعندما نتابع الحراك الاجتماعى. سنكتشف أهوالا. لكن قد يقول قائل إنها أمور داخلية.

ومن يتصدى لها أدباء تركيا الذين نعرفهم ونقرأ لهم. الروائية: إليف شافاك. كتبت ثلاثة مقالات فى الصحف البريطانية ضد تجاوزات أردوغان، تجاه شعبه. وكانت أكثر شجاعة من الروائى التركى: أورهان باموق، الحاصل على نوبل. الذى يعيش بتركيا. وكأنها ليست بلده. وما يجرى فيها لا يهمه. أما إليف شافاك، فتعيش ما بين اسطنبول ولندن ونيويورك. عبرت للناحية الأخرى. وأعتقد أنه لا بد أن يتبعها كُتَّاب آخرون. وهكذا يتكون موقف للنخبة التركية ضد الطاغية الذى يغتصب حكم بلاده.

حلمت أن أبدأ بالكتابة عن سوريا. وما أدراك ما سوريا. سواء ذهبت إليها مرة أو مرتين أو أكثر. مثلما فعلت أو قرأت عنها على البعد. وأدركت أنها بلاد لا حد لجمالها. وعندما قمت بجولتى التى تعودت القيام بها فى مكتبات وسط القاهرة. وجدت كتباً مهمة. مطبوعة فى سوريا. ذهلت أن سوريا التى تتعرض لعدوان سافر يقوم به أكثر من عدو. فيها دور نشر تطبع الكتب. كتبت فى 23/8 الماضى، مقالاً عن يوميات ديستوفيسكى، المترجمة فى سوريا. ولا بد أن تصيبك الدهشة وعدم التصديق. عندما تعرف أن هذا الشعب الذى تعرض لما لم يتعرض له شعب آخر. استمر فى رسالته الثقافية. وهو أمر قد لا تقوم به كثير من الشعوب المستقرة.

سوريا بها ما يكفيها. ولم يكن ينقصها سوى هذا الذى ذكَّرنى بما فعله أسلافه بنا. وهل ننسى أن سليم شاه بن عثمان دخل القاهرة 1517، غازياً. واحتل كل الأقطار العربية التى مر بها. واستمر فى نهبه مصر وأخذها للعصور الوسطى. حتى 1917، أى بعد أربعمائة سنة. كنا نحتاج لمعجزة حتى نخرج من النفق المظلم الذى أدخلنا إليه المحتل العثمانى، تبدلت المسميات وأصبحنا نواجه الآن محتلاً تركياً.

ليلة ولا كل الليالى. تابعت فيها عالمنا الذى نعيش فيه. وكيف تعامل مع دولة تعتدى على دولة؟ ورئيس يتصرف كما لو كان قاطع طريق. نبت الوصف فى ذهنى وأنا أشاهد جلسة لما يمكن أن يسمى الحزب التركى الحاكم. والمجموعة التى ذهبت لتستمع لخطبة ألقاها هذا الأردوغان. وكلما ذكر الأهوال التى يمارسها أو هاجم الرؤساء الذين يحيطون به. كانوا يصفقون بحرارة. وكأنهم يطلبون منه المزيد.

ووصل التصفيق إلى ذروته عندما تعهد القاتل للغرب. بأن الدواعش المحبوسة فى سجون سوريا لن تخرج من السجون. وأنه مسئول أمام الغرب عن التحفظ عليهم. وكأن راحة بال الغرب واستقراره أهم عنده من محاولة إبادة شعب واحتلال أرض وإضافة هموم إلى أحزان متراكمة فى بلد شقيق منذ سنوات.

تابعت وليتنى ما تابعت. لأن تصورى السابق عن العالم الذى نعيش فيه. ربما كان أفضل مما فوجئت به فى تلك الليلة. شعرت مما قاله فلاديمير بوتين، رئيس روسيا. بدأت به لأننى أتصور أنه الحليف الأول وربما الأخير لسوريا. لا تسأل نفسك مع من يتحالف فى سوريا؟ ولا نتيجة التحالف. ولا لعبة المصالح الكامنة وراء التصرفات. لكنه يتحالف والسلام. تكلم بوتين. وبعده أتحفنا دونالد ترامب، بما قاله. وعندما تتوقف أمام ما سمعته منهما. لا بد أن تستنتج أن ما قام به المحتل التركى. تم بعد الاتفاق معهما. وإحاطتهما علماً. لأن أيا منهما لم يقترب من الجوهر. ألا وهو احتلال دولة أراضى دولة أخرى. وهو ما تقف ضده المواثيق الدولية والسيادة على الأراضى. طبعاً لن أتكلم عن حسن الجوار. ولا إنسانية البشر. وفى مجلس الأمن استخدم ترامب وبوتين حق النقض لعدم إدانة ما يقوم به أردوغان.

لو شاهدت والليل يقترب من لحظة انتصافه آلاف المهجرين من السوريين، الذين تركوا قراهم. يبحثون عن ملاذات آمنة ولا يجدونها. فهم كالهارب من النار إلى النار. ومن الجحيم إلى الجحيم. ولا أحد يتوقف أمام ما يجرى لهم. فالرئيس الأمريكى الذى تقول العامة عنه إنه رئيس العالم باعتباره يرأس أكبر دول العالم. وقف وقال إنه سيعلن حرباً اقتصادية ضد تركيا إن تجاوزت فيما تقوم به، مع أن كل ما يفعله الحاكم التركى تجاوزات مطلقة. وكان يجب أن يحاسب عليها. هل هناك هوان أكثر من أن مجلس الأمن اجتمع وانفض ولم يتفق على قرار يمكن أن يتخذه تجاه ما يجرى فى سوريا. عبَّرت دول أعضاء فى المجلس عن رفضها لما يجرى. لكن المقابل الكلامى لفعل بهذا الهول لا يقدم ولا يؤخر. لأنه كان لا بد من الإدانة التامة والمطلقة لما جرى، والمطالبة باسم العالم للمحتل التركى بالانسحاب من الأرض التى احتلها فوراً والآن.

مع أننى كنت أتصور أن زمن الاحتلال الكلاسيكى بمعناه القديم وصورته التى استقرت فى وجداننا منذ القرن التاسع عشر. لم يعد له وجود. وأن هناك أشكالا جديدة يمكن أن تتم. لكن طائرات الحاكم الذى يذكرنى بما فعله بنا سليم شاه بن عثمان، فاقت كل التوقعات. المؤرخون الذين عاصروا المحتل العثمانى قبل أربعمائة سنة. قالوا إن كل من رفضوا الاحتلال تم إعدامهم علناً وأمام الجماهير. وهو ما يقوم به سليل الطغاة القدامى الذى يبدو أكثر قدرة على القتل. لأن أدوات القتل تقدمت أكثر مما كنت أتصور.

لا تحاول الدخول إلى المتاهة السورية. ولا تسمح لأحد أن يشدك إلى مشكلات الأكراد والدواعش. ومن يحاولون إقامة دويلات سورية على حساب حكم دمشق. فهى تذكرنى بحسبة برما. التى يمكن أن تبدأها. لكنك لا يمكن أن تصل لنتيجة.

ديدان الجرح الغائر كثيرة. لن أحاول الاقتراب من الموقف العربى. المظاهرة الوحيدة كانت صغيرة فى مكان ما من سوريا. لم يسمع بها إلا من يتابع الأمر. أما ملايين الأشقاء العرب أو مليارات الأشقاء المسلمين، فلا تسأل عنهم ولا تعد لهم وجودا فى الحسبة.


لمزيد من مقالات يوسف القعيد

رابط دائم: