رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطريق إلى دعم سوريا موحدة

العدوان التركى على شمال سوريا وما يترتب عليه من مآسٍ للشعب السورى عربا وأكرادا، وعلى وحدة سوريا الإقليمية، يمثل فى واقع الأمر فرصة كبيرة لإعادة النظر فى الوضع العربى برمته، والذى لم يَعد يُرضى أحدا. فرصة من أجل مراجعة السياسات الجماعية أو الفردية لهذا البلد أو ذاك لإعادة الاعتبار للعمل العربى المشترك.

هذه الفرصة ليست ممتدة زمنيا، بل هى فرصة حالة يجب توظيفها للخروج من المأزق العربى الراهن. المؤكد أن هناك دولا لن تتجاوب مع تلك الفرصة، بل ستعمل ضدها وستفعل كل ما وسعها لإجهاض أى جهد عربى حقيقى لوقف التدهور العربى، وهنا تأتى المسئولية الأكبر على الدول العربية الكبرى فى مواجهة عبث هذه الدول المارقة عروبيا، ووضعها فى حجمها الحقيقى كطابور خامس فى جسد الأمة العربية.

أحد ابعاد مواجهة هذا العبث هو الخروج الفورى من الشرنقة التى صاغتها تلك الدول المارقة فى السنوات الثمانى السابقة وأحاطت بها التحركات العربية الجماعية، مما أفسد أى فاعلية لمنظومة العمل العربى، وجعلها فى موقف دفاعى إن لم يكن أقل.

الخروج من شرنقة السنوات الثمانى الماضية يتطلب تحركات مدروسة ومتعددة المستويات، نشير إلى بعضها الآنى:

- أولا إنهاء العزلة السورية العربية، وبدء حوار جاد مع الحكومة السورية وكل المكونات السورية بهدف استعادة سوريا مقعدها فى الجامعة العربية، والذى أصبح مُلحا للغاية. نتحدث هنا عن سوريا بكل من فيها وليس فقط الحكومة.

صحيح هناك تعقيدات شكلية وإجرائية، وكلها يُمكن التغلب عليها ما دام العرب متفقين على حماية سوريا شعبا وأرضا وسيادة.

التحفظات وكثير منها صحيح على أداء الحكومة السورية يجب التعامل معها من منظور جذب سوريا إلى المظلة العربية وليس منظور ديمومة عزلتها، وهى العزلة التى أسهمت فى ابتعاد دمشق عن أشقائها العرب ودفعت وما زالت تدفع ثمنا باهظا لتلك العزلة من سيادتها ومن أرضها ومن تدهور أحوال شعبها.

الحكومة السورية وقيادتها مُطالبة فى الآن نفسه بالتجاوب مع مساعى فك عزلتها العربية، ومُطالبة باتخاذ مواقف عملية تجسد بها مسئوليتها السياسية والمعنوية لكل مواطن سورى أيا كان عرقه أو دينه أو منطقته أو رأيه السياسى. ومُطالبة أيضا بأن تسرع بفتح حوار مع كل التنظيمات السياسية المدنية أيا كان هويتها العرقية والمؤمنة بوحدة سوريا وبضرورة بناء نظام سياسى جديد يراعى كل أبنائه بعدل وإنصاف.

تمسك الحكومة السورية بشعارات ومبادئ عفا عليها الزمن لم يَعد يُجدى. سوريا اليوم ليست سوريا الأمس. الحقاق على الأرض تفرض رؤية جديدة، وتفرض تجاوبا حقيقيا مع مسار الأمم المتحدة للتسوية السلمية.

فالانتصارات الجزئية فى العامين الماضيين وصلت إلى أقصاها. وللأسف نشهد ردة فى أماكن ومناطق سورية تستدعى حركة مختلفة عن سلوك الانتظار وترك الأمور يتحكم فيها آخرون معتدون ومحتلون.

الانتصار الحقيقى هو فى الدفاع عن الشعب بكل مكوناته والأرض فى كل بقعة، وليس فى ترك الآخرين يحددون مصير الوطن ويحتلون أجزاء منه. النظر إلى المستقبل وبقاء سوريا موحدة جغرافيا ومجتمعيا يجب أن يكون أساس أى تحرك حكومى مستقبلى.

فكرة الهيمنة المطلقة أصبحت فى ذمة التاريخ. هذه الأبعاد المحزنة توجب حوارا عربيا مسئولا، كما توجب مرونة سورية حكومية.

إن فاتت اللحظة المناسبة وهى الآن، فسوف يخسر العرب سوريا وتخسر سوريا نفسها.

- المهمة الثانية والعاجلة هى إعادة النظر فى التعامل مع المُكون الكردى السورى ليس فقط من قبل الحكومة السورية بل أيضا من قبل العالم العربى برمته. إذا كان هناك من يهتم بوحدة سوريا فعليه أن يبادر بالوقوف مع الأكراد فى كفاحهم المشروع ضد الاحتلال التركى. النظر اليهم باعتبارهم جماعة انفصالية يمثل قيدا وهميا يجب التخلص منه، هم جزء من الشعب السورى المتعدد العرقيات. ما دام العرب بعيدين عن أكراد سوريا ستظل سوريا فى مأزق كبير، وسيظل الأكراد السوريون مضطرين إلى التعاون مع قوى دولية تُضمر الشر للعرب جميعا مهما أبدت من سياسات ومواقف ذات طابع ودى شكليا، كما تُضمر الشر للأكراد أنفسهم وتتلاعب بهم حسب مصالحها. وما تفعله إدارة ترامب مع الأكراد السوريين خير مثال وليس بحاجة إلى شرح. الوقوف مع أكراد سوريا سياسيا ومعنويا وتسليحيا اليوم يجب أن يكون أولوية عربية لمن يؤمن بوحدة سوريا الجغرافية. الاكتفاء ببيانات التنديد بالعدوان التركى لم يعد كافيا. واللقاء الذى تم بين وزير خارجية مصر سامح شكرى ووفد مجلس سوريا الديمقراطية ملىء بالكثير من الدلالات المهمة. الوقوف مع كل مكونات الشعب السورى هو الخطوة الأصح والاوجب لمناصرة سوريا ودفع العدوان التركى. والتنسيق مع هذا المجلس وغيره من المكونات السورية سياسيا وعسكريا خطوة فى الطريق الصحيح.

- ثالثا مبادرة العرب بدعم أكراد سوريا ضد العدوان التركى يجب أن يُفهم باعتباره خطوة لتصحيح سياسات ثبت خطؤها، ويجب أن يكون موجها أيضا للحكومة السورية لتدرك أن العرب لا يفرقون بين مواطن وآخر يعيشون فى أرض عربية على أساس عرقى أو دينى أو مذهبى.

أكراد سوريا ضحوا بالكثير فى مواجهة دولة «داعش» ودون تلك التضحيات ما كان لسوريا أن تهنأ بأى انتصار جزئى تم تحقيقه، وما كان لقائد روسى أو أمريكى أو سورى أن يعلن الانتصار على داعش، وحق الأكراد السوريين على العالم كله أن يقف معهم، وعلى العرب أن يكونوا فى مقدمة الداعمين فعلا وعملا، وليس قولا ينتهى مفعوله فى غضون ساعات قليلة.

هذه الصحوة الفكرية والسياسية والسلوكية إن حدثت ستهم كل عربى فى كل بلد عربى. التمييز بين هذا وذاك آفة يجب التخلص منها فورا.

على الجميع أن يدرك أن ترك الأكراد السوريين فى مواجهة العدوان التركى من أجل حسابات قصيرة المدى سيمهد لعودة داعش إلى سوريا والعراق، وبداية مرحلة من العنف الإقليمى المشحون بمشاعر ثأر أعمى.

لن تهنأ الكثير من الدول بما لديها من استقرار . سيقوم الأتراك بتوظيف هؤلاء الإرهابيين الداعشيين لتصفية حسابات أردوغانية مع أطراف عربية عديدة.

الجميع سيدفع الثمن.

المصلحة تقتضى مساندة فعلية وسريعة لأكراد سوريا لمواجهة الاحتلال التركى.


لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب

رابط دائم: