رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العجوز ونوبل

فى التاسع من أكتوبر 2019, أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم قرارها بمنح جائزة نوبل للكمياء لعام 2019 لكل من جون جودينف أستاذ علوم وهندسة المواد بجامعة تكساس أوستن الأمريكية, ستانلى ويتنجهام أستاذ الكيمياء ومدير معهد بحوث المواد بجامعة بينجهامتون - نيويورك, وأكيرا يوشينو أستاذ الكيمياء بجامعة مايجو اليابانية وذلك لإنجازاتهم فى تصنيع وتطوير بطاريات أيونات الليثيوم الخفيفة الوزن والعالية الكفاءة والمصنوعة من مركبات الليثيوم غير القابلة للاشتعال والمتنوعة التطبيقات والاستخدامات مثل التليفونات الذكية والكمبيوترات وبطاريات السيارات الكهربائية التى يمكن شحنها وتفريغها مرارا وتكرارا, وبطاريات تخزين الطاقة المتجددة. أصبحت هذه الجائزة مصدر إلهام للملايين بين عشية وضحاها كون جون جودينف فى السابعة والتسعين من عمره وأنه قدوة حسنة لكل من عمل معه وأنه أكبر من حصل عليها سنا منذ إنشائها عام 1901, وأنه حطم الرقم القياسى الذى حققه آرثر آشكن فى العام الماضى عندما فاز بجائزة نوبل فى الفيزياء وهو فى السادسة والتسعين من العمر, وأنه حكيم وبالغ البساطة. يقول فى مقابلة معه فى شهر يونيو الماضى تعكس ذلك: لا أعلم يوم رحيلى عن الدنيا, لكنى أفترض أنه سيكون يوما قريبا. فى عمرى هذا لم أعد أقبل الإشراف على طالب جديد يستغرق تعليمه وتخرجه أربع سنوات أو أكثر, أعمل جاهدا لأرى آخر طالب مسجل معى ينهى رسالته. أنا لا أتحكم فى الأمر. أنى أعيش يوما بيوم وهو كل ما أستطيع عمله.

بطارية أيونات الليثيوم تتكون من قطبين منفصلين أحدهما سالب ( كاثود ), والآخر موجب ( أنود ) وبينهما مادة إليكتروليتية صلبة. يعمل القطبان على تخزين الليثيوم. يقوم الإليكترولايت بحمل أيونات الليثيوم الموجبة من القطب الموجب الى القطب السالب. وبالعكس تخلق عملية نقل الأيونات الموجبة والسالبة لليثيوم إليكترونات حرة فى القطب الموجب. نتيجة لذلك يفيض التيار الكهربائى خلال الجهاز الذى يستخدم تلك البطارية ( تليفون محمول أو جهاز كمبيوتر...الخ). أثناء عملية الاستخدام يقوم القطب الموجب بإطلاق أيونات الليثيوم الى القطب السالب مولدا فيضا من الإليكترونات. وعند عملية الشحن يحدث العكس وهو قيام القطب السالب بإطلاق أيونات الليثيوم والتى يقوم القطب الموجب باستقبالها.

حقيقة الأمرأن جى.إن. ليويس الأمريكى هو أول من استخدم بطاريات الليثيوم فى عام 1912, وأن استخدام بطاريات الليثيوم غير القابلة لإعادة الشحن لم يبدأ إلا فى سبعينيات القرن العشرين, وأن محاولات تطوير تلك البطاريات لتكون قابلة للشحن لم تنجح نتيجة الشروط المتعلقة بالأمن والأمان.

من أجل ذلك توجهت الأبحاث الى استخدام أيونات الليثيوم بدلا من استخدام معدن الليثيوم. كانت البداية لذلك فى عام 1991 عندما صنعت شركة سونى اليابانية أول بطارية تستخدم أيونات الليثيوم.

حقيقة الأمر أنها جائزة فى مجال هندسة وعلوم المواد. وهى المرة الثانية التى يحدث فيها هذا الأمر. كانت المرة الأولى عام 1987, عندما منحت جائزة نوبل فى الفيزياء لباحثين يعملان فى شركة آى. بى. إم فى زيورخ لاكتشافهما مادة خزفية فائقة التوصيل أحدثت ثورة فى مجال المواد فائقة التوصيل.

عندما أعلنت جائزة نوبل فى الكيمياء يوم الأربعاء التاسع من أكتوبر, لم يكن جون جودينف فى تكساس حيث يعمل ويعيش, وإنما كان فى لندن يتناول عشاءه فى مقر الجمعية الملكية وليتسلم ميدالية كوبللى التى تعتبر أكبر جائزة علمية.

تعتبر حياة جون جودينف نموذجا يحتذى به: عمرا مديدا حافلا بالتعليم الممتاز والإنجازات العظيمة. حصل على بكالوريوس فى الرياضيات من جامعة يل العريقة عام 1942 ودكتوراه فى الفيزياء من جامعة شيكاجو عام 1952. التحق بعدها للعمل فى معهد ماسيتشوستس للتكنولوجيا. تركه فى عام 1976 والتحق بجامعة أوكسفورد حتى 1986. فى عام 1986 أصبح رئيسا لقسم الهندسة بجامعة تكساس أوستين. من أقواله المأثورة: استخدم الكيمياء للإجابة على أسئلة الفيزياء, عندما تكون فى السابعة والتسعين من عمرك تستطيع فعل أى شيء. كتبت عنه مجلة تكساس مانصللى أنه راسخ الإيمان وأنه يرى أن هناك علاقة وطيدة بين علمه وإيمانه بقوله: عندما تكون مؤمنا بالخالق لا بد أن تظهر احترامك لكل ما خلق.

العلماء يعبرون عن احترامهم للخالق بدراسة كوكبنا وكيفية عمله, وأنهم بذلك يخدمون الناس باكتشافاتهم. له بحث منشور بتاريخ 24 ابريل 2018, فى جورنال أوف ذا أميركان كيمكال سوسايتى يعلن فيه أنه تمكن وفريقه البحثى من تصنيع بطارية أيونات ليثيوم يمكن شحنها أكثر من 23 ألف مرة, وهو ما يعنى أن هذه البطارية يمكن شحنها وتفريغها وإعادة شحنها يوميا لمدة 63 سنة. بعبارة أخرى أن هذه البطارية تعمل مدى الحياة.

إضافة الى ذلك فإن تلك البطارية رخيصة وأكثر أمنا لأنها لا تحوى معدن الكوبالت والذى تم استبداله بمادة رخيصة, وأنها بطارية جافة لا تحوى سوائل قابلة للاشتعال, وأنه يتم شحنها فى وقت قصير جدا.

فى إعلانها الجائزة, ذكرت الأكاديمية الملكية السويدية فى تبريرها منح جائزة نوبل فى الكيمياء لعام 2019 لهؤلاء الثلاثة: لقد استطاعت بطاريات أيونات الليثيوم تغيير حياتنا بطريقة ثورية منذ دخولها الأسواق عام 1991, وهو ما يمثل خدمة عظيمة للجنس البشرى تشمل أجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة والسيارات الكهربائية.

على المستوى الإنسانى يصفه أقرانه بأنه صاحب ضحكة مجلجلة تسمع من مسافة كبيرة وأنها تكاد تكون معدية, وأنه يذهب لمعمله كل يوم رغم أن عمره 97 سنة.

يشخصه البروفيسور بيل ديفيد, أحد تلاميذه: إنه أفضل الناس. عملت معه وأنا فى الخامسة والعشرين من عمرى قبل حصولى على الدكتوراه. يتمتع بعقل مدهش لا مثيل له وبمعرفة موسوعية. إنه إنسان صاحب وعى كبير, بدأت اهتماماته العلمية والبحثية لاستخدام بطاريات أيونات الليثيوم عقب أزمة البترول فى السبعينيات. إنه صاحب مباديء وعبقرى تملؤه الرحمة دائما يضع علمه لخدمة الجنس البشرى.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: