وسط صياحات، أو ثورة العرب، فى العراق، المندفعة ضد التدخل، أو الاحتلال، الإيرانى لأراضيهم، والتى جاءت، هذه المرة، من الوسط الطائفى، الموالى، الشيعى، الذى اعتمد عليه الإيرانيون سنوات طويلة، ما بعد الاحتلال الأمريكى، لإحكام سيطرتهم، واحتلالهم العراق، والسيطرة على موارده، واستخدامها لأغراضها السياسية، والاقتصادية، والإقليمية، والعالمية.. والعدوان، السافر، التركى، العسكرى، على الأراضى السورية، بحجة إقامة منطقة آمنة يقوم فيها الأتراك بإعادة حشد، وتوطين، السوريين، المهاجرين، من الحروب، فى بلدهم- انفجرت الأوضاع، فى سوريا والعراق، معًا، فى وقت متزامن، ووُضعت تركيا وإيران فى قفص الاتهام، متلبستين بجرائمهما، المخيفة، واعتدائهما على العرب، السوريين، والعراقيين، شعبا، وأرضا، طوال السنوات الماضية..
جريمة التدخل، التركى، العسكرى، فى أراضى سوريا، ماثلة أمام العالم، كله، ليرى أن ما يفعله أردوغان ما هو إلا اصطياد فى الماء السورى الآثن، ولحرب طويلة أنهك فيها الجيش والشعب السورى، منذ 8 سنوات، لم يتوقف القتل، والتدخل الخارجى، فى مسرح، وساحة، مفتوحة، يستغلها كل باحث عن دور فى منطقتنا، وكل مغامر، أو متآمر..
وفى غياب سلطة، هذه الأرض، يتحرك الرئيس التركى أردوغان لإعادة هندسة سوريا، وخريطتها، وفق أهوائه، أو خيالاته، المريضة، السقيمة، التى أصابها الكثير من العطب، والرؤى الجاهلة، ووجدها فرصة لضرب العرب، والأكراد، معًا.. جريمة تشهد أننا نعيش فى عالم لا يحكمه أى قانون دولى، أو حقوق للإنسان، بل تواطؤ مجتمع دولى، بكل مكوناته، على شعب منهك، ومقتول، فى حرب ضروس، أهلية، وطائفية، وإرهاب، بكل مكوناته، وتدخل دولى، من كل فج عميق (أمريكى، إسرائيلى، روسى، إيرانى.. وتركى، بل أوروبى.. وغيرها).. سوريا، المسكينة، وشعبها، يدفع ضرائب.. دماء جديدة، أو متجددة، لم يشفع للسوريين أنهم واجهوا التطرف، وهزموا الدواعش، ولم يشفع للأكراد أنهم تحالفوا مع الأمريكيين، وساعدوهم، فى مواجهة داعش الذى نما فى العراق، واستولى على أراضٍ فى الشام تحت الاحتلال الأمريكى..
صورة بائسة، ومستمرة، للوضع فى سوريا.. ايتصور أردوغان أنه قد أعاد عقارب الساعة إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأنه الإمبراطور، أو الخليفة، الجديد، الذى عاد لكى يربى العرب، ويقتص من ثورات التحرر من الحكم العثمانى، فى معقل الشام، ولكننا نقول له إن أخطر الحروب هى حرب الشعوب، وليس الجيوش، إنك لن تواجه جيشا فى سوريا، بل تواجه شعبا، وصدورا عارية، وقلوبا محتقنة، وعربا عرفوا من العدو ومن الصديق.. هذا ليس نبعا للسلام، كما تتصور، إنه النبع الصافى للحروب، التى لن تتوقف، وستكون هزيمتك فيها هى الأقسى، والأصعب، فى التاريخ الإنسانى للحروب كلها، ولن تحقق شيئا إلا اضطراب تركيا، وانهيار اقتصادها، ولن تخلق منطقة آمنة على حدود تركيا، بل ستخلق منطقة حروب وكراهية بين الشعوب، ليس لها مثيل، ولن تحل مشكلة اللاجئين، بل ستتفاقم، وبقدر سقوطك العسكرى، وانهيار اقتصادك الوطنى، ستسقط دماء كثيرة، من السوريين، والأكراد، وستخلق منطقة أكثر اضطرابا، وفوضى، على حدود بلادك، ولله فى خلقه شئون، وللعقلاء، والحكماء، الغائبين، فى تركيا، وإيران، وفى منطقتنا العربية، تساؤل.. حالة من الضياع.. سوف يسقط معك النظامان الدولى، والإقليمى، وإذا كانت إيران قد حققت شيئا باحتلالها العراق، الذى انفجر، الآن، دفاعا، عن استقلاله، وبحثا عن الحرية، ستحقق أنت شيئا آخر مماثلا، بأن تبيح عودة المتطرفين الأتراك، بالتخلص من اللاجئين السوريين، ومواجهة الأكراد الانفصاليين..
إن ما يحدث صورة صعبة، جديدة، للحكام فى إيران، وتركيا، إنهم لم يستوعبوا دروس التحرر لكل الشعوب، ولبلادهم.. الحرب الجديدة، بكل صورها، سواء فى سوريا، أو العراق، تنذر بسقوط كل من أشعلها، لن يقبل شعب إيران أن يكون عدو العراق، ليُرضى شهوات، وغرور، حكام إيران، كما أن الشعب التركى لن يَرضى بالسقوط، فى حرب طويلة، ضد أشقائه العرب، إرضاء لغرور، وشهوات، السلطان الجديد، أردوغان، الذى يهرب من أوضاعه الداخلية إلى حروب خارجية، تفتح له أبواب الاستمرار فى حكم تركيا، فالشعوب، على الرغم من الضحايا، والآلام، لا تهزم، ولكن اشتداد الحروب، واتساع رقعتها، بعد هذه السنوات الطويلة، قد يكون هو نفسه الطريق إلى انحسارها، ومحاكمة مجرميها، كل مجرميها، ولنا، جميعا، فى التاريخ الحديث.. فى هتلر، المانيا، درسا، وعبرة، وإلى أن يحدث هذا التحول، أو التطور، المأمول، لا نمنع أنفسنا من الألم، والحسرة، على آلاف الضحايا، وملايين المهاجرين، والضحايا، والمدن، والقرى، التى دمرتها الحرب، وأن نشعر بالأسى أننا لم نستطع أن نمد لهم يد العون، والمساعدة، إلا فى حدها الأدنى، ونتطلع بقلوبنا، وعقولنا، إلى أن نستوعب ما يحدث، ونبنى على أنقاضه، وضحاياه, نظاما، عربيا، جديدا، يحمينا، ويمنع استقواء تخوم العرب على بلداننا، جميعا، وشعوبها، فى صورة لم تحدث من قبل، عبر تاريخنا الطويل، ويمنع امتداد، ما يحدث، إلى كل بلادنا العربية، التى هى كلها تحت تهديد تخومها، مستغلة حالة الحرب، الراهنة، واتساع رقعتها، التى قد لا ترحم أحدا، سواء فى مصر، أو المغرب العربى، أو الخليج العربى.
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: