رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى الذكرى الـ 150 لميلاد المهاتما غاندى:
مبادئ غاندى الإنسانية تحمل حلولا لأزمات عصرنا

محمد سلماوى

يحتفل العالم هذا العام بالذكرى الـ 150 لمولد الزعيم الهندى العظيم المهاتما غاندى، وبهذه المناسبة أقامت جامعة الدول العربية بالاشتراك مع سفارة الهند بالقاهرة إحتفالية خاصة حضرها أعضاء الوفود الأعضاء بالجامعة بالإضافة لعدد كبير من ممثلى الدول الأخرى من آسيا وإفريقيا.

................................

وقد دعيت لإلقاء كلمة افتتاحية بهذه المناسبة الهامة التى افتتحها كل من أمين عام الجامعة الوزير أحمد أبو الغيط والسفير الهندى راهول كولشريشت كان عنوانها «غاندى.. رجل القرن الـ 21»، قلت فيها:

فى مثل هذا الشهر قبل 150 عاما ولد مهنداس كارامتشاند غاندى الذى عرف بعد ذلك بالإسم الذى أطلقه عليه شاعر الهند الأكبر رابندرانات طاغور، وهو مهاتما «أى الروح السامية» غاندى.

ولد غاندى فى عام 1869 بولاية جوجرات على الساحل الغربى للهند، ودرس القانون فى يونيفرسيتى كولدج بلندن، ثم عاد إلى الهند ليناضل من أجل استقلال بلاده عن الاستعمار البريطانى، هو ما كان يطلق عليه تعبير «سواراچ»، وإذا كنا هذا العام بصدد الذكرى الـ 150 لميلاد هذا الزعيم الوطنى والروحى الكبير الذى نادى بالمباديء الإنسانية من التسامح والاخاء وجعل من اللاعنف فلسفته فى الحياة، فإن هذه المناسبة تكتسب أهمية خاصة فى أيامنا هذه التى نعيش فيها واحدة من أكثر الفترات عنفا واضطرابا فى تاريخنا الحديث، فالصراعات المسلحة تنتشر فى مختلف دول العالم، والهجمات الإرهابية تتوالى فى قارات العالم الخمس، والفوضى تعم فى كل مكان، وهو ما يجعلنا أحوج ما نكون لتأمل أفكار غاندى ودراسة تعاليمه، نحن أبناء هذا العالم المضطرب، عالم التعصب والطائفية والعنف، ففى مثل هذه الليالى السوداء تجئ ذكرى المهاتما الذى كرس حياته للسلم والتسامح ونبذ العنف كبدر يبعث بنوره من بعيد.

لقد عاش غاندى الذى تعرض للسجن أكثر من مرة على أيدى الاستعمار البريطانى لبلاده، حياة بسيطة والتزم منذ مراحلها المتقدمة بالصدق والاعتدال والعفة والنباتية، وكان يرتدى اللباس الهندى التقليدى ويقوم بالصيام من أجل التطهر أحيانا ومن أجل التعبير عن الاحتجاج السياسى أحيانا أخرى، وقد تميزت رؤيته للهند بالتعددية الدينية والعرقية، وهى رؤية نفتقدها اليوم أكثر من أى وقت مضى، سواء فى الهند أو فى فلسطين أو فى غيرهما من دول العالم.

وفى ثلاثينيات القرن الماضى وقت كان الرأى العام العالمى مغيبا عن عمد عن حقائق القضية الفلسطينية كان غاندى من أوائل من نبهوا إلى الحقوق الوطنية للفلسطينيين، ففى مقال له بالجريدة التى كان يصدرها باسم «هاريچان» عبر غاندى فى 26 نوفمبر عام 1938، أى قبل عشر سنوات من نكبة 1948، عن تعاطفه مع اليهود المضطهدين فى أوروبا، لكنه أكد أن سكان فلسطين هم بشر وليسوا مجرد أرقام إحصائية، وقال «إن فلسطين عربية بقدر ما انجلترا انجليزية وفرنسا فرنسية، ومن الخطأ فرض اليهود على العرب، وما يجرى الآن فى فلسطين لا علاقة له بأية منظومة أخلاقية».

ورغم اعتناق غاندى للهندوسية فإنه درس الأديان جميعا، وأوضح فى سيرته الذاتية الرائعة «قصة تجربتى مع الحقيقة» أنه قرأ القرآن والإنجيل، وخلال السنوات التى قضاها فى جنوب إفريقيا بعد اتمام دراسته فى بريطانيا، كان مهتما بالصوفية الإسلامية وكثيرا ما حضر بعض الطقوس والمناسبات الصوفية هناك، وكان يرى أن دعوته إلى اللاعنف تتفق مع صحيح الدين الإسلامى ومع نصوص القرآن.

وقد حاولت بعض الإرساليات فى جنوب إفريقيا دفع غاندى لاعتناق المسيحية التى قال انه درسها بعمق لكنه اختار فى النهاية الالتزام بدين والديه الهندوسى، على أن دراسته لمختلف الديانات دفعته لاحترامها جميعا كما دفعته للقلق من إساءة تفسير الأديان لأسباب خارجة على الدين، مثلما يتعرض الإسلام فى عصرنا الحالى إلى الفهم المغلوط للجهاد والذى يتخذه البعض مبررا لارتكاب الأعمال الإرهابية التى لا يقرها الدين، وإذا كان فى الإسلام أن «الجهاد الأكبر هو جهاد النفس»، فإن لغاندى مقولة معروفة يقول فيها إن «أهم المعارك جميعا هى تلك التى يخوضها المرء ضد شياطينه ومخاوفه وعدم أمانه»، كما كانت له مقولة بأن الله هو الحق، مرددا بذلك أحد الأسماء الحسنى فى الإسلام.

ولقد شهدت السنوات الـ 150 الماضية منذ مولد غاندى انتشارا واسعا وتأثيرا عميقا لأفكاره الإنسانية على الكثيرين، حيث تأثرت بتعاليمه مختلف حركات الحقوق المدنية الحديثة، واعتمد مارتن لوثر كينج على أفكار غاندى فى صياغة فلسفته النابذة للعنف، حيث قال «لقد حدد لنا المسيح الأهداف وأعطانا غاندى الوسائل»، كما تأثر به الزعيم الأفريقى نلسون مانديلا الذى أعلن فى سنوات شبابه أنه من أتباع فلسفة اللاعنف التى طرحها غاندى، أما فى أوروبا فقد كان فيلسوف فرنسا الكبير رومان رولان أول من أشار الى أهمية غاندى فى كتابه الشهير الذى يحمل اسم المهاتما غاندى، كما شهدنا مراسلات ممتدة بين الروائى الروسى الأكبر ليو تولستوى والزعيم الهندى الكبير، ومن عالمين مختلفين تأثر كل من الموسيقى البريطانى جون لينون ونائب الرئيس الأميريكى آل جور بتعاليم غاندى، وكذلك باراك أوباما الذى قال ان ملهمه الأكبر كان المهاتما غاندى، وفى عدد أخير لمجلة «تايم» الأميريكية قال تقرير ورد بها أن من بين «أبناء غاندى» فى عالمنا المعاصر الدلاى لاما وليخ فالنسا ومارتن لوثر كينج وسيزار شاڤيز وبنينيو أكوينو ودزموند توتو.

أما العالم الفذ ألبرت أينشتاين فقد قابل غاندى وتراسل معه ثم كتب بعد وفاته:

»إن انجاز المهاتما غاندى فريد من نوعه فى التاريخ السياسى للإنسان، ذلك أن تأثيره المعنوى على الإنسان الواعى فى العالم أجمع سيتخطى عصرنا الحالى الذى يُقدر من القوى الوحشية العنيفة، والأجيال القادمة لن تصدق ان شخصا مثل غاندى عاش بيننا بشحمه ولحمه».

واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الـ 150 لميلاد المهاتما غاندى فإننا نحتفل باليوم العالمى لعدم العنف والذى لم تجد الأمم المتحدة يوما أفضل من ميلاد غاندى لتصدر قرارها بأن يكون هو اليوم المحدد لمحاربة جميع أنواع العنف فى العالم، وجدير بنا فى هذا اليوم أن نتذكر كلمات غاندى الخالدة:

«لا يجب أن ينفذد صبرنا.. وإذا أردنا أن ننمى روح الديمقراطية الحقيقية فلا يمكننا أن نتنازل عن تسامحنا وقبولنا للآخر، فعدم قبول الآخر إنما ينم عن عدم ايمان المرء بقضيته».

وقد احتضن غاندى فى فلسفته جميع البشر على مختلف مشاربهم، وما علاج أزمات عصرنا الحالى إلا فى مبادئه الإنسانية وتعاليمه السامية، ومع ذلك فقد وجدناه فى تواضعه الجم يقول «إننى لا أدعى أننى ابتدعت أية مباديء أو أفكار جديدة، لقد حاولت فقط بطريقتى أن أطبق الحقائق الأبدية على حياتنا اليومية ومشاكلها، وليس لدى شيء جديد أعلمه للعالم، فالحق واللاعنف هما فى قِدَم الجبال.

كم كان غاندى على حق.. لكن من أسف أن تلك الجبال التى تحدث عنها إنما تتراجع فى الأفق يوما بعد يوم، وفى بعض أنحاء العالم لم تعد ترى، ومن هنا أهمية أن نحتفل بتعاليم غاندى صاحب الروح السامية ونتذكر أفكاره ليس فقط للاحتفاء به وإنما حلا لأزماتنا وإنقاذا لأرواحنا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق