صوت 52% من البريطانيين فى 2016 لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبى بعد 42عاما من عضويتها فيه، غير أن أحدهم لم يكن يعلم وقتها بالدور الخفى الذى لعبه ستيف بانون اليمينى المتطرف والمستشار السابق للرئيس الأمريكى دونالد ترامب من أجل دعم حملة المنادين بـ"بريكست"، وتحقيق حلم الشعبويين فى إعلان وفاة مشروع "التكامل الأوروبى" أو بمعنى آخر "تفكيك أوروبا".
ومع تفجر فضيحة شركة «كامبريدج أناليتيكا» البريطانية فى أواخر مارس من العام الماضى 2018، بدأت تتكشف خيوط المؤامرة التى حاكها بانون نائب رئيس الشركة خلال فترة الاستفتاء البريطانى والصديق المقرب من نايجل فاراج زعيم حزب الاستقلال «يوكيب» اليمينى المتطرف وقتها، والدور الحاسم الذى قامت به الشركة من أجل توجيه ودفع الناخبين نحو التصويت لصالح «بريكست».
«و كامبريدج أناليتيكا» شركة خاصة تعمل على الجمع بين استخراج البيانات وتحليلها، ثم الوصول لاستنتاجات خاصة بالعمليات الانتخابية.
تم إنشاء الشركة عام 2013 من جانب كل من بانون وروبرت ميرسر من الداعمين الرئيسيين لحملة انتخاب ترامب وحزب «يوكيب»، والذى استثمر نحو 15مليون دولار فى الشركة، فيما بلغت حصة بانون نحو 5 ملايين دولار، قبل أن يعلن انسحابه منها فى أبريل 2017 باعتباره كبير الاستراتيجيين فى البيت الأبيض. وفى مارس 2018، ذكرت صحيفتا «نيويورك تايمز» الأمريكية و«ذا أوبزرفر» البريطانية أن "كامبريدج أناليتيكا" استخدمت معلومات شخصية للغاية لنحو 87 مليون مستخدم على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» دون إذن من الجهات المعنية، ذلك بدعوى أن جمعها لتلك المعلومات كان بهدف أغراض أكاديمية، غير أنها كانت لأهداف سياسية، للتأثير على رأى الناخبين الأمريكيين خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، واستطلاعات الرأى المتصلة بالاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
وردا على سؤال عما إذا كان البريطانيون سيصوتون لصالح بريكست دون تدخل من «كامبريدج أناليتيكا»، أكد كريستوفر وايلي محلل البيانات الكندى فى الشركة ومسرب المعلومات حول القضية أن الشركة لعبت دورا حاسما بالفعل، وأنه بدون دورها لما كان معسكر المغادرة فاز فى الاستفتاء، الذى حسم بأقل من 2% فقط من الأصوات.
كما أكد وايلي على تورط بانون فى القضية، مشيرا إلى أنه كان يزور لندن «مرة فى الشهر على الأقل» خلال فترة الاستفتاء. ورغم انكشاف مؤامرة "كامبريدج أناليتيكا" وخروج بانون من البيت الأبيض، إلا أن توابع الزلزال الذى أحدثه «بريكست» سواء فى بريطانيا أو على مستوى القارة الأوروبية ككل لم ينته بعد، نظرا للصعود القوى الذى حققته الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الشعبوية المناهضة للاتحاد الأوروبى.
هذا الصعود الذى ساهم فيه بانون أيضا سعيا منه نحو تحقيق حلم «تفكيك أوروبا» الذى بدأ مع «بريكست»، من خلال إنشاء تحالف كبير يجمع بين مختلف الأحزاب الشعبوية المناهضة لفكرة الوحدة الأوروبية، من ثم إعلانه فى يوليو الماضى تأسيس منظمة سياسية مقرها بروكسل تحت مسمى «الحركة»، تهدف إلى تقويض الاتحاد الأوروبى وإصابته بالشلل فى نهاية الأمر.
ووفقا لبانون، فإن أولى مهام «الحركة» كانت حشد وتعبئة الجماعات المناهضة للاتحاد الأوروبى من أجل اكتساح انتخابات البرلمان الأوروبى. وهو ما نجحت «الحركة» فى تحقيقه ولو جزئيا، حيث تقدمت بالفعل أحزاب اليمين المتطرف فى كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والمجر، فى ظل نسبة تصويت هى الأعلى منذ 20عاما.
وفى أعقاب ظهور النتائج، قال ستيف بانون فى تصريحات صحفية إن مشروع التكامل الأوروبى «توفى»، خاصة بعد هزيمة حزب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون المؤيد لأوروبا.
وفى يونيو الماضى، نفى بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الجديد، أن يكون على تواصل مع بانون، ذلك ردا على إدعاءات فاراج حول وجود تواصل مستمر بين الرجلين، وعلى الرغم من استمرار مأزق «بريكست» وعدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن ما بين لندن وبروكسل، والحظر الذى فرضته العديد من الدول الأوروبية على أنشطة بانون، إلا أن ذلك لم يمنع قوى اليمين المتطرف فى بريطانيا أو على مستوى القارة من مواصلة الصعود، حتى وإن كان من خلال استبدال وعود الخروج من الاتحاد بالسعى لإصلاحه من الداخل.
رابط دائم: