رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر الإفريقية فى مؤسسة بطرُس غالى

كان من الطبيعى أن يكون موضوع أولى ندوات مؤسسة كيمت بطرس غالى للسلام والمعرفة عن إفريقيا. فقد قام د. بطرس غالى كأستاذ جامعى فى الستينيات من القرن الماضى بدور بارز فى التعريف بالدول الإفريقية المُستقلة حديثًا والتحديات التى تواجهها للرأى العام فى مِصر والبلاد العربية وللنُخب السياسية العلمية والسياسية فى الدول الغربية، وألف أول كتابِ باللغة الانجليزية عن منظمة الوحدة الافريقية الذى صدر عام 1965، وحرص على نشر تحليلات عن إفريقيا فى مجلتى الأهرام الاقتصادى الأسبوعية والسياسة الدولية الفصلية اللتين رأسا تحريرهما. كانت الندوة بعنوان أفريقيا سلة غذاء العالم: السلم والتعاون والتنمية افتتحت الندوة الوزيرة نبيلة مكرم وشارك فيها عدد من الوزراء والسفراء واستمرت على مدار ثلاث جلسات ناقشت قضايا السلم والأمن الافريقي، والتعاون البينى الإفريقى خصوصًا فى المجال التنموى والاقتصادى والمالي، ودور المؤسسات غير الحكومية فى دعم التنمية المُستدامة.

تنبعُ أهمية هذه المناقشات من الأهتمام المُتزايد بافريقيا فهى ثانى أكبر قارة فى العالم من حيث المساحة، وثالث أكبر قارة من حيثُ عدد السكان، وهى تشهد تجارب نجاح تنموى فى عدد من دولها، ويزداد اهتمام سياسات الدول الكُبرى بها بحُكم ارتباط الأمن الإفريقى بالأمن العالمي. كانت المناقشات ثرية وتعددت وجهات النظر بشأن القضايا التى تم بحثها ولا يُمكِنُ تلخيصها فى هذا المقال وأريدُ فقط أن أتوقف أمام ثلاث نقاط مُهمة.

النقطة الأولى أثارها السيد عَمرو موسى وزير الخارجية وأمين عام الجامعة العربية الأسبق التى انتقد فيها استخدام كثير من الكُتاب والمُعلقين المصريين تعبيرات مثل العلاقات المصرية الافريقية أو العلاقات بين مصر والقارة الافريقية وذلك لأن مثل هذا التعبير يتضمن أن مصر ليست جزءًا من إفريقيا وأنه إذا صَح الحديث عن الهند وافريقيا أو روسيا وإفريقيا فإنه لا يصحُ بالنسبة لمصر. فمصر جزءُ من إفريقيا وعلاقتها بالدول الإفريقية تدخلُ فى مجال العلاقات البينية فى إطار القارة، شأنها فى ذلك شأن العلاقة بين نيجيريا وغانا أو جنوب افريقيا والكونغو. وأشار موسى إلى أن استخدام هذا التعبير الخاطئ يتردد باستمرار فى أجهزة الإعلام المصري. واننى اتفق تمامًا مع هذا الرأى وأعتقد أن هذا الاستخدام يتضمن إيحاءات سلبية ينبغى تحاشيها. فمصرُ جزء من افريفيا موقعًا واقتصادًا وتاريخًا وانتماءً وكان المصرى القديم هو أول من حملَ رِسالة إفريقيا إلى العالم وأسهم فى صُنع الحضارة الإنسانية

والنُقطة الثانية أوردها السيد هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى الذى طرح فِكرة أنه ينبغى علينا التخلُص من اعتقاد أن مِصرَ أكثر تقدُمًا من الدول الأفريقية وأن علينا دورا فى مُساعدتها فمثل هذا الاعتقاد غير صحيح وهُناك قصص نجاح كبيرة فى عديد من الدول الإفريقية وأن على المصريين الذين يتعاملون مع الشأن الافريقى أن يفعلوا ذلك بروح الرغبة فى التفاعُل وتبادل المصالح ونقلُ خبراتنا والاستفادة من خبراتهم. وتحدث عن تطور الاقتصادات الإفريقية من الاقتصاد الورقى إلى الاقتصاد الرقمى واستخدام تقنيات الاتصال والمعلومات فى تقديم خدمات الصحة والتعليم والمعاملات المالية بأساليب حديثة. وأشار الى وجود تجارب رائدة فى نيجيريا ورواندا واثيوبيا فى هذا الشأن وضرب المثال بإمكانية الحصول على تأشيرة دخول اثيوبيا الكترونيًا دون الحاجة إلى ملء استمارات او التوجه إلى السفارة الاثيوبية للحصول على التأشيرة.

والنقطة الثالثة هى حالة السِلم والأمن الافريقى التى كانت مِحور كلمتى أمام الندوة. فأشرتُ إلى التحديات التى تواجه القارة واولها تحدى الاستقرار السياسى والاجتماعى فرغم تراجُع عدد الانقلابات العسكرية فى العقد الثانى من هذا القرن، فقد استمرت هشاشة حالة الاستقرار بسبب عَدم القبول بنتائج الانتخابات العامة، وعدم الاستعداد للتداول السلمى للسلطة، واستمرار بعض نزاعات الحدود التى تُغذيها التعددية والانقسامية الاثنية. مع ذلك ينبغى الإشارة إلى أن الاتجاه السائد فى القارة هو اللجوء إلى صناديق الانتخابات كآلية للاختيار بين المُتنافسين سياسيًا. وكرس ذلِك قرار الاتحاد الافريقى بعدم الاعتراف بأى حكومة تتولى الحُكم عن غير الطريقة التى نص عليها الدستور وتجميد عضويتها فى الاتحاد.

وثانيها تحدى توفير الشروط اللازمة لتحقيق التنمية المُستدامة. فرغم امتلاك افريقيا لإمكانات وموارد اقتصادية هائلة فإنها ليست مُستغلَة وما زالت أساليب الزراعة مُتدنية. فإنتاجية المحاصيل فى افريقيا عمومًا تُماثلُ نصف متوسط الانتاجية فى العالم. وفى حالة الحبوب، تتدنى النسبة إلى الثلث ونصف السُكان يعيشون تحت خط الفقر. ويرجع السبب فى ذلك إلى ضَعف البنية الأساسية من طُرق ونقل واقتصاد، وقِلة الاستثمارات المُباشِرة ومصادر التمويل والائتمان، وعبء المديونية الخارجية إضافًة إلى الجفاف والتصحُر والتغير المناخى الذى فرض على مئات الآلاف مُغادرة ديارهم وأدى إلى ظهور مفهوم اللاجئ البيئي. ولكن هذا الواقع المُر لم يمنع البنك الدولى من أن يُصدر تقريرًا مهما فى عام 2013 عن المُستقبل المُشرق للاقتصادات الافريقية، وأن هُناك خِبرات إفريقية ناجحة فى مجال مكافحة الفساد وتحقيق التكامل الاجتماعى والتداول السلمى للسلُطة. وأُشيرُ إلى الدور الرائد لأحد البنوك المصرية وهو البنك التجارى الدولى فى خفض تكلفة الائتمان الموجه إلى افريقيا وتعاملُه المُباشر مع البنوك الافريقية دون الحاجة إلى وساطة أحد البنوك الدولية التى كان من شأنها رفع تكلفة الائتمان.

وثالثها تحدى التهديدات العابرة للحدود وأهمها تنظيمات التطرف والإرهاب التى لا تقتصر خطورتها على تهديدها لأمن المُجتمع بل إنها تحالفت مع شبكات الجريمة المُنظمة وتجارة المُخدرات والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية واستخدمت فى ذلك سبُلًا عدة منها إقامة تفاهمات مع القبائل الحدودية المُهمشة لتسهيل حركة الأفراد ونقل الأسلحة والمؤن من دولة لأخري. وقد أفاض الوزير مُحسن النُعمانى فى كلمته عن أخطار التطرُف والارهاب على القارة. فى هذا المجال تستطيع مصرُ التعاون لتطوير أفضل الممارسات بشأن مُحاربة التطرف والإرهاب. وتستطيع تفعيل المركز الاقليمى لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء الذى تستضيفه القاهرة فى هذا الشأن.

هذا بعضُ من كُل، وهُناك الكثير من الأفكار والاقتراحات التى ناقشتها الندوة و التى تتطلبُ مزيدًا من البحث والمناقشة.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: