الحركات الشعبوية الصاعدة فى معظم الدول الأوروبية، وبعض البلدان الأخري، مُتهمة بأنها متطرفة وتسعى إلى إقصاء كل ما عداها. صورة نمطية شائعة تغذيها دعاية تنهل من تجارب تاريخية كان أبرزها فى الربع الثانى من القرن الماضي.
لكن من يتهمونها بأنها إقصائية، ويروجون الصورة النمطية التى تعبر عن هذا المعني، متلبسون الآن بممارسة أعلى مستويات الإقصاء ضد هذه الحركات فى البرلمان الأوروبي. فقد اتفقت الكتل المفترض أنها ديمقراطية على منع كتلة هوية وديمقراطية، التى يقودها ماتيو سالفينى زعيم حزب الرابطة الإيطالى ومارين لوبن زعيمة التجمع الوطنى الفرنسي، من الحصول على أى موقع فى هيئات هذا البرلمان الذى أُنتخب فى نهاية الشهر الماضي.
لم تكتف هذه الكتل، التى تضم المحافظين والليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين والخُضر، باستبعاد هذه الكتلة من المناصب القيادية الخمسة الأساسية، وفى مقدمتها رئاسة المفوضية الأوروبية, بل أصرت على حرمانها حتى من الحصول على أى من مناصب نائب رئيس المفوضية الأربعة عشر، وإبعادها عن رئاسة أى من اللجان البرلمانية المهمة. ويعنى هذا أن من لا يكفون عن اتهام الحركات الشعبوية، سواء اليمينية أو اليسارية، بأنها إقصائية هم الذين يمارسون إقصاءً لا يدركون تداعياته، ولا يعرفون أنه أخطر بكثير من أى تهديد يعتقدون أن هذه الحركات تُمثله. ويستهين الإقصائيون الجدد على هذا النحو بالتفوق الذى حققته حركة الرابطة وحزب التجمع الوطني. فقد تصدرت الأولى الأحزاب الإيطالية التى تنتمى إلى الكتل الأربع، بينما تفوقت الثانية على الحزب الحاكم الذى أسسه الرئيس إيمانويل ماكرون فى فرنسا. وقد بدت زعيمة الكتلة الاشتراكية فى البرلمان الأوروبى إيراتشى جارسيا فقيرة فى معرفتها بالديمقراطية عندما بررت هذا الموقف قائلة إن الكتلة الشعبوية الأساسية لم تنل ثقة بقية الكتل الممثلة فيه، لأن العبرة بالأصوات الشعبية وليس بالتحالفات البرلمانية.ولعل أخطر ما يمكن أن يترتب على هذا الإقصاء هو أن يسحب الشعبويون أيديهم الممدودة إلى غيرهم، ويتخذون مواقف متطرفة حقاً. وعندها، قد يدفع العالم، وليست أوروبا فقط، ثمن إقصاء من يُتهمون بأنهم إقصائيون.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: