رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تلك الأيام
شيخ الأزهر.. والجلف الحمار

أما شيخ الأزهر فهو الشيخ حسن العطار (1776 1835) الذى تولى مشيخة الأزهر عام 1830 حتى وفاته، وكان والده الشيخ محمد عطارا فقيرا يستعين بولده فى البيع والشراء.

التحق الولد الصغير بالأزهر وحفظ القرآن، واجتهد فى تحصيل العلم حتى استحق أن يتصدى للتدريس.

وعندما دخل الفرنسيون مصر فر إلى الصعيد خوفا على حياته، لكنه عاد بعد ذلك واتصل بعلماء الحملة الفرنسية، وحدثت له الصدمة الحضارية عندما شاهد كتبهم وآلاتهم الهندسية والعلمية، وكان ذلك بدء اهتمامه وتقديره للعلوم الحديثة والمناداة بضرورتها، ثم سافر إلى استانبول وإلى الشام، وعاد إلى مصر والتدريس بالأزهر عام 1815 بعد أن غاب عنها 13 سنة، وكانت الأوضاع السياسية استقرت لمصر تحت ولاية محمد على باشا.

والشيخ حسن العطار الذى كان لديه ولع بالعلوم الطبيعية والرياضيات والفلك والطب والتشريح والهندسة، كان فوق كل ذلك شاعراً وكان ينظم أشعاره فى تصوير الطبيعة ومباهجها، كما كان يصور عواطفه وأشواقه إلى الحبيب فى أشعار رقيقة وقد نظم قصائد عديدة فى الغزل منها:

أفقرته من حسن وصلك بعدما

جادت عليك دموعه ونسيبه

أفلا رثيت لعاشق لعبت به

أيدى المنون ونازعته خطوبه

أنت النعيم له ومن عجب

تعذبه وتمرضه وأنت طبيبه!

والشيخ العطار كان يؤمن بالتحرر الفكرى والبعد عن الجمود، والدعوة المستمرة إلى إدخال العلوم الحديثة إلى الأزهر وكان يطمح دائما أن يرى بلاده فى أحسن مكان يقول: إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، وكان يتعجب مما وصل إليه الفرنسيون من المعارف والعلوم، ويتمنى أن يرى بلاده فى نفس المكانة العلمية.

ولأنه كان عالما مستنيرا ثاقب النظر فقد رشح تلميذه رفاعة رافع الطهطاوى إلى محمد على باشا ليكون إماما للبعثة التعليمية التى أوفدها الباشا إلى باريس عام 1826.

وهو الذى أشار على الشيخ رفاعة الطهطاوى أن يسجل ما يشاهده فى فرنسا من أشياء يرى فيها نفعا لمصر. واستجاب الطهطاوى ووضع كتابه المشهور «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، ثم أوحى الشيخ العطار إلى محمد على بطبع هذا الكتاب فقامت المطبعة الأميرية بطبعه ونشره.

وبهذا يكون الشيخ حسن العطار هو من وضع بذرة الاستنارة والوعى والتجديد فى تاريخنا الثقافى الحديث، التى حمل شعلتها رفاعة الطهطاوى، ثم جمال الدين الأفغانى وتلميذه محمد عبده وقاسم أمين وعلى عبدالرازق وطه حسين.

كان الشيخ العطار كما يقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعى من علماء مصر الأعلام، امتاز بالتضلع فى الأدب وفنونه والتقدم فى العلوم العصرية، وكان هذا نادرا بين علماء الأزهر، وكان تلك الميزة من أسباب نبوغه، ذلك أن الأدب فتح ذهنه إلى البحث والتفكير مع سلامة المنطق.

وقد قال عنه رفاعة الطهطاوى: كان له حظ فى العلوم العصرية وحتى العلوم الجغرافية.

ها نحن قد طالت وقفتنا مع الشيخ حسن العطار فماذا عن الجلف الحمار؟

سئل الشيخ حسن العطار عن حكم سماع الغناء والموسيقى فرد قائلا وأظنه كان غاضبا ومنفعلا من وقاحة السؤال: من لم تحركه الأوتار وحفيف الأزهار ورقيق الأشعار فهو جلف الطبع حمار.

ونحن بعد ما يقرب من قرنين على وفاة الشيخ العطار نصرخ إليه: بأن الأجلاف والحمير صاروا حولنا فى كل مكان، يحرمون الغناء والفن والموسيقى، وأكثر من ذلك يستحلون قتل البشر، والأكثر إيلاما وبشاعة أنهم أحيانا يقتلون جنودنا.. فمن ينقذنا يا شيخنا من أجلاف عصرنا.. الإرهابيين.. الذين يكرهون العلم والعلماء والفنون والآداب والجمال والأدب والابداع، ولا يحبون غير القتل والدماء.. من ينقذنا من أجلاف عصرنا يا إمام وهم أشد خطرا من أجلاف عصرك بكل تأكيد.


لمزيد من مقالات محسن عبد العزيز

رابط دائم: