رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صناعة كرة القدم!

شكل اقصاء فريقى المغرب ومصر من كأس الأمم الافريقية، خيبة آمال الملايين من الجماهير التواقة الى فرحة تصنعها الكرة، لكن الهزيمة والخروج المبكر من المنافسة أجج غضب المتتبعين وأعاد للواجهة ازمة كرة القدم فى هذه الدول، وفى اغلب الدول العربية، بحيث لا يمكن فى كل مرة ربط خروج منتخباتنا من المنافسات، القارية كانت او العالمية، بـالحظ السيئ او المؤامرة والفخاخ، انما السبب الحقيقى يعود لكوننا نفتقد آليات صناعة كرة القدم، ما دمنا لم نجد بعد حلا للمشكلات البنيوية والهيكلية التى يعانيها هذا القطاع.

اما الأداء الباهت لمنتخباتنا الوطنية فلا يتحمله فقط اللاعبون داخل المستطيل الأخضر، ولا حتى المدربون بمفردهم ولا القائمون على المنظومة الرياضية والمسيرون لاتحادات كرة القدم فى الدول المعنية، رغم كل ما وفرته لهم الدولة من إمكانات مادية ولوجستية ومن دفعات معنوية من أجل بناء فرق وطنية مؤهلة وتحقيق نتائج ايجابية تكون عند مستوى تطلعات الشعوب، بل هى مسئولية مشتركة فى ظل غياب استراتيجية كروية شاملة تدعم اللعبة وتشجع الأندية وتخصص لها كل ما تحتاجه من أجل إفراز جيل من اللاعبين والفنيين والاداريين المؤهلين وذوى الكفاءة والخبرة. اما إلصاق الفشل على جهة معينة فهو محاولة أخرى لتسطيح الازمة دون علاجها فى العمق مما يعنى احتمال تكرار الانتكاسات ولو بسيناريوهات مختلفة.

ولأن كرة القدم هى صناعة فى الأساس، فهى بالتأكيد تحتاج أولا، الى إرادة سياسية تؤمن باللعبة وأهميتها. ثانيا، استراتيجية متكاملة لبناء مقومات نجاحها على جميع المستويات، سواء البنيوية او الإدارية والفنية. ثالثا، وجود عقلية استثمارية تراهن على كرة القدم باعتبارها رياضة شعبية شبابية هى الأولى عالميا وبالتالى فرصة ذهبية للاستثمار.

وتكون البداية بتوفير ملاعب ومراكز تكوين وتدريب لاحتضان المواهب الناشئة وتدريبها وتأطيرها العلمى والرياضي، والاعتماد عليها لتكون نجوم المستقبل. ففى أوروبا وامريكا اللاتينية يجرى تحديد المواهب من عمر صغير، ويتم صقلها قبل الانتقال إلى أندية المحترفين. وفى الصين، حيث أصبح تطوير كرة القدم هدفا استراتيجيا للحكومة الصينية، فقد تم التركيز على نشر اللعبة فى المدارس والجامعات وحتى داخل رياض الاطفال، وتم بناء ملاعب فى كل مكان، حتى على أسطح العمارات، وتم إعداد برامج لتشجيع الأطفال على الجري، والقفز، والتسلق، ورمى الكرات وركلها مما يشجع على تنمية اهتمام الأطفال بكرة القدم وتوفير مناخ ملائم لنمو ثقافة اللعبة.

تأتى بعد ذلك الحاجة لتأطير اللاعبين الهواة داخل أكاديميات مختصة، وتعزيز قوة إعداد الأكفاء منهم، وتشجيع الأندية والمؤسسات على إرسال المميزين منهم فى معسكرات تدريبية إلى الدول الرائدة فى هذا المجال لتلقى التدريبات اللازمة، وتعلم تقنيات كرة القدم، مع الاهتمام بتلقين اللاعبين المجالات الثقافية لهذه الرياضة، والاهتمام بنموهم الأخلاقي، وتكريس مفهوم الجهد وإعلاء الحس الوطنى لديهم، مما سيفرز أجيالا من اللاعبين تلقنوا فن اللعبة بطريقة علمية، وامتهنوها داخل أندية محلية.

وفى مرحلة الاحتراف هناك حاجة الى تبنى استراتيجيات واضحة، واختيار كوادر مؤهلة وإدارة علمية متجانسة للإشراف على اللعبة. فلا يمكن الحديث عن أداء متميز وديمومة فى النجاح دون رسم خطة متكاملة ونهج منسق مع تحديد الآليات والخطوات الملائمة لتحقيق الهدف. ولا يمكن الحديث عن إنجازات كروية دون جهد فريق العمل لتحويل هذه الخطة الى تحرك عملى داخل الملعب وفى مدة زمنية محددة، ودون أيضا ربط، أولا بأول، النتائج المحققة بالخطة الموضوعة وتحديد أوجه النجاحات وأسباب الإخفاقات والعمل على تداركها، ليأتى بعد ذلك مبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة.

وهذا يستدعى اختيار جهاز ادارى ذى كفاءة عالية، يفصل بين ما هو سياسى ورياضي، ويعرف حدود مهامه وادواره، دون أن يفرض آراءه واختياراته على الجهاز الفنى للفريق، مما يؤثر على مبدأ الفصل بين الاختصاصات المفروض ان يكون بين الجهاز الإدارى والجهاز الفني، وعلى التجانس بين المدرب واللاعبين، وهذا ما تظهر تداعياته مباشرة على المباريات. وهناك حاجة للالتزام باللوائح والقوانين المنظمة، وضمان الشفافية فى التسيير، واختيار لاعبين ممن تم تدريبهم وتأهيلهم من داخل الأندية المحلية، حيث يكونون أكثر التصاقا بالكرة القارية وأكثر تعودا وتحملا للجو والحرارة الافريقية.

وبخصوص ما نشهده من عقدة الخواجة والاستعانة بمدرب أجنبي، على اعتبار انه يمكن ان يكون صانع المعجزات ويخرج المنتخبات من مستنقع إخفاقاتها, رغم كل ما يكلفه ذلك لخزينة الدولة من مبالغ خيالية لا تتماشى فى أى حال مع النتائج التى يتم تحقيقها على الملعب؛ فيجب ان نكون على قناعة بأن الرهان الحقيقى هو على تطوير القدرة البنيوية لكرة القدم، وليس فقط على جلب أسماء اجنبية لن تستطيع تغيير شيء يذكر فى منظومة تحتاج بالكامل الى التحديث والتطوير. هذا اذا كنا نرغب فعلا فى صناعة كرة جيدة وبناء منتخبات وطنية قادرة على المنافسة وصناعة الفوز واسعاد الجماهير، وما عدا ذلك فهزائمنا ستتكرر لا محالة.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: