رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه: أحـمـد البـرى..
الخطأ الفادح!

بريد الجمعة

أنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، نشأت فى أسرة بسيطة لأب عامل بأحد المصانع، وأم ربة منزل، ولى ستة أشقاء، وعشنا حياة صعبة عانينا فيها شظف العيش، لكننا رضينا بما قسمه الله لنا، وتمكنت بفضل إصرارى على الدراسة من الحصول على دبلوم المدارس التجارية، وطرق بابى رجل كبير فى السن من مدينة مجاورة قدم نفسه لأبى عن طريق أحد المعارف بأنه رجل أعمال ولديه أملاك كثيرة، وقال إن الحياة شغلته عن الزواج والاستقرار، فلم يتزوج، وأنه يتمنى أن تكون لديه أسرة وأولاد، وتوقف أبى عند فارق السن الكبير بيننا، وأمهله بعض الوقت قبل الرد عليه، وشاورنا فى الأمر، وانتهينا جميعا إلى الموافقة عليه بمن فيهم أنا أملا فى الانتقال إلى حياة رغدة، أكثر راحة مادية، وقلت فى نفسى وقتها برغم صغر سنى إن الرجل الكبير يكون عاقلا فى تصرفاته، وليس لديه «طيش» ولا اندفاع الشباب.

وأبلغه أبى بالموافقة وذهبنا إلى مكتب محاماة وتزوجنا وتساءلت فى نفسى وقتها: وأين المأذون مثل كل البنات؟، ولا أدرى كيف وافق أبى على الزواج بهذه الطريقة، ولماذا لم يتم عقد القران على يد مأذون كما هو المتبع فى الزواج الرسمى؟.. لكنى لم أتوقف عند هذه النقطة طويلا ظنا منى أن أبى يعرف مصلحتى وأن الطريقة التى اتبعها فى تزويجى ربما تكون سليمة من الناحية القانونية، وانتقلت إلى عش الزوجية فى شقة فارهة، ووفر لى زوجى كل متطلباتى، ومرت الأيام، وأنجبت ثلاثة أبناء، ولدين وبنتا، وكانت أسرتى تزورنى باستمرار، ولم يعكر صفو حياتى شىء على مدار أكثر من اثنى عشرة سنة، وقد أصيب أبى بوعكة صحية ألزمته الفراش ودخل فى دوامة التحاليل والأشعات، وتلقى علاجا صعبا على مدى سنتين ثم رحل عن الحياة، وتبعته أمى التى رحلت فجأة إثر أزمة قلبية، وانصرف أشقائى إلى حياتهم وأسرهم، ولم يبق لى سوى زوجى الذى وضعت فيه آمالى وأحلامى فى أن تمضى حياتى معه على ما يرام، وأن ينعم أبناؤنا بالهدوء والاستقرار.

وذات يوم عاد زوجى من عمله، وقد بدا عليه الإرهاق الشديد وانتابته حالة إغماء فأسرعت به إلى المستشفى المجاور، حيث أجريت له أشعات وفحوص عديدة، وخضع لعلاج مكثف، ثم تدهورت صحته بعد أسابيع، وعاودت عرضه على المستشفى، وفى حجرة الطوارىء لفظ أنفاسه الأخيرة، فصرخت بأعلى صوتى، وتجمع الناس حولى، وأشفقوا لحالى، ومنهم من عرض علىّ المساعدة فى أى أمور تخص زوجى، خاصة أننى لا أعلم شيئا عن عمله وممتلكاته، إذ لم يحدثنى عنها أبدا، وكان غامضا من هذه الناحية، وكنت كلما هممت لمفاتحته فى هذه الأمور، أتراجع خوفا من زعله، أو أن يظن بى الظنون، بأننى تزوجته من أجل أمواله.

لقد كشفت وفاته عن مفاجآت مذهلة، ومنها أنه متزوج من أخرى قبلى، لكنها ليست قادرة على الإنجاب، وأنها كانت تعلم بزواجنا، ووافقت عليه لإرضائه، أما المفاجأة القاسية التى لم أفق منها حتى الآن فهى أنه تزوجنى عرفيا، بمعنى أننى ليست لى أى حقوق لديه، أما أبناؤنا فهم مسجلون باسمه فى سجلات الأحوال المدنية، والطامة الكبرى أن زوجته الأولى رفعت دعوى بأن زوجها لم يكن قادرا على الإنجاب، وأنه لم يكن هناك عيب فيها! بمعنى أنها تتهمنى بأننى أنجبت أبنائى من آخر، ونسبتهم إليه، وهذا كذب وافتراء، وكل الجيران والمعارف، وشهادة الأبناء، وتوقيعات زوجى الراحل تثبت عكس ما تدعيه هذه السيدة التى لا ضمير لها.. إننى أعيش فترة عصيبة، ولا أدرى ماذا أفعل بعد أن مات أبى وأمى، وزوجى، وأواجه ادعاءات باطلة؟، ثم كيف أحصل على حقوقى كاملة؟.

لقد أخطأ أهلى حين زوجونى بطريقة غير رسمية، وهذا ليس ذنبى، ولابد أن تكون هناك إجراءات تكفل حقوق من تتعرض لمثل هذه الظروف، فلسنا نعيش فى غابة، وليت الناس يتعلمون هذا الدرس، فلا يفرطون فى بناتهم بتزويجهن من أجل المال، فالماديات زائلة، ويبقى الاستقرار والهدوء وراحة البال هى العوامل الرئيسية التى يجب أن يضعها الجميع نصب أعينهم.. إننى أرى الحزن فى عيون أبنائى، وهم يسمعون كلاما كالسم من زوجة أبيهم، وأهلها، ويشككون فى نسبهم، وهو اتهام باطل، وسوف تنفيه الدعاوى المضادة التى رفعتها علىّ هذه السيدة، لكن «الشوشرة» لها ثمن باهظ، وأرجو أن توجه كلمة إلى هذه السيدة وأهلها لعل ضمائرهم تصحو ويتوقفوا عن ظلمهم لنا.. وأسأل الله أن نخرج من هذه الظلمة التى وجدنا فيها أنفسنا بلا ذنب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما بنى على خطأ سيظل معرضا للانهيار فى أى لحظة، وزواجك من الرجل الثرى برغم فارق السن الكبير بينكما، وعدم وجود تقارب اجتماعى بين أسرتيكما كان خطأ فادحا، ارتكبه أبوك فى حقك مدفوعا بعدم تحمله أى أعباء مادية فى زواجك، وبالطبع كان طامعا فى مساعدة زوجك للأسرة، بمعنى أن الأمر كله لم يكن سوى «صفقة» اندفع إليها والدك بلا حساب.. والأدهى أنه وافق على زواجك عرفيا، وهو يعلم أن هذا الزواج محكوم عليه بالفشل إن عاجلا أو آجلا، وقد أخطأ زوجك عندما لم يحِول الزواج العرفى إلى رسمى بعد إنجابك أطفالك درءا للمشكلات التى سوف يتعرضون لها فيما بعد، وهكذا انعدم الضمير لدى جميع من حولك، وكانت النتيجة هذا الضياع الذى تعيشينه أنت وأبناؤك.

إن نسب أبنائك إلى أبيهم صحيح، فهو الذى سجلهم باسمه بعقد الزواج العرفى القائم بينكما، ولا مجال لأن يطعن فى ذلك لا زوجته الأولى، ولا غيرها، ومن المعروف فى الحالات المتنازع عليها فى حالة وفاة الزوج إثبات وجود الفراش الصحيح، والمقصود به الحياة الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة، وقد روى البخارى ومسلم عن عائشة وأبى هريرة رضى الله عنهما أن رسول الله قال: «الولد للفراش»، ويثبت النسب أيضا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على توافر الزواج والفراش بمعناه الشرعى.

ومادام زوجك الراحل قد سجل أبناءه فى مصلحة الأحوال المدنية، فإن هذا دليل كاف على زواجه منك، ويحق لك إرثه.

وتبقى المشكلة الكبرى وهى اندفاع البعض إلى تزويج بناتهم من كبار السن للتخلص من عبئهن خصوصا فى الأسر الفقيرة، وكحل للمشكلات المادية، إلى جانب الموروثات الثقافية والاجتماعية التى تدفع البعض إلى الموافقة على أول طارق لباب بناتهم دون النظر إلى الفوارق الكبيرة بين الطرفين.. وللأسف الشديد فإن البنت فى هذه الحالة تكون بلا مهارات اجتماعية وعاطفية تمكنها من مواجهة ضغوط الأهالى للزج بها فى زيجة غير متكافئة تنعكس عليها بأضرار صحية واجتماعية ونفسية.

أيضا هناك علاقة وطيدة بين الارتباط قبل الوصول إلى السن القانونية، والإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، ومنها الاكتئاب، فالبنت فى السن الصغيرة تكون غير قادرة على مواجهة المشكلات المتعلقة بنموها من جهة، وعالم زوجها كبير السن الذى يتطلب منها التأقلم على معايشة عالم بعيد تماما عن العالم الذى تنتمى إليه من جهة أخرى، ومن ثم تعانى اضطرابات فى السلوك الاجتماعى والنفسى مما يؤثر بدرجة كبيرة على نموها الصحى، ويحد من فرص نجاحها فى الحياة.

لقد تسبب زواجك من ذاك الرجل فى حالة الاضطراب التى تعيشينها برغم إنجابك منه، وفى مشاعر الحزن المستمرة المسيطرة عليك وتقلب مزاجك الشديد، والتفكير المستمر فى المستقبل ليلا ونهارا.. وعليك أن تخرجى من هذه الدائرة، وأن تنظرى إلى المستقبل نظرة أخرى، فأبناؤك فى حاجة إليك، وأنت لم ترتكبى جريمة، ولا جريرة، وإنما تزوجت فى وضح النهار أمام الجميع، ونسب أبنائك إلى أبيهم أقوى دليل على سلامة موقفك، وكل من حولك يؤازرونك ويعلمون أن زواجك من أبيهم زواج سليم.. وأن السبب فى هذه «البلبلة» هو أبوك الذى وافق على زيجة غير متكافئة، وبالنظام العرفى الذى لا يكفل حقوقا قانونية لمن تزوج بهذه الطريقة إلا فى حالة وجود أبناء مسجلين باسمه.

إن موقفك سليم من الناحية القانونية فلا تخشى شيئا، ولكن يبقى الدرس الأكبر الذى يجب أن يتعلمه الآباء والأمهات وهو أن الزواج الصحيح الخالى من المشكلات هو القائم على التوافق الاجتماعى والمادى والثقافى، وأن يكون زواجا موثقا لا لبس ولا غموض فيه، وأرجو من أهل زوجك، وزوجته الأولى أن يعلموا أن سلوكهم المعاند لك سوف ينعكس عليهم ولو بعد حين، فهم يعلمون الحقيقة كاملة، ويجب ألا يبخسوك حقك.. أسأل الله أن يهديهم وأن يوفقك إلى ما فيه الخير، وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق