قد لا يعرف عن دونالد ترامب انه قارئ او محب للكتب والمعرفة، غير ان موقفه منذ اللحظة الأولى من قضية الهجرة إلى الولايات المتحدة سواء من جنسيات افريقية او عربية او اسلامية، ولكن بوجه خاصا من المكسيك، والجدار العازل الذى صمم على بنائه لمنع تدفق المهاجرين منها الأمر الذى وضعه فى صدام مع الكونجرس، هذا الموقف هو الذى يجعلنا نتساءل اذا ما كان ترمب إلى جابب غرائزه المعارضة للمهاجرين، قد قرأ كتاب عالم السياسة الامريكى صمويل هنتنجتون «من نحن» وهو الكتاب الذى حذر فيه من تأثير الهجرات خاصة من دول الامريكية اللاتينية عن نقاء الهاوية انجلو سكسونية الامريكية، بل انه ذهب إلى حد التحذير انه هذا تركت الهجرة مفتوحة بشكل مطلق سوف تنتهى بأن يصبح الامريكون البيض اقلية..
................................
وفى هذا الكتاب يحذر هنتنجتون من الخطر الذى تتعرض له الهوية والثقافة الامريكية، كما تشكلت على مدى ثلاثة قرون فى جوهرها الانجلو – بروتستانتى. من القوة المعاظمة من الامريكيين من اصول لاتينية وخاصة المكسيكيين حيث باتوا يشكلون اكبر الاقليات فى الولايات المتحدة اذ بلغ تعدادهم حوالى 40 مليون نسمه. وبشكل اصبح يهدد بانقسام ثقافى ولغوى فى المجتمع الامريكى.
ويعالج كتاب هنتنجتون التغيرات التى تحدث فى السمة البارزة وجوهر الهوية القومية الامريكية ويقصد بالسمة البارزة ما يولية الامريكيون من اهمية لهويتهم القومية مقارنة بهوياتهم المتعددة الاخرى، وهو فى هذا يقدم عدداً من النقاط الجوهرية منها ان ما يشكل جوهر الهوية الامريكية قد اختلف عبر التاريخ فعند نهاية القرن الثامن عشر كان المستوطنون البريطانيون لا يحددون هويتهم كسكان لمستعمراتهم فحسب وانما ايضا كأمريكيين، وعقب الاستقلال بدأت فكرة الهوية الامريكية تاخذ طريقها بشكل تدريجى وبطئ فى القرن التاسع عشر ولكن بعد الحرب الاهلية اصبحت الهوية الامريكية بارزة مقارنة بالهويات الاخرى ومع هذا فإنه فى يالستينيات بدأت الهويات الفرعية والثنائية والعابرة للقوميات تنافس وتفتت الهوية القومية. غير ان احداث 11 سبتمبر اعادت هذه الهوية إلى المقدمة فكلما شعر الامريكيون بان امتهم مهدده فانه من المحتمل ان يكون لديهم احساس عال من الهوية. فإذا ما تلاشى هذا التصور للتهديد فأن الهويات الاخرى سرعان ما تعود لتحتل الاولية مرة ثانية على الهوية القومية.
ويكتب هنتنجتون هذا الكتاب مدفوعاً بعاملين: كونه وطنياً، وكونه باحثا، فهو كوطنى يشعر بالقلق العميق ازاء وحدة امريكاً وقوتها كمجتمع يقوم على الحرية والمساواة والقانون والحقوق الفردية. وكباحث فهو يجد ان التطور التاريخى للهوية الامريكية وحالتها الراهنة تفرض قضايا مهمة تستحق الدراسة والتحليل.
ويسجل هنتنجتون تأثير احداث 11 سبتمبر على الهوية الامريكية. فيلاحظ انه قبل هذه الاحداث كانت ظاهرة رفع الاعلام الامريكية على المبانى والمنشآت قد ضعفت ولكن بعد 11 سبتمبر اصبحت الاعلام الامريكية فى كل مكان ويشكل لم يكن مألوفاً بهذا الحجم وهو ما عكس الازمة التى مرت بها الهوية الامريكية قبل هذه الاحداث وضعف ما تتسم به عند الامريكيين مثل بعض المتعلمين والنخب الامريكية حيث بدت الهوية الامريكية وكأنها قد توارت عن الانظار واصبحت الهويات العرقية والعنصرية فى المقدمة.
ويؤكد هنتنجتون تأثير الهجرة اللاتينية على وحدة اللغة ووحدة الثقافة الامريكية فيعتبر ان هذه الهجرة وخاصة بعد 1965 يمكن ان تقسم امريكا إلى قسمين فيما يتعلق باللغة (الإنجليزية والاسبانية) والثقافة (الإنجليزية واللاتينيه) الأمر الذى يمكن ان يحل محل الانقسام بين البيض والسود باعتباره والانقسام الاكثر اهمية فى المجتمع الامريكى وسوف يصبح جزء من امريكا وخاصة فى جنوب فلوريدا والشمال الغربى لاتينيا فى المقام الاول فى الوقت الذى تتعايض فيه كل الثقافات واللغات فى باقى امريكاً.
ويستخلص هنتنجتون ان الهوية الامريكية سوف تتشكل بصورة حاسمة بالادارك الجديد لاكتشاف امريكا للهجوم الخارجى وتأثير تفاعلات امريكا الشديدة مع شعوب ذات ثقافات وديانات مختلفة فالتأثيرات الخارجية يمكن ان تدفع إلى عادة اكتشاف الامريكيين وتحديدهم لهويتهم التاريخية وثقافتهم الدينية.
ونرى كتاب هنتنجتون الجديد امتدادا وتوسيعاً لكتابه الاول عن «صدام الحضارات» Clash of civilizations. فإذا كان الكتاب الجديد يحذر من تآكل الهوية الامريكية واساسها الانجلو – بروتستانتى وما يتهددها من انقسام لغوى وثقافى. فانه فى كتابه الاول يهاجم من اسماهم دعاة التعددية الثقافية الامريكيين «الذين رفضوا تراث بلدهم الثقافى بدلاً من محاولة توحيد الولايات المتحدة يرغبون فى خلق بلد ذى حضارات متعددة اى بلد لا ينتمى لحضارة معينة ويفتقر إلى قلب ثقافى.. ويرينا التاريخ ان دولة بهذا الشكل لا يمكن ان تستمر طويلا كمجتمع متماسك. فولايات المتحدة متعددة الحضارات لن تكون الولايات المتحدة بل ستكون الامم المتحدة.
ونستطيع ان نقول انه اذا كان ترامب قد قرأ كتاب « من نحن؟» وتأثر به ثم وضعه موضع التطبيق عندما تولى الحكم، فان هذا يعنى ان عالم السياسة قد قدم الرؤية والنصيحة،وان السياسى بتنبيه لها حقق نبوءة هنتنجتون عندما كتب ان تفتت الجوهر الانجلو سكسونى للولايات المتحدة يمكن ان يولد حركة من جانب الامريكيين البيض لاحياء المفاهيم العنصرية والعرقية للهوية الامريكية التى يرونها قد نبذت وضعفت الثقة فيها لخلق امريكا تستبعد وتطرد، او تتجاوز وتقهر الجماعات العنصرية والعرقية والثقافية الاخرى.
رابط دائم: