رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ذكرى حريق القاهرة فى أوراق مؤرخ ملكى..
ماجد فرج: الملك فاروق برئ.. وأصابع الإخوان حاضرة

أجرت الحوار: رانيا حفنى
تصوير: مصطفى عميرة

قبل 67 عاما من الآن حدث حريق القاهرة، فى يوم السبت 26 يناير 1952 ليدخل فى قائمة الكوارث التى عانت منها هذه المدينة العظيمة خلال ألف عام من عمرها المديد. هذا الحريق يندرج فى قائمة الحرائق الخطيرة التى تعرضت لها بعض المدن الكبرى فى العالم على مر الزمان مثل حريق روما أيام نيرون وحريق لندن الكبير فى القرن السابع عشر وموسكو أيام نابليون وشيكاغو فى منتصف القرن التاسع عشر. الحدث كان بمنزلة مقدمة لثورة 1952 وبعدها تم إعادة ترسيم الحدود السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر والوطن العربى. واليوم تعيد «الأهرام» طرح السؤال من جديد على الباحث والمؤرخ د. ماجد فرج الذى استطاع جمع عدد كبير من الصور النادرة لهذا اليوم المشهود بهدف إعادة ترتيب الأوراق.. وكان هذا الحوار:
.........................

> لماذا تم اختيار ذلك اليوم لهذا الحدث الضخم؟

فى هذا اليوم كان يجرى فى قصر عابدين الاحتفال بميلاد الأمير احمد فؤاد الثانى ولى العهد. لقد تم اختيار اليوم بعناية فائقة ورسم الخطة بعناية لتؤدى إلى نهاية هذا الحكم...وقد شارك ثلاثة من رجال القصر بالتنسيق مع السفارة البريطانية فى اتمام الجريمة كما تم اختيار يوم 26 يناير لأنه أيضا يوم قيام الحكومة الوفدية بتسليم كميات كبيرة من الأسلحة إلى كتائب الفدائيين على جبهة القناة تدعيما لهم فى كفاحهم ضد الانجليز. وتكشف الوثائق البريطانية انه لما اشتد نشاط الفدائيين المصريين ضد القوات البريطانية وضعت بريطانيا خطة اسمها «روديو» حيث تم الإشارة إلى أن بريطانيا خططت لنزول قوات لها بالأسكندرية وتتحرك قوات بريطانية أخرى من منطقة القنال إلى القاهرة، وعندها يتم عزل الدلتا عن مصر لتستطيع بريطانيا عندئذ فرض ما تراه من شروط على حكومة مصر، وذلك بعد أن تلقوا العديد من الضربات فى منطقة القناة والتى اعتبروها أن الوفد يمثل الدعامة الأساسية فيها، خاصة مع إلغاء معاهدة 1936 وتوهج المظاهرات ضدهم.. وليبدو الأمر أنه لصالح الملك للقضاء على حكومة النحاس باشا وقد أشار عبد الرحمن الرافعى إلى أن الحريق قد تم بيد الكثير من العناصر الرديئة والذين عثر على الكثير من المنهوبات فى منازلهم.

> كيف بدأت أحداث ذلك اليوم؟

بدأت بحريق كازينو بديعة الساعة 12:30 ظهرا، وبعدها بربع ساعة تم حرق سينما ريفولى وتحطيم سيارات الإطفاء وإتلاف خراطيم المياه، ثم توالت الحرائق لتلتهم 700 محل وسينما وكازينو ومكتب فى قلب القاهرة وامتدت من ميدان الأوبرا إلى الإسعاف وميدان رمسيس والتحرير والظاهر والعباسية وشارع الهرم وأسفرت عن 26 قتيلا وأصيب 552 شخصا بحروق وجروح. فى ذلك اليوم احترقت 300 من كبرى المحلات التجارية مثل شيكوريل وعمر افندى وبنزايون و30 إدارة ومكاتب شركات كبرى و117 مكتبا وشققا سكنية و13 فندقا كبيرا ومنها فندق شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا و40 دار سينما ومنها ريفولى وراديو ومترو وديانا ومتروبول وميامى وهونولولو و10 متاجر سلاح و8 معارض سيارات و73 مقهى ومطعم وصالة ومنها محلات جروبى والأمريكين وجميع المطاعم الكبرى و93 حانة و16 ناديا ومنها النادى اليونانى ونادى محمد على وبنك باركليز.

> بماذا أفادت التحقيقات؟

من بين المتظاهرين وجد نفر من الناس يحملون مواد حارقة لا يتيسر للرجل العادى الحصول عليها.. لقد احترقت القاهرة بالكامل وفقا للتحقيقات بالبودرة الحارقة وعلب البنزين المعبأة به وكانت شركة شل البريطانية تنتجها للولاعات، ولقد أفادت الشركة أنها لم تنتج كميات إضافية وانه ليس فى مخازنها من هذا الصنف. وكثيرون نفوا عن الملك أى اتهام فى هذا الصدد.. فهل يعقل أن يحرق بلده بعد عشرة أيام من ولادة ابنه؟. ومن ناحية أخرى سعت أمريكا لفرض الحلف الرباعى أو حلف الشرق الأوسط على مصر بهدف جر مصر وراءها فى حرب كوريا وإزاء التزام الوفد بسياسة عدم الانحياز ورفض التبعية فان أمريكا قادت كل عمليات الإطاحة بالوزارة الوفدية لمعارضتها لسياستها الاستعمارية والدليل هو ظهور أفيشات مصورة على الجدران قبل الحريق بليله مكتوب عليها «الشيوعيون فعلوا ذلك», وبالطبع إلصاق التهم سمه من سمات المخابرات الأمريكية. وبالطبع يأتى هذا بعد يأسها من الملك خلال الحرب العالمية الثانية لتنفيذ سياستها ولذا اتصلت بالضباط الاحرار كما جاء فى كتاب «مايلز كوبلاند» الذى يعبر عن وجهه النظر الأمريكية تجاه مستقبل مصر. الأهم كان تقرير اللجنة التى شكلها السفير برئاسة الملحق العمالى وحققت فى الموضوع من جميع الجوانب وقدمت تقرير فى 58 صفحة تحت عنوان «تقرير لجنة السفارة البريطانية للتحقيق فى أعمال الشغب فى القاهرة» وجاء فيه ان اعمال الشغب قد تمت وفقا لخطة مبيته أعدت من قبل وانه جرى التخطيط والتنظيم لها قبل ان تدخل مرحله التنفيذ.

ويؤكد التقرير ان العصابات المنظمة اتبعت نماذج نمطية الى حد كبير فكان هناك رجل او اثنان يقودان عددا قليلا من الأشخاص الذين تعطى لهم التعليمات لتنفيذها. كما ان اساليب الهجوم وسرعة الانتقال للاهداف بعنايه اتخذت ايضا نمطا متشابها فى اكثر من مكان وتعتبر اللجنة ان السرعة التى التهمت بها النيران حتى المبانى الكبيرة دليل كاف على ان المهاجمين تم تدريبهم جيدا. ولقد شهد على باشا ماهر باعتباره شاهد نفى أمام المحكمة العسكرية انه لا يستبعد تدخل أياد أجنبية فى الحادث فلقد استخدم المخربون يومها أجهزة لصهر المعادن وقنابل ومفرقعات ومسدسات مصنوعة فى الخارج ولا يستطيع استخدامها سوى اشخاص مدربين.

يضاف على كل هذا تواطؤ حيدر باشا وزير الحربية انذاك فقد تم اخلاء القاهرة من قوات الجيش الاصلية ولم يكن متواجد سوى العساكر كما انه لم ليستجب لمطلب فؤاد سراج الدين بنزول الجيش بعد اتصاله به الساعة 12:45 الا بعد الساعة 2:55 كل هذا يؤكد تواطئة هو وقائد أركانه وتنفيذها الجانب المناط بهما فى المؤامرة.


> وهل كان لتنظيم الإخوان دور فى هذا؟

اثنان كان لهما دور فى هذا الحدث.. تنظيم الاخوان المسلمين فى المقام الأول ثم تنظيم الضباط الأحرار فالإثنان كانت لديهما الرغبة فى السيطرة على الحكم والاثنان لديهما القدرة على استخدام الشارع واستقطابه وكلاهما استخدم الآخر.. أما اتهام الملك فهو أمر ساذج جدا كما قلت قبل ذلك، كما أنه كان باستطاعته إقاله الوفد بمنتهى البساطة, ولكن أن يصل الأمر لحرق بلاده يوم الاحتفال بولى العهد.. فهذا أمر هزلى للغاية ولا يصدقه عقل. وبعد رحيل الملك تصارع التنظيمان على الغنيمة وكانت الغلبة لمن يملك السلاح والطبع وانتهى شهر العسل.

جدير بالذكر ان محمود عبدالحليم القيادى الإخوانى البارز وعضو الهيئة التأسيسية للجماعة، ورفيق حسن البنا الأبرز قد كتب اعترافات فى كتابة «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ» وقد اشار فيه الى ان «الهضيبى» مرشد الأخوان آنذاك قد فوض «يوسف طلعت» للتفاوض مع «أحمد حسين» زعيم حزب مصر الفتاة للاتفاق عن عمل ثورى انقلابى لإسقاط نظام الحكم. وتم الاتفاق بين «طلعت» و«أحمد حسين» على تنفيذ خطة حريق القاهرة على أن يبدأ ذلك بحرق قسمى الأزبكية وعابدين لأنهما يضبطان وسط القاهرة، ثم حرق المحال بوسط البلد وسنترال القاهرة الرئيسى برمسيس وسنترال العتبة لقطع الاتصالات، وحرق شركة الكهرباء لقطع التيار الكهربائى.

ووفقا لما رواه «عبدالحليم» فإن هذا الأمر كان يحتاج لقوة بشرية عالية وهى التى كان يمتلكها «مصر الفتاة» و«الإخوان»، إلا أن التنظيم السرى للإخوان كان أكثر قوة وكان لديه سند شرعى فرغم ما ستسببه عمليات الحرق من خسائر للدولة إلا أنه يعنى وصول الإخوان للحكم. جدير بالذكر ان الخطة التى تم تنفيذها تم العثور على تفاصيلها فى قضية «السيارة الجيب» عام 1948 والتى ترتب عليها إصدار النقراشى باشا قرارا بحل الإخوان. حيث كانت الخطة الموضوعة والموجودة حاليا بدار الكتب والوثائق تنص على حرق السنترالات وأقسام الأزبكية وعابدين والمحال الكبرى إضافة إلى القناطر الخيرية.. المذهل أن الخطة هى نفسها التى وضعها سيد قطب عام 1964 للانقلاب على نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والتى أسندت لعبدالفتاح إسماعيل الذى حكم عليه بالإعدام مع قطب، وكان قطب وإسماعيل قد خططا للاستعانة بشباب الجماعة ومن بينهم محمود عزت ومحمد بديع المؤيدين لفكرة أن الإخوان لن يصلوا للحكم إلا عن طريق القوة. ووفقا لرواية محمود عبدالحليم فإن الخطة فشلت نظرا إلى أن الأعداد التى تحركت من «مصر الفتاة» لم تكن على اقتناع بشرعية الخطة, لذلك تراجعوا فى اللحظات الأخيرة، وهو الأمر الذى تسبب فى ألا يتم ثلث الخطة، واستطاعت قوات الأمن وقتها السيطرة على الأمور، فلم يجد الإخوان وقتها بديلا للسيطرة على الحكم إلا عن طريق التواصل مع تنظيم الضباط الأحرار، وكما أشار المؤرخون فإنه لم يكن يوجد فى مصر عام 1952 تنظيم مسلح أو دموى سوى تنظيم جماعة الإخوان. وأن حريق القاهرة عام 1952، لم يكن المقصود منه سوى طمس جرائم القوات البريطانية مع الشرطة المصرية فى الإسماعيلية، ولم يكن لفصيل سياسى مصالح مع الإنجليز وقتها سوى جماعة الإخوان، فالجماعة تدين بفضل النشأة إلى المخابرات البريطانية، كما تدين لها بالرعاية والتمويلات، التى جاءتها بناء على تزكية بريطانية، كما تدين لها بتوفير الحماية والغطاء السياسى.

ما هو تقدير الخسائر فى هذا التوقيت؟

بلغت الخسائر المادية ما بين 40 و70 مليون جنيه وهو رقم كان حينها يعادل 17% من ميزانية الدولة المصرية.

> إلى أى مدى يتشابه حريق القاهرة مع أحداث يناير 2011؟

إذا تطرقنا إلى موقف الإخوان المسلمين فى كلا الحادثين، فسنجد أن موقفهم يتشابه إلى حد كبير بين يناير 1952 ويناير 2011، وهو ما كشفته تقارير البوليس السياسى عندما أشارت إلى الدور الذى قام به الشيخ محمد فرغلى، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، يوم السبت 26 يناير عام 1952، «عندما شوهد ومعهم عناصر من الجماعة، وهم يحرضون المتظاهرين الغاضبين على أعمال الفوضى وإحراق المنشآت التجارية والملاهى»، وهو نفس السيناريو الذى تكرر فى جمعة الغضب يوم 28 يناير 2011.

أما عن عمليات الحرق ذاتها فقد تمت فى كلا الحادثين من توقيتات واحدة، وإذا كانت التجربة فى يناير 1952 كانت مقصورة على القاهرة فقط، إلا أن عمليات الحرق فى 28 يناير 2011، كانت فى توقيتات واحدة ومناطق جغرافية مختلفة من بورسعيد إلى الإسكندرية.. وامتدت إلى محافظات الدلتا بالكامل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق