لم يعد لدى الفلسطينيين أوراق مؤثرة فى الصراع من أجل قضيتهم، حتى على صعيد الدفاع عن النفس، تكلفة هذا الدفاع بالطريقة التى تلجأ إليها بعض الفصائل والمجموعات المسلحة فى قطاع غزة مكلفة للغاية. وضريبة المحافظة على المكاسب الشكلية، التى تحققت عبر اتفاق أوسلو، فى الضفة الغربية باهظة جداً.
ولذلك أصبحت المقاومة الثقافية هى سبيل الفلسطينيين من أجل الصمود، والمحافظة على قضيتهم حية فى الفترة المقبلة التى تعد الأكثر صعوبة وتعقيداً منذ 1948. ولكن عندما عبرتُ عن هذا المعنى فى لقاء جمعنى وضيوفاً فلسطينيين قبل أيام، أصابهم استغراب، رغم أنهم مثقفون.
فى حالة الضياع العربى الراهن، التى أصاب الفلسطينيين قسم كبير من تبعاتها، نجد مثقفين يستغربون أن تكون الثقافة هى قاطرة المقاومة، وليست السياسة التى قسمت الفلسطينيين، وجعلتهم لبعضهم أعداء, أو العمل المسلح الذى تحول فى كثير من الأحيان إلى سلاح ضد قضيتهم. غير أن الاستهانة بالثقافة أمر شائع لدى العرب. ومع ذلك، سيعرف الفلسطينيون آجلاً أو عاجلاً أن الثقافة هى سبيلهم لإبقاء قضيتهم حية رغم كل محاولات إنهائها.
أدب الأطفال على سبيل المثال عامل حاسم فى تنشئة الأجيال الجديدة التى تحتاج اهتماماً يفوق سابقاتها.والفن الذى يعبر عن هذه القضية بأسلوب جمالى، وليس خطابياً، يعد الأداة الأكثر تأثيراً لمن يريد أن يصل إلى أوسع جمهور ممكن فى العالم.
وكان فوز فيلم «التقارير حول سارة وسليم» بجائزة الجمهور لأفضل فيلم روائى فى مهرجان بوسطن فلسطين السينمائى آخر دليل على ذلك. وليست هذه الجائزة الدولية الأولى التى حصدها الفيلم الذى شارك فى عدد كبير من المهرجانات الدولية ممثلاً لفلسطين0 فقد حصل على جائزتى أفضل سيناريو، وأفضل ممثلة, فى مهرجانين آخرين، فضلاً عن جائزة التحكيم الكبرى فى مهرجان سياتل الدولى.
وعندما يُعجب الناس فى أى مكان من العالم بفيلم فلسطينى، فهم يتعاطفون فى الأغلب الأعم مع قضية هذا الفيلم، أو على الأقل يعرفون عنها ما لم يكن لديهم علم به من قبل0 ولذلك ربما تنجح المقاومة الثقافية على هذا النحو فيما أخفق فيه النضال السياسى والمسلح.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: