فى الاحتفال بذكرى ميلاد سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه أفاض الحديث الدينى فى تناول السيرة العطرة ومآثر وسجايا الرسول الكريم.. وقليل الحديث ما استطاع أن يجدد القراءة ويربطها بالواقع المعاش وما يمتلئ به من مشكلات وأزمات وتحديات دوليا وإقليميا وداخليا، وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية.. وما أضاف وما لم يضف من أحاديث أثار ما فى نفسى من ألم وشجون وتساؤلات أثق أنها تثير شجون الكثيرين، خاصة أننى كنت قد انتويت أن أكتب حول حملة لاستعادة الشخصية المصرية، فقد أعلن أحد الأحزاب عن الإعداد للقيام بها فمن لايتألم بما حدث من تحولات وأعراض مرضية بعيدة عن المكونات الأصيلة للشخصية المصرية.. ولما كان البعد الإيمانى من هذه المكونات كنت أتساءل دائما هل من أرتكبوا ويواصلون كل ما شهدته مصر ومازالت تشاهده من فساد وإفساد وتدمير وتخريب لايعرفون ولايدركون ولايفهمون ماجاء من قيم ومباديء فى القرآن والسنة.. إن البسطاء الذين لا تسعفهم ثقافتهم فى معرفتها جيدا كانوا دائما الأكثر تقربا فيها لولا ما فعلته الفاشية الدينية ومن صنعوا من الدين غطاء لمخططهم وأطماعهم وتضليل واستغلال الكثير منهم.. وهل أغلب أبناء أمة صلاوات الله عليه وسلامه عرفوا كيف يحولون ما جاء فى دينهم من فهم عن قيم ومبادئ نستطيع أن تقيم أفضل صفات وظروف لمجتمعاتهم وكيف استطاعت آراء مغلوطة وظلامية ومتخلفة أن تدفعهم إلى إراقة الدماء والعنف ومعاداة الحضارة والتطور والإنسانية وتنتصر على قيم البناء وإعمال العقل والعلم وتعظيم قيمة الإنسان التى يدعو إليها الرسول؟ وفى مصر هل ما يتفشى الآن فى الأخلاق والمواقف وما نشهده مما لايصدق من فساد وإفساد ولامبالاة بأصول أو قوانين يتفق مع جوهر مبادئه ودعوته؟! وهل يتفق تخلف الفكر والعلم والعيش عالة على ما تنتجه وتبتكره رءوس يتهمها جهلاء بالكفر رغم كل ما دعا إليه من تحليق فى آفاق العلم والفكر؟! وهل لايعرف مآثره العظيمة ومباديء دينهم أساتذة جامعات يكررون الآن المآساة التى حدثت للتعليم، وكادت تقضى على المدارس تماما وبدلا أن يقدموا علمهم لطلبتهم فى المحاضرات يبيعونه بأرقام خيالية فى دروس خاصة، أى قدوة نقدمها لهذه الاجيال! خلاصة المأسأة التى نعيشها أن الصلاة والعبادات أمر، وممارسة طقوس الحياة ومسئولياتها بعيدا عن تجليات الأخلاق والمباديء والقيم التى تمثل المساحة الأكبر من القرآن والحديث الصحيح أمر بعيد تماما!.
والقياس ينطبق على سائر الازمات والكوارث بل الجرائم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التى شهدتها مصر ومازالت ..من استباحوا سرقة أخصب أراضى الوادى والبناء فوقها فى احصائية لوزارة الزراعة نشرت الشهر الماضى أننا خسرنا 299 ألف فدان أراض زراعية خلال 35 عاما! ومن المسئول عن تجفيف وردم وتلويث البحيرات وردم شواطيء النيل وبناء القصور الخاصة والاندية والملاهى والمطاعم فوقها.. ومن كونوا ثرواتهم الضخمة من سرقة واستغلال ما أفاض الله من خير على مصر وعندما يتهربون من دفع الضرائب ويمتنعون عن مد أيديهم لانقاذ انهيارات الريف والصعيد وعزلة سيناء وماجرى للمدارس والمستشفيات هل من أرتكبوا هذه الجرائم من مواطنين وسهلوها وسمحوا بها وأغمضوا العيون وفتحوا الجيوب من مسئولين كانوا لايعرفون هذه المباديء؟!.
> فى رأيى أن جوهر أزمة مانعيشه الآن هو الانفصال بين صحيح الدين وضعف إن لم يكن غياب أدوار وقدرة صناعة تحولات وتغييرات حقيقية من الشكل إلى المضمون تقوم به جميع المؤسسات المكونة لثقافة المصريين وبمختلف مستوياتهم وقدراتهم وثقافتهم . وجعل حضارة واستنارة القرآن والحديث الصحيح فى بناء الإنسان واحترام عقله وحرياته وحياته والعلم والعمل والإنتاج.. واحترام المرأة ومعرفة قدرها ومكانتها، وقائع حياة تتجاوز فى خطاب يفصح ويواجه بشجاعة وقدرة تأثير ماتفشى من آراء شاذة ومتخلفة تضع غطاء الدين مستغلة غياب الادوار المسئولة، وفى مقدمتها المؤسسات الدينية بقدر أهميتها ومكانتها لدى المصريين.
وفى الاحتفال بذكرى المولد الشريف لفتنى ما أعلنه وزير الأوقاف عن إنشاء أكاديمية جديدة لتدريب الائمة بتكلفة 100 مليون جنيه! فهل سيقدم فيها نفس الخطاب السائد الذى لم يستطع أن يحقق المرجو منه.. وفى السنوات الماضية ماذا كانت تقدم الوزارة للدعاة، والمثال واضح فيما يقدمه وزير الأوقاف اسبوعيا تقريبا فى خطب الجمعة.. دعك من كيف تنفق مليارات الاوقاف وتدار أملاكها التى آلت كاملة للوزارة!.
> مازال فى ذاكرتى وكتبت عنه منذ سنوات ما تناوله فضيلة الشيخ شلتوت رحمه الله فى حديث اذاعي، وكيف أدان وبأقوى وأشد العبارات ألا تقوم الأمم بإدارة نهضات صناعية وزراعية والفريضة الوطنية التى يمثلها الاعتماد على الذات، والعقوبات السماوية التى يجب أن تكون وتوقع على كل من يفرط !
> أتمنى على مؤسساتنا الدينية أن تستبدل الخطاب الذى يستغرق فى الماضى بخطاب يستلهم ما فى الاسلام.. من مباديء حضارة واستنارة ويعانق آفاق التقدم والعلم والفكر والابداع والحريات والعمل والإنتاج وإعلاء قيمة الإنسان والحريات بدعم الخطاب إعادة قراءة وتنقية التراث وهو ما لا يعنى أبدا إنكار السنة والحديث الصحيح، وأيضا بخطاب قائم على الوصول والتأثير فى جميع المستويات الثقافية ومنع مزيد من اختراق جهل أو آراء تشذ وتسئ أو تطرف أو فاشية دينية وهى أيضا مسئولية جميع مؤسسات الدولة، يتقدمها إقامة وسيادة العدالة وتطبيق القانون والمواطنة التى تلغى التفرقة والتمييز والحصانات لغير حق الرأى اتفاقا واختلافا وتصحيح مبادئ الإسلام وقيمة حياة وممارسات ومبادئ وطقوسا للناس جميعا.
لمزيد من مقالات سكينة فؤاد رابط دائم: