تناولنا فى الحديث السابق ثلاثا من المشكلات التى تواجهها الحالة المائية فى مصر أولاها قلة الموارد المتاحة ، ثم مشكلة الانفجار السكانى التى تلتهم كل محاولات توفير المياه لكل مواطن وثالثها أمراض التلوث التى أصبح من المهم ليس فقط علاجها بل القضاء على اسبابها وأهمها المياه الملوثة.. نستكمل بحث هذه التحديات والقضايا التى تتصل بالأحوال المائية فى مصر، وهى كثيرة من المهم للتعرف عليها أن نشير إلى بعضها:
أولاً: زيادة الاستخدام نظراً لزيادة متطلبات وتوقعات الشعب. عام 1990 كان نحو 80% من المياه العذبة تذهب للزراعة و 5% للصناعة و 7% للاحتياجات المنزلية وذلك وفقاً لتقرير المعهد العالى للموارد المائية ومنظمة هيئة الأمم المتحدة للبيئة الصادر عام 1992 واليوم نحو 88% من المياه العذبة تذهب للزراعة الذى تعتبر أكبر مستهلك للمياه فى مصر ونحو 15% للصناعة والكهرباء والطاقة و5% للاستخدامات المحلية، أما المياه المستخدمة للشرب والاستخدامات المنزلية فارتفعت إلى نسبة 10% من حجم الموارد المائية حيث وصلت إلى نحو 7 مليارات م3 فى السنة.
الأمر الثانى يتصل بسوء الإدارة أو غياب الإدارة الرشيدة وعدم التنسيق لتحقيق الاستخدام الأمثل لما هو متاح. مسئولية الأحوال المائية فى مصر مبعثرة بين عدد من الوزارات والهيئات المنوط بها توفير المياه للاستخدامات المختلفة وعن الصرف الصحى. منها: وزارة الرى وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية - الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى الهيئة العامة لمرفق مياه القاهرة الكبرى الهيئة العامة لمرفق الصرف الصحى للقاهرة الكبرى الهيئة العامة لمرفق مياه الإسكندرية الهيئة العامة لمرفق الصرف الصحى بالإسكندرية هيئة قناة السويس المحليات بمحافظات الجمهورية عدا القاهرة والإسكندرية تقوم بإدارة وتشغيل وصيانة مرافق مياه الشرب والصرف الصحى مديريات الإسكان والمرافق شركات مياه الشرب والصرف الصحى الهيئات الاقتصادية المستقلة لمرافق مياه الشرب والصرف الصحى هيئة المجتمعات العمرانية الجهاز المركزى للتعمير أجهزة التنمية الريفية شركات القطاع الخاص للإمداد بمياه الشرب وزارة شئون البيئة وزارة التخطيط والتعاون الدولى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، وهناك بالطبع بعض المنظمات والجمعيات الأهلية التى لا غنى عنها من أجل التعرف على الواقع وايضا القيام بالتوعية المطلوبة لقيام الدولة بمسئولياتها والمواطن بواجباته.
هذا الواقع يؤدى إلى ضياع المسئولية والقدرة على التعرف على الواقع وتحديد الواجبات للمساءلة والتقييم والتصحيح. كما أنه أدى إلى تضارب وتناقض التصريحات فى تقرير حجم الأزمة وتتفاوت بين التصريح بأن أزمة العطش أزمة موسمية أو مجرد سوء توزيع وأنه لا توجد أزمة مياه، أو القول إن الأزمة لا يمكن حلها وسوف تستمر إلى عام 2057. كما تختلف التقارير، فوزارة السكان تعلن أن 5% من السكان محرومون من مياه الشرب بينما تؤكد وزارة الدولة للتنمية الإدارية أنهم نحو 25% وأغلبهم فى الريف. يعود الاختلاف عادة بسبب اختلاف اطار البحث والأماكن التى يشملها وعدم التنسيق. ولما كانت معرفة الحقيقة هى دائما أولى خطوات الإصلاح أصبح الأمر يقتضى معرفة الواقع وتحديد المسئوليات وتشكيل لجنة مشتركة للتنسيق والتكامل.
الأمر الثالث هناك عدد كبير من الاتفاقيات الدولية التى ترتبط بنهر النيل وتوزيع مياهه. بدأت منذ قيام المستعمر الاوروبى بالاستيلاء على اراضى إفريقيا فى تسابق محموم بينها. شاركت فيه المانيا بعد أن انتصرت على فرنسا عام 1870 وايطاليا وملك بلجيكا الذى اثارته اكتشافات لفنجستون وستانلى فى حوض نهر الكونغو وشن حملة ناجحة احتل بها حوض ذلك النهر، البرتغال مدت نفوذها على أنجولا وموزمبيق، وفرضت المانيا نفوذها على تنجانيقا (تنزانيا) والكاميرون، وفرضت بريطانيا نفوذها على حوض النيجر ثم على حوض النيل.
هناك اتفاقيات وبروتوكلات يمس بعضها مياه النيل لا يتسع المجال لسردها جميعا منها:
ـ البروتوكول بين بريطانيا العظمى وايطاليا بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منهما فى افريقيا الشرقية، وقع فى روما 15 ابريل 1891 تعهدت فيه ايطاليا بعدم اقامة أى منشآت لأغراض الرى على نهر عطبرة يكون من شأنها تعديل تدفق مياهه إلى نهر النيل على نحو محسوس.
ـ المعاهدة بين بريطانيا وإثيوبيا بشأن تخطيط الحدود بين إثيوبيا (الحبشة) والسودان فى 15 مايو 1902 فيها تعهد ملك الحبشة بأن لا يصدر تعليمات أو أن يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأى عمل على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يمكن أن يسبب اعتراض سريان مياهها الى النيل دون الموافقة المسبقة من بريطانيا والسودان.
ـ اتفاق بريطانيا وفرنسا وايطاليا بشأن الحبشة فى 13 ديسمبر 1906 وتنص على أن يعملوا معاً لتأمين مصالح بريطانيا العظمى ومصر فى حوض النيل وعلى الأخص بالنسبة لتأمين وصول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر مع الأخذ فى الاعتبار المصالح المحلية للدول التى يمر فيها النهر.
ـ وهناك اتفاق ليويولد الثانى «عاهل دولة الكونغو المستقلة» وادوارد السابع ملك المملكة المتحدة فى 12 مايو 1906 لتعديل مناطق نفوذهما فى افريقيا الوسطى. حيث تعهدت حكومة الكونغو المستقلة بأن لا تقيم أو تسمح بإقامة أى أشغال على نهر سمليكى أو نهر أسانجو يكون من شأنها خفض حجم المياه التى تتدفق فى بحيرة ألبرت ما لم يتم ذلك بموافقة الحكومة السودانية.
هذه الاتفاقيات تمت اساسا بين المستعمرين وبعضهم بعضا كان هدفها مصالحهم، مثلاً لم يكن هدف انجلترا حماية مصر أو مصلحة شعبها كان تأمين وصول المياه لمصر التى كانوا يعدونها لتكون مزرعة للقطن المصرى الذى تطلبه المصانع الإنجليزية، وهناك رحلة طويلة من محاولات الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا من المهم التعرف عليها لمواجهة الواقع لابد أن يعود اليها كل من يهمه هذا الأمر أو يعمل فى هذا المجال. وللحديث بقية.
لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا رابط دائم: