رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القيراط الحائر

«وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ» (22) (ص). هذه قصة سيدنا داود عندما فتنه الله بحب امرأة متزوجة فبعث لزوجها أوريا ليتنازل له عنها، ففعل الزوج كما تقول بعض كتبت التفسير وتزوج سيدنا داود من ملكت لُبَّه، ثم مالبث أن أرسل له الله ملكين فى صورة خصمين حتى يعلماه موقع الظلم الذى ظلم به نفسه ويرداه إلى نفسه، فما كان منه إلا أن استغفر ثم أناب.

تلك القصة وغيرها من قصص القرآن الكريم التي تظهر لنا مواطن الظلم الاجتماعى، تجعلنا نقف وقفة تأمل لناموس الحياة الذى بنى على العدل. فلقد وصف الله نفسه فى عدة مواضع من القرآن الكريم بأنه العدل، وبأنه حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين البشر؛ ومع ذلك نجد حركة التاريخ التى نرصدها عبر أمم سادت ثم اضمحلت ثم قامت على آثارها أمم أخرى تُنْبئنا بالمفاجأة الكبرى،  الظلم هو أساس الحياة وعلى هذا الأساس شدد الله تعالى على العدل فى كل النواميس والكتب السماوية ليحث البشر على المساواة والتكافؤ فى الحقوق والواجبات. فلو كان العدل هو الذى يسود دائما لما احتجنا إلى وضع القوانين المنظمة لحقوق البشر، بل لم نحتج إلى القوانين التى تنظم حقوق كل دولة وواجباتها تجاه الدولة الأخرى. هذا الظلم نتج من التفاوت الطبقى ومن تعدد الخلق بكل أشكاله، يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) (الأنعام)، حتى الدول نفسها متفاوتة من حيث الموارد والمنح الطبيعية. بل إن الكائنات جميعها خلقت متفاوتة أيضا. من هنا يسعى الإنسان دائما لاستكمال الناقص لديه. وفي هذا النقص بالتحديد تكمن سنة الخلق. فإما أن نستكمل هذا النقص بالعدل أو بالظلم. الظلم سبيله سهل، وتميل إليه النفس البشرية التى لم ترب على إعلاء قيم العدل داخلها. أما التى تربت عليه فتسعى إلى العدل ومن هنا نشأت حركة الحياة. ويأتى الناموس الإلهى ليرد الناس عن غيهم. ومن يتأمل حركة البشر والحياة يجد أن الابتلاء مقدر على كل إنسان. وعليه أن يصبر على هذا الابتلاء، بل أن يسعى لتغييره وتحويله إلى طاقة عمل. هنا يأتى القيراط الحائر حيث يعطى الله لكل إنسان 24 قيراطا من الحياة وينقص منها قيراط لينظر ماذا سيفعل الإنسان أيصبر أم يكفر أم يظلم؟ فمن يملك المنصب والجاه ربما يفقد الصحة والولد والاستقرار. والعكس صحيح. إن حركة الحياة تلك هى ما دعت سقراط ليتحدث فى فلسفته عن العادل والمتعدى. والسؤال الذى يطرح نفسه: هل أقيم العدل على الأرض سواء فى الغرب أو فى الشرق مائة فى المائة؟ الإجابة من وجهة نظرى المتواضعة لا؛ مع الحرص الشديد على إقامته دائما وإلا لما وجدنا كتبا تؤلف عن المهمشين الذين يعيشون ويموتون ربما لا نسمع عنهم شيئا. ولما قامت نظريات تاريخية كنظرية العصبية عند ابن خلدون التى أسسها على انهيار ملك كثير من البلاد بسبب الظلم. هنا يظل القيراط الحائر هو العدل وهو صانع الحياة.


لمزيد من مقالات شيرين العدوى

رابط دائم: